إن وقع مفاجأة عملية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحجمها وعدد الضحايا والأسرى الذي خلفته جعل الإسرائيليين والأوروبيين والأميركيين يقارنونها بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، لكن هذه المقارنات تفتقر إلى الدقة وتتجاهل الاختلافات بين هذه الحركات.
بهذه الجملة لخص موقع “أوريان 21” مقالا للمفكر السياسي والإسلامي ياسين سلامة حاول فيه أن يفكك ما روجته الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها من كون القتال ضد حماس هو جزء من صراع الحضارة الغربية ضد الجهاد العالمي، إذ أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2014 مثل هذا التشابه، وقارن بين هجمات11 سبتمبر/أيلول التي قام بها تنظيم القاعدة وحتى هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في فرنسا، محاولا استيعاب صراع الفصائل الفلسطينية المختلفة في ما تسمى الجماعات الإرهابية الجهادية التي تنشر عنفها في جميع أنحاء العالم، خاصة خارج المجتمعات الإسلامية، على حد قول الموقع الفرنسي.
وبعد أيام من هجوم حماس، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارة لتل أبيب، أن “حماس أسوأ من داعش”، وبعد أيام من ذلك، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعبئة التحالف العسكري الدولي الذي تم تشكيله ضد تنظيم الدولة الإسلامية لمحاربة حماس، إلا أن الكاتب رأى في هذه التشبيهات اختصارا مخلا، مشيرا إلى ضرورة إجراء مقارنة فعالة بين مذاهب هذه المجموعات المختلفة وكيفية تطبيقها في الممارسة العملية.
مجموعات تختلف في كل شيء عن حماس
ونبه الكاتب إلى أن التحليل النظري التجريبي يظهر بسرعة الخلاف بين حماس، التي أصبحت جزءًا من نموذج المقاومة القومية الإسلامية منذ نشأتها في ثمانينيات القرن العشرين، وبين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، اللذين يقولان إنهما حركتان جهاديتان عالميتان، ويدعم هذا التأكيد كون حماس لم تقم بأي عمل عنيف خارج فلسطين وإسرائيل، ولا يوجد لها فرع خارج المسرح المحلي، ومع ذلك يوجد وجهان للتشابه بينها وبين التنظيمين المذكورين: الأول هو اللجوء إلى العنف المسلح واستهداف المدنيين من دون تمييز، والثاني هو اعتبار بعض الحكومات الغربية أنها حركات إرهابية.
وفي ما يتعلق بالنقطة الأولى، يشير الكاتب إلى أن المدني حسب أدبيات حماس ليس هو ما يفهمه الغرب بشكل عام، وبالتالي لا يمكن اعتبار المستوطن مدنيا مجردا من كل مسؤولية، لأنه شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية، وقد أنهى خدمته العسكرية لعدة سنوات، مع مراعاة فترات الاحتياط، ولذلك، أمر محمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام، غداة عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعدم “قتل الشيوخ والأطفال”، وفق “المبادئ الإسلامية”.
ولعل التشابه الثاني -حسب الكاتب- ناتج عن التصور السائد بين بعض الدول في الغرب عن هذه المنظمات المختلفة، مما جعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يعتبران حماس إرهابية، لكن مجلس الأمن الدولي رفض تصنيفها منظمة إرهابية، على عكس تنظيمي القاعدة وتنظيم الدولة، لأنها تقاوم -حسب رأيه- الاحتلال الإسرائيلي.
الخلافات الأيديولوجية والإستراتيجية المذكورة بين حماس والجهاديين أدت أحيانا إلى مواجهة مسلحة على الأرض الفلسطينية، خصوصا عندما عارضت حماس، التي كانت في السلطة في غزة، الجهاديين السلفيين واعتقلت الإسلاميين المتطرفين الذين يتعاطفون مع تنظيم الدولة أو ينتمون إليه، وفي الوقت نفسه، قام التنظيم بإعدام المتعاطفين مع حماس
ونفى الكاتب أن يكون مصطلح “الإرهاب”، الذي ينطبق على تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة بشكل لا جدال فيه بين الحكومات العربية أو ذات الأغلبية المسلمة، ينطبق على حماس التي يعد تصنيفها منظمة إرهابية هو الاستثناء لا القاعدة، إذ لم نشهد قط في العالم العربي مظاهرة كبيرة لصالح تنظيم الدولة ولا تنظيم القاعدة، في حين أنها تتكرر دعما للمقاومة الفلسطينية التي تجسدها حماس، والتي لجأ كوادرها إلى عدة عواصم مثل دمشق وصنعاء والدوحة.
الأيديولوجية والبرنامج
أما من حيث الأيديولوجية والبرنامج السياسي، فإن هناك صلة مؤكدة في ميثاق حماس بين الحركة وجماعة الإخوان المسلمين، في حين يعتبرها التنظيمان الآخران أيديولوجية مرتدة، كما يعتبران علاقة حماس بالشيعة أمرا غير مقبول، علاوة على أن حماس ليست لديها أي طموحات عالمية، بل إنها -على عكس التنظيمين الآخرين- طورت إستراتيجية تسعى إلى زيادة اللقاءات مع القادة، سواء كانوا عربا أو مسلمين أو غربيين.
وفوق كل ذلك، تتميز حماس بانخراطها في الأعمال الخيرية، وهو البعد الاجتماعي الذي نادرا ما يوجد داخل الحركات الجهادية، بتقديم نفسها على أنها حزب قانوني وعملي فاز في الانتخابات التشريعية عام 2006، وطور خطه السياسي، وقد صادقت على ما يسمى بوثيقة “الأسرى” الصادرة في يونيو/حزيران 2006، التي تعترف بحدود عام 1967 وتقصر المقاومة على المناطق الداخلية المحتلة، في ما يعد نقلة نوعية، حسب الكاتب.
وفي هذا السياق، من المهم التأكيد أن الخلافات الأيديولوجية والإستراتيجية المذكورة أعلاه تنطوي أيضا على مواجهة مسلحة على الأرض الفلسطينية، وكانت هذه هي الحال بشكل خاص عندما عارضت حماس، التي كانت بالسلطة في غزة، الجهاديين السلفيين واعتقلت الإسلاميين المتطرفين الذين يتعاطفون مع تنظيم الدولة أو ينتمون إليه، وفي الوقت نفسه، قام التنظيم بإعدام متعاطفين مع حماس.
وفي مواجهة هذه العناصر، خلص الكاتب إلى أن المقارنة بين حماس وما تسمى الجهات الجهادية تعمل في المقام الأول على نزع الشرعية عن القضية الفلسطينية، إذ تود إسرائيل أن يتصور العالم أن حماس ليست أكثر من جماعة إرهابية، وأن مقاومتها تخدم النضال السلفي العالمي لهزيمة الغرب واستعادة الخلافة الإسلامية.