موسكو – أدى فلاديمير بوتين اليمين الدستورية اليوم الثلاثاء رئيسا لروسيا الاتحادية، وذلك بعد أقل من شهرين من فوز ساحق حققه في الانتخابات الرئاسية بنسبة بلغت 88% من أصوات الناخبين، وتعتبر الأعلى في تاريخ البلاد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وفقا للمادة 82 من الدستور الروسي، فقد أدى الرئيس المنتخب اليمين الدستورية بحضور أعضاء مجلس الاتحاد ونواب مجلس الدوما وقضاة المحكمة الدستورية.
ومن الآن فصاعدًا سيبدأ بوتين ولايته الرئاسية الجديدة والخامسة من نوعها، والتي ستستمر مدة 6 سنوات حتى عام 2030، محققًا بذلك لقب الزعيم الأطول بقاء في سدة الحكم في روسيا منذ نحو قرنين.
مراسم التنصيب
لم تتم دعوة قادة الدول الأجنبية لحضور الاحتفال، بل فقط رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين في موسكو. وأكدت سفارات كل من فرنسا وكوريا الجنوبية وهنغاريا ومالطا -وهي دول تصنف بأنها غير صديقة من وجهة النظر الروسية– حضور سفرائها لدى روسيا حفل التنصيب.
في حين كانت وزارتا خارجية بولندا وألمانيا قد قالتا إن سفيريهما لن يحضرا الحفل، إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي، وهي بلدان أعلنت قبل ذلك رفضها إرسال ممثليها.
ومنذ تنصيب أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تطرأ تغييرات تذكر على مراسم تنصيب الرئيس الجديد باستثناء المكان، حيث تولى الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين منصبه في قصر المؤتمرات، قبل أن يتم نقل المكان بعد بضع سنوات إلى قصر الكرملين الكبير.
ووفقًا للتقاليد، يستمر حفل التنصيب نحو ساعة واحدة، وجرت العادة أن تستقيل الحكومة في اليوم نفسه، كما يجب على الرئيس المنتخب والمنصب أن يصادق على حلها بموجب القانون وعلى تشكيل حكومة جديدة.
خطاب الولاية الخامسة
بدأ بوتين خطابه الذي ألقاه في الكرملين بتوجيه الشكر إلى “مواطني روسيا في جميع مناطق البلاد” ولمن سماهم “سكان أراضي روسيا التاريخية”، الذين دافعوا عن حقهم في أن يكونوا مع الوطن الأم، حسب وصفه.
وأكد أن الدولة والأنظمة الاجتماعية والسياسية في روسيا يجب أن تكون مهيأة لمقاومة جميع التحديات والتهديدات، ووفقا له فإن البلاد مسؤولة عن حماية وتعزيز تاريخها الممتد لأكثر من ألف عام.
وقال بوتين إنه ينحني لـ”الأبطال المشاركين في العملية العسكرية الخاصة، وكل من يقاتل من أجل الوطن”، مؤكدًا أن جوهر المهمة العليا لرئيس الدولة هو حماية روسيا وخدمة شعبها.
كما حرص على تجديد دعمه للقيم والتقاليد العائلية الروسية التي قال إنها تعود إلى قرون من الزمن، والتي من شأنها توحيد الجمعيات المدنية والدينية والأحزاب السياسية وجميع مؤسسات الدولة.
خطوط عريضة
وحظيت السياسة الخارجية بنصيب كبير من خطاب بوتين، حيث أعيد انتخابه رئيسًا لروسيا في أكثر مراحل العلاقات مع الغرب توترًا، وهو مستوى لم تشهده الحرب الباردة في ذروتها، كما تتواصل الحرب مع أوكرانيا للعام الثالث على التوالي، وتقع موسكو تحت سيف أكبر رزمة عقوبات يتم اتخاذها في التاريخ ضد دولة ما.
ورغم إعلان وزارة الدفاع الروسية قبل يوم واحد من مراسم التنصيب عن البدء بإجراء مناورات نووية قالت إنها ردًا على استفزازات وتهديدات من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فإن بوتين أكد في المقابل أن بلاده منفتحة على تعزيز العلاقات “الطيبة” مع جميع الدول التي ترى في روسيا شريكا صادقا وموثوقا، معتبرًا أن هذا هو موقف أغلبية دول العالم.
وشدد بوتين في خطابه على أن روسيا لا ترفض الحوار مع الدول الغربية، لكنه اعتبر أن الخيار أمامهم فيما إذا كانوا ينوون الاستمرار في محاولة كبح تطور بلاده، أو مواصلة سياسة العدوان، أو الضغط المستمر عليها لسنوات، أو البحث عن طريق للتعاون والسلام، حسب وصفه.
حوار مشروط
وأكد الرئيس أن الجانب الروسي جاهز لإجراء مفاوضات حول جميع القضايا بما في ذلك الأمن والاستقرار الإستراتيجي، لكن الحوار -وفقًا له- “يجب أن يكون مبنيًا على أساس المساواة وليس من موقع القوة، ودون أي غطرسة وغرور وتفرد شخصي، مع احترام مصالح كافة الأطراف”.
بموازاة ذلك، أشار بوتين إلى مواصلة التعاون مع شركاء بلاده في الاتحاد الأوراسي وما وصفها بـ”مراكز التنمية السيادية الأخرى” من أجل تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، ونظام أمني متساو وغير قابل للتجزئة، واعتبر في خطابه أنه في عالم معقد ويتغير بسرعة، وأنه يجب على روسيا أن تتمتع بالاكتفاء الذاتي والقدرة على المنافسة.
وتطرق في حديثه إلى ما وصفها بـ”التكلفة المأساوية” الناجمة عن الاضطرابات في العالم وفي داخل البلاد، وقال إن الدولة الروسية ونظامها الاجتماعي والسياسي يجب أن تتمتع بالقدرة على مقاومة أي تحديات وتهديدات، وعلى ضمان تقدم واستقرار التنمية ووحدة البلاد واستقلالها.
وفي الوقت نفسه، حرص بوتين في خطابه على الإشارة إلى أن الاستقرار لا يعني الجمود، داعيًا إلى أن يكون النظام الاجتماعي مرنًا ويهيئ الظروف للتجديد والمضي قدمًا، حسب قوله.