أنيس متى للجزيرة نت: تحالفنا يعي التحولات العالمية لتستفيد منها إندونيسيا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 15 دقيقة للقراءة

جاكرتا- درس اللغة العربية في جاكرتا، لكنه يتقنها إلى جانب اللغة الإنجليزية، وصعد سريعا في عالم السياسة، حتى بات أحد أبرز رموز التيار الإسلامي في إندونيسيا. في هذه الانتخابات يتحالف حزبه الجديد، الذي أُسس عام 2019، مع المرشح الرئاسي القوي برابوو سوبيانتو، ولعله يكون مُنظّر هذا التحالف فكريا وسياسيا.

الجزيرة نت حاورت أنيس متى رئيس حزب الموجة (غلورا)، حول رؤيته للظاهرة السياسية في إندونيسيا، لتبسيط فهمها للقارئ العربي، وما يرتبط بها في هذه الانتخابات، التي يُتوقع أن تكون أشرس الجولات الانتخابية الست التي تعيشها البلاد منذ التحول الديمقراطي عام 1998 بعد سقوط نظام الرئيس السابق حاجي محمد سوهارتو.

وفيما يلي نص الحوار:

  • يخوض حزبكم الانتخابات لأول مرة منذ تأسيسه عام 2019، وقد مرت عليه فترة صعبة في جائحة كورونا لقرابة عامين، هل تشعرون بأن الحزب جاهز للدخول في الانتخابات وتأمين عتبة الانتخابات (4% من الأصوات)؟

رغم صعوبة كل الظروف التي مرت بها إندونيسيا وكل العالم، نحن قادرون بإذن الله على تجاوز العتبة الانتخابية، وهذا يعني بحدود 6 ملايين صوت إذا كانت نسبة المشاركة بحدود 80% من مجموع 205 ملايين مواطن يحق له التصويت.

كانت ظروف الحزب في بداية جائحة كورونا صعبة جدا، وعملية تأسيسه لها شروط دقيقة ومكلفة جدا، بحكم الاتساع الجغرافي لإندونيسيا، فأنت تحتاج إلى 9 ساعات بالطائرة للانتقال من شرق البلاد إلى غربها. لكن رغم كل ذلك، فنحن واثقون أننا سنتجاوز كل العقبات للدخول إلى البرلمان القادم.

  • تشارك أحزاب عدة ذات الصبغة الإسلامية على اختلاف مرجعياتها، في الانتخابات ولها وزنها في الشارع، وهي اليوم موزعة على المرشحين الثلاثة، ما الذي يحول دون توحّدها على برامج مشتركة لخوض الانتخابات ككتلة واحدة؟

حتى نفهم هذه الظاهرة، نحتاج أن نفهم مجموعة من العوامل، ففي التاريخ السياسي الإندونيسي تنقسم الأحزاب إلى 3 أيديولوجيات، هي اليمين (الإسلامية) والوسط (القومية) واليسار (الاشتراكية)، وهناك توازن بين هذه التقسيمات على مستوى الشارع.

ومنذ سقوط نظام سوهارتو عام 1998، جرت في إندونيسيا 5 انتخابات وهذه هي السادسة، وخلال هذه المحطات تشكّلت تحالفات سياسية بين هذه التيارات، لكنها تحالفات متغيرة باستمرار في كل مواسم الانتخابات، لأن كل من هذه القوى تفهم أنها تحتاج إلى التحالف مع القوى الأخرى لتأمين ثلثي أصوات الشارع.

ثم إن الاستقطاب الحاد الذي عاشته إندونيسيا في انتخابات عامي 2014 و2019 كان يشكل تهديدا لوحدة البلاد، خصوصا مع وجود أزمات جيوسياسية عميقة عالمية زادت من حدة الاستقطاب الداخلي.

وكان لدى النخبة السياسية وعي بضرورة الخروج من هذا الاستقطاب عبر التحالفات العابرة للإيديولوجيات. فنجد أن كل مرشح رئاسي في هذه الانتخابات لديه في تحالفه أحزاب إسلامية وأحزاب قومية وأخرى يسارية.

كما أن العلمنة التي كانت طاغية في إندونيسيا قديما تلاشت إلى حد كبير الآن، فهناك ارتفاع كبير في الوعي الديني، أو وعي الإسلام السياسي بما يقارب 71% اليوم مقارنة مع 20% في بداية التحول الديمقراطي، بمعنى أن الشعب يتقبل الآن أن تحكمه القيم الدينية في إطار الوحدة الوطنية والأسس الخمسة التي تأسست عليها إندونيسيا.

لكن رغم ذلك، لا تستطيع الأحزاب الإسلامية تأمين أصوات الناخبين المتدينين، فهناك حاجز بين الجماهير التي لديها وعي ديني وبين الأحزاب الإسلامية، لأن ظاهرة التدين موجودة في كل الأحزاب حتى القومية واليسارية.

  • تتسم غالبية الأحزاب الإندونيسية بأنها أحزاب أشخاص لا برامج وأيديولوجيات، إلا القليل منها. وبكل موسم انتخابي تشهد خارطة التحالفات الحزبية تغييرا واسعا، وتشهد الأحزاب الكبرى انقسامات باستمرار، ما تفسيركم لهذه الظاهرة؟

منذ التحول الديمقراطي في إندونيسيا تجري الانتخابات ليس فقط على مستوى الرئاسة، وإنما على مستوى الأرياف والقرى، فلدينا أكثر من 90 ألف منصب وظيفة بالانتخاب، والانتخابات بطبيعتها تفرز قيادات ورموزا، ويتجاوز دور الرموز في بعض الأحيان دور التنظيمات والأحزاب.

ولدينا ظاهرة نسميها “التسويق السياسي” بتسويق القيادات أنفسهم للشارع بشكل مباشر أو عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وهذا يبرز عندنا ظاهرة الشخصيات التي تدور حولها الأحزاب.

ثم إن الأحداث التي يمر بها العالم، وضع الإيديولوجيات على اختلاف أنواعها على طاولة البحث والاختبار، وهو ما ينتج ظاهرة تغير الأفكار، أو ما يظهر على أنه انشقاق. فالأفكار والإيديولوجيات لها أعمار، وما يحدد عمرها هو مدى مناسبتها للواقع والإجابة على أسئلته.

ولذلك تجد حزب غلوكار القديم والكبير انقسم إلى عدة أحزاب، والأحزاب الإسلامية كذلك حدثت فيها انقسامات، واليسار أيضا. ومثل هذا الحزب وغيره، تمحورت الانقسامات حول أشخاص وليس بسبب اختلاف في الرؤى والبرامج.

في البداية كنا نظن فعلا أن الانقسام بسبب خلافات شخصية، لكن بإلقاء نظرة عميقة على الظاهرة، في حالة حزب غولكار مثلا لأنه أكبر الأحزاب انقساما، نجد أن السؤال هو في مدى صلاحية الأفكار القديمة لمواجهة التحديات الجديدة. ونأخذ مثالا المرشح برابوو جاء من حاضنة الوسط وحزب غولكار قبل تأسيس حزب خاص به، بسبب تغير في القناعات والبرامج.

والأمر نفسه ينطبق على حزب النهضة الذي أسسه رئيس حركة النهضة والرئيس السابق عبد الرحمن واحد، فكنا نظن أنه اختلاف أجيال، لكن جذوره الحقيقية هي جذور فكرية والتطور الفكري.

  • خاض مرشح الرئاسة برابوو -الذي تتحالفون معه في هذه الانتخابات- 4 محاولات للفوز بالرئاسة لكنه لم ينجح فيها. باعتقادكم، ما الذي استجد حتى يتفوق في المحاولة الخامسة ويصبح رئيسا لإندونيسيا؟

أعتقد أن برابوو ظاهرة تحتاج إلى قراءة، فهو كان ضحية لانهيار نظام سوهارتو والتحول الديمقراطي في البلد، فقد فُصل من عمله في الجيش، فأقام في الأردن عدة سنوات ثم عاد إلى البلاد، وحاول الترشح من خلال حزب غولكار، لكنه فشل.

ثم أسس حزبه وترشح مرة لنائب رئيس عام 2009 ومرتين لمنصب الرئيس في 2014 و2019، وفشل فيها جميعا. لكنه لم ييأس وترشح في هذه الانتخابات لأنه صاحب مشروع، لذلك لم تؤثر فيه الهزائم، كما يقول عادة.

ولذلك تمكن بعد خسارته انتخابات 2019 من تجاوز الهزيمة وقبل المشاركة في حكومة جوكووي الثانية وزيرا للدفاع، لكن بالطبع اتهمه بعض أنصاره بالخيانة لقبوله الحقيبة الوزارية، لكنه فضل الوحدة واستقرار البلد على الاستقطاب والانقسام.

لكن البعض ينظر لهذه الخطوة على أنها من باب الحرص على منصب مهم مثل وزير الدفاع، أكثر منها حرصا على الوحدة الوطنية.

الحقيقة أن من يعي الظروف جيدا، يدرك أن هذا التحالف تم قبل جائحة كورونا، ولو بقي الخلاف قائما، كان يمكن أن تسقط الحكومة وتدخل البلاد في أزمة، لذلك تجد إندونيسيا حافظت على نسبة نمو اقتصادي بحدود 5% وهذا إنجاز كبير مقارنة بالبلدان الأخرى التي انخفض نموها الاقتصادي إلى صفر أو 1%.

فأحد أسباب استقرار إندونيسيا -في هذه الظروف الصعبة- كان تحالف برابوو مع الرئيس جوكووي. فدعمنا له في حزب “الموجة” مبني على القناعة بأنه الرجل الأنسب لحكم إندونيسيا والحفاظ على وحدتها واستقرارها.

  • يرفع تحالفكم الانتخابي شعار “معا نحو إندونيسيا الذهبية في 2045″، ما أبرز ملامح هذه الرؤية وكيف ستكون البلاد بعد 20 عاما؟

في بداية التحول الديمقراطي كان الناتج القومي في إندونيسيا بحدود 95 مليار دولار، وبعد ربع قرن من هذا التحول يبلغ الناتج القومي تريليونا و400 مليار دولار، وهذا نمو كبير. ومشروع “إندونيسيا الذهبية” هو مشروع مرور قرن على استقلال البلاد.

فإندونيسيا عام 2045 ستحتفل بمرور 100 عام على استقلالها. والطموح الذي يعمل عليه الرئيس الحالي جوكووي ويؤمن به برابوو هو أن يصل الناتج القومي في 2045 إلى قرابة 9 تريليونات دولار، بحيث تدخل البلاد في قائمة الدول الخمس الكبرى اقتصاديا.

وإذا نظرنا إلى هذه الدول الخمس، وهي أميركا والصين والهند واليابان بالإضافة إلى إندونيسيا ربما مع روسيا، و4 منها تقع في آسيا، وهذا يمثل انتقال القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، وهو ما يسمى بقرن آسيا.

هناك 3 عوامل مؤثرة فيها، وهي التكنولوجيا والديموغرافيا والموارد الطبيعية. فالصين والهند فيهما عامل الديموغرافيا، بينما أميركا واليابان فيهما التكنولوجيا. وإندونيسيا تتوفر فيها شروط الديموغرافيا والموارد الطبيعية، ومشروع “إندونيسيا الذهبية” يركز على تعزيز القوة التكنولوجية لبلوغ هذه الرؤية.

وبدلا من الخطة الخمسية التي يروجها عادة المرشحون للرئاسة، يطرح برابوو في هذه الانتخابات خطة عشرينية طويلة لتحقيق النهضة تقوم على التنمية البشرية من خلال تطوير التعليم، بحيث يصبح التعليم الإلزامي 16 عاما وليس 12 فقط، وهذا طبعا يتطلب ميزانية كبيرة جدا، لكن نعتقد أنها ممكنة.

  • خصصت الحكومة ميزانية ضخمة جدا لإدارة العملية الانتخابية تقدر بـ 71 تريليون روبية (4,5 مليارات دولار)، بينما كانت ميزانية الانتخابات الماضية 2019 في حدود 1,5 مليار دولار. لماذا هذه القفزة في الإنفاق على الانتخابات؟ وفي حال ذهبت الانتخابات لجولة ثانية فسيكون هناك تكلفة أخرى كبيرة، فما الحاجة لهذا الإنفاق الكبير في ظل عدم استقرار الاقتصاد الإندونيسي ومعاناة المواطن من الغلاء وتهاوي الروبية؟

واحدة من أهم الظواهر في تجربتنا الديمقراطية هي ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات ونسبة المراقبة للعملية الانتخابية، ودائما تصل نسبة المشاركة في الانتخابات إلى 80% وهذه نسبة عالية، وهذا سيترتب عليه تعب اللجان الانتخابية بسبب حجم العمل، وهذا أثر في طريقة إدارة الانتخابات، ومع استخدام النظام الرقمي في إدارتها ارتفعت الميزانية المرصودة لإجراء الانتخابات في كافة مراحلها.

فنرى أن الميزانية المرتفعة للانتخابات طبيعية، فقد كانت ميزانية أول انتخابات بعد التحول الديمقراطي بحدود 200 مليون دولار فقط، فانظر كم ارتفعت الميزانية في الانتخابات السادسة، وتجد في الوقت نفسه التطور الاقتصادي الواضح متماشيا معها.

  • تجري هذه الانتخابات في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة، وشهدت إندونيسيا أكبر وأكثر مظاهرات في العالم الإسلامي دعما لغزة، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة في الحملات الانتخابية لكافة مرشحي الرئاسة، فما الذي تمثله القضية الفلسطينية للدبلوماسية الإندونيسية، وهل يتوقع أن تخطو جاكرتا نحو التطبيع مع إسرائيل كما كان يتداول في وسائل الإعلام الفترة الماضية؟

طبعا محاولات التطبيع بين إسرائيل وإندونيسيا جارية، لكنها مرفوضة دستوريا، ولكي تفهم أين موقع القضية الفلسطينية في إندونيسيا، يجب أن ننظر إليها من 3 جوانب:

  • أولا هذا واجب ديني بالنسبة للشعب الإندونيسي سواء للمسلمين أو غير المسلمين.
  • وثانيا هي قضية إنسانية، ولذلك تجد مشاركة غير المسلمين في المظاهرات المناصرة لفلسطين.
  • وثالثا هي أمانة دستورية، فالدستور ينص على دعم كل حركات التحرر من الاستعمار في كل البلدان المستعمَرة، ولم يبق في العالم دولة مستعمَرة سوى فلسطين.

لذلك تجد في إندونيسيا اليمين واليسار والوسط يتفقون على دعم القضية الفلسطينية، لذلك أنا على ثقة أن البلد لن تطبّع علاقاتها مع إسرائيل. والنخبة السياسية في البلد تعي أن قضية فلسطين هي قضيتنا.

  • كان للمرشح الرئاسي برابوو تصريح لافت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأن على إندونيسيا أن تحقق التوازن في علاقاتها الخارجية بالانفتاح أكثر على الصين والهند بدلا من الغرب. هل بمقدور إندونيسيا تحقيق هذا التوازن في ظل تشابك علاقاتها مع الغرب؟

واحد من أهم ما يميز برابوو سوبيانتو كمرشح رئاسي هو أنه أكثرهم وعيا بالأزمات الجيوسياسية، ويعي أن العالم في حالة انتقال النظام الدولي أحادي القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب، وإن كان هذا العالم لا يزال يتشكل ولم تتضح معالمه بعد، فمن المهم لبلد كبير مثل إندونيسيا أن يحافظ على وضعه الحيادي في علاقاته مع كافة القوى الدولية.

وإندونيسيا لها علاقة قوية بأميركا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، بعد فشل الانقلابات الشيوعية في البلد وانضمامها إلى المنظومة الرأسمالية، والتحول الديمقراطي في نهاية التسعينيات، لكن الآن يحصل انفجار في لب المنظومة العالمية، فإندونيسيا تقف من هذه الظاهرة موقفا حذرا.

وتاريخيا كانت إندونيسيا ضحية لكل التحولات العالمية الكبرى، مثلا، عندما حدثت الثورة الصناعية في أوروبا كانت هدفا للاستعمار الأوروبي، وعندما دخلت اليابان في الحرب العالمية الثانية صرنا مستعمرة يابانية عام 1942.

وعندما هُزمت اليابان عام 1945 حصلت إندونيسيا على استقلالها، وفي حقبة الحرب الباردة حدثت في البلاد أكبر انقلابات شيوعية دموية عام 1965، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي أوائل التسعينيات، دخلنا في المنظومة الديمقراطية العالمية.

فبات لدى النخب السياسية وعي وقناعة بأننا يجب أن نستفيد من التحولات العالمية وليس أن نتأثر بها فقط، بأن نكون محايدين ومستقلين في علاقاتنا الدولية، بما يخدم المصلحة الوطنية كأولوية قبل كل شيء.

وهذا ما قصده برابوو، فالصين والهند هما جوارنا الطبيعي، وعلاقاتنا الاقتصادية معهما قوية، وستكونان إلى جانب إندونيسيا واليابان، الدول الآسيوية الكبرى ضمن اقتصاد الخمس الكبرى في العالم.

  • لكن هل بإمكان إندونيسيا عمليا أن تكون حيادية مع اقتراب الصراع الكبير بين أميركا والصين على حدودها في بحر جنوب الصين؟ خصوصا في ظل ارتباطها الطويل بالمنظومة الغربية؟

الآباء المؤسسون لهم مصطلح مشهور وهو “الحيادية النشطة”، بمعنى لا تكن حياديا سلبيا، بل حياديا إيجابيا تحاول أن تكسب بتوظيف الأزمة لتتحول إلى فرصة بالنسبة لك.

وكما قلنا إننا استفدنا من هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية وحصلنا على استقلالنا، الآن كان من الممكن أن نستفيد من هذه التحولات الكبرى في العالم لو عرفنا كيف نستفيد منها.

وأهم ما في القضية من وجهة نظري هو أن هذا الوعي بالتحولات الجيوسياسية موجود لدى برابوو، وهذا واحد، وهذا من أهم ما يحملنا على دعمه كمرشح رئاسي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *