اتفقت صحيفتان بريطانية وأميركية على وصف الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية المسلحة على إسرائيل -فجر السبت- بأنه يمثل “فشلا ذريعا” للمؤسسة العسكرية والأمنية وأجهزة المخابرات في دولة الاحتلال، لم يسبق أن شهد مواطنوها مثيلا له من قبل.
وبينما اعتبرت صحيفة أوبزرفر البريطانية التي تصدر كل يوم أحد عن مجموعة غارديان الإعلامية، أن الهجوم المفاجئ سيبقى ماثلا في الأذهان على أنه فشل استخباري لم يحدث على مر العصور، رأت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن إسرائيل “تعرضت للإذلال والهزيمة” يوم السبت”.
وقالت إن أجهزة المراقبة الإسرائيلية المتطورة تجعل مشاهد مقاتلي حماس وهم يجوسون خلال الشوارع أكثر إثارة للدهشة.
ورغم أن صور آلاف الصواريخ وهي تنطلق في السماء أضحت مألوفة على مر السنين خلال المواجهات بين الطرفين حول قطاع غزة، فإن مشاهد فرق حماس القتالية وهي تجول في شوارع المستوطنات مثل سديروت، لم يشهدها معظم الإسرائيليين قبل السبت الماضي، وفق تقرير أوبزرفر.
فإذا كان الهجوم مفاجئا، فذلك لأن أجهزة المراقبة الإسرائيلية للمجتمع الفلسطيني متطورة للغاية ومنتشرة على نطاق واسع، حيث تُعد مراقبة أنشطة حماس تحديدا واحدة من أهم واجبات المؤسسة الأمنية، بحسب الصحيفة البريطانية.
وتنقل عن وشاة من وحدة الحرب السيبرانية (8200) التابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية كشفهم لصحيفة غارديان ووسائل إعلام أخرى في عام 2014، أن مهمة شبكة تجنيد عملاء فلسطينيين تتمثل في تحديد المخبرين المحتملين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وطُلب من أعضاء الشبكة البحث عن أفراد يعانون من مشاكل مالية وصحية وأشخاص عُرضة للتحرش الجنسي من بين الفلسطينيين المسموح لهم بمغادرة قطاع غزة. واستهدفت الشبكة أيضا أسرى من الجماعات الفلسطينية المسلحة في السجون الإسرائيلية.
ومع ذلك -تقول أوبزرفر- لم تُرصد تحضيرات حماس لهجوم السبت، رغم أن إسرائيل تمتلك تكنولوجيا مراقبة هي من بين الأكثر تقدما في العالم كما تشهد على ذلك الفضائح التي طالت برامج التجسس التابعة لها والمعروفة باسم (بيغاسوس).
فشل ذريع
وتقر الصحيفة البريطانية أن حركة حماس باتت أكثر براعة في التكيف مع التحديات العسكرية التي تواجهها، وكثيرا ما تبذل قدرا من الجهد في تخطيطها، وفي تحديد مكامن الضعف الإسرائيلية.
ولفتت إلى أن القائد السابق للبحرية الإسرائيلية، إيلي مارو، قال في بث تلفزيوني مباشر إن كل إسرائيل تتساءل: أين الجيش الإسرائيلي، وأين الشرطة والأمن؟”، واصفا ما حدث السبت بأنه “فشل ذريع”.
وتعتقد الصحيفة أن هجوم السبت سيفرض ضغوطا على نتنياهو من اليمين المتطرف، “الذي طالما ظل يلح على شن هجوم حاسم على غزة، ربما ينتهي بإعادة احتلال القطاع بالكامل”.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن الجيش وأجهزة المخابرات في إسرائيل فوجئوا بالهجوم البري والبحري والجوي الذي شنته حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، مما أثار اتهامات مريرة بعد أشهر من التحذيرات من مسؤولي الأمن بشأن تدهور قدرة البلاد على الردع.
وذكرت في تقرير من القدس أن الإسرائيليين لم يشهدوا مثل ذلك اليوم قط من قبل، مع أنهم اعتادوا على الصراع مع الفلسطينيين.
ونقلت عن كاتب العمود بصحيفة هآرتس، يوسي فيرتر، أن إسرائيل “تعرضت للإذلال والهزيمة” يوم السبت”، مضيفا أنه “حتى لو دُمِّرت غزة فإن ذلك لن يكفِّر عن أخطر فشل منذ يوم كيبور”، وهو الاسم الذي تطلقه تل أبيب على حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 مع الجيوش العربية “التي بدأت هي الأخرى بهجوم مفاجئ”.
ووفقا لواشنطن بوست، فإن كل الدلائل تنذر بأن الحملة العسكرية ستكون طويلة ومعقدة في قطاع غزة، “وهو أحد أكثر المناطق في العالم اكتظاظا بالسكان”.
ورغم أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي درجتا على استخدام تشكيلة من صواريخ “بدائية الصنع ومتطورة” تستهدف إسرائيل، فإن حجم وابل الصواريخ التي أُطلقت السبت لم يكن له مثيل من قبل، حسب تقرير الصحيفة الأميركية.
على أن الأمر “الأكثر إثارة للصدمة” هو أن المقاتلين الفلسطينيين تمكنوا -حسب تصريح الجيش- من اجتياح 22 تجمعا سكنيا في جنوب إسرائيل.
وقد أثار الهجوم الأخير ذكريات مظلمة عن حرب عام 1973، مما جعل الإسرائيليين من مختلف ألوان الطيف السياسي يتساءلون كيف تسنى لمؤسستهم العسكرية أن تجد نفسها في وضع غير متوقع شل قدرتها إلى ذلك الحد، طبقا لتعبير الصحيفة.
وعزا التقرير ما حدث في جزء منه للخلاف الداخلي في ما سماه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إصلاحا قضائيا، الذي “أضعف” قدرة إسرائيل على الردع بطريقة جعلت حركة حماس “تتجرأ على شن الهجوم الأكثر دموية” من قطاع غزة.