طهران- رغم أن مرشحي الانتخابات الرئاسية في إيران دأبوا خلال العقود الماضية على إطلاق خطط للقضاء على أزمة السكن والسيطرة على أسعار العقارات في البلاد فإن العاصمة طهران اعتادت هجرة داخلية بحلول نهاية كل صيف، حيث ينتقل المستأجرون من المناطق الشمالية والوسط نحو جنوب المدينة وضواحيها.
وفي صيف العام الحالي نشر مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني تقريرا عن تفاقم أزمة السكن في البلاد وعدّد 8 أشكال من حالات التشرد في العاصمة بسبب صعوبة توفر السكن، مما يعكس تصاعدا مطردا في سوق العقارات وتراجعا أكبر في القوة الشرائية لشريحة كبيرة من المواطنين.
ووفق المركز الوطني للإحصاء الإيراني، بلغ معدل التضخم في قطاع الإسكان خلال الفترة الممتدة من 21 أغسطس/آب حتى 20 سبتمبر/أيلول الماضيين 38% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
يقول الشاب مهيار (37 عاما) إنه بدأ حياته الزوجية مع باران (34 سنة) قبل 8 أعوام في حي أكباتان غربي طهران بمساعدة والده الذي قدم له مبلغ بدل الإيجار، لكنه لم يتمكن من تمديد عقد الإيجار بعد مرور ثلاث سنوات فقط بسبب ارتفاع الإيجارات هناك.
أزمة إيجار
ويوضح مهيار للجزيرة نت أنه اضطر إلى توفير سكن بديل في منطقة “أستاذ معين” وسط العاصمة، ثم انتقلا إلى حي ديلمان جنوب طهران العام الماضي.
ويضيف الزوجان أنهما تفاجآ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي بطلب المؤجر مضاعفة مبلغ الإيجار، مما دفعهما إلى البحث عن شقة أصغر في الحي ذاته رغم ارتفاع عدد أفراد الأسرة إلى 4 بعد أن رزقا بمولودهما الثاني الربيع الماضي.
وفي مكتب عقارات تقترح الموظفة ناهيد (26 عاما) أن يبحث مهيار وزوجته عن شقة للإيجار في بلدة برند الواقعة على بعد 70 كيلومترا جنوب طهران، حيث تكون الأسعار أنسب مقارنة بالعاصمة.
ويقاطعها زميلها محمود (32 عاما) مازحا بأن مشروع الشقق الاقتصادية المقرر بناؤها بمساحة 25 مترا مربعا “سيحل أزمة السكن لجيل الشباب الذين لا يحبذون مغادرة طهران الغالية”.
جدل
وبشأن تفاصيل هذه الخطة، كشفت شركة تعاونية للإسكان في سبتمبر/أيلول الماضي عن مشروع لبناء 1800 وحدة سكنية بمساحة 25 مترا مربعا للشقة جنوبي العاصمة طهران، على ألا يتجاوز سعر الشقة الواحدة 10 مليارات ريال (نحو 20 ألف دولار).
وأثار هذا المشروع جدلا واسعا بين من يراه سبيلا للقضاء على أزمة السكن وبين من يعتقد أنه لا يليق بدولة مثل إيران تتمتع بثروات هائلة، في حين حذر علماء الاجتماع والنفس من تداعيات المشروع على انخفاض جودة الحياة.
وعلى وقع الخطط الحكومية الرامية إلى تشجيع جيل الشباب على الزواج وزيادة النمو السكاني رأت شريحة كبيرة من الإيرانيين في الشقق الاقتصادية “اعترافا بفشل سياسات الإسكان الحكومية، مما جعلها تعلن الأسبوع الماضي على لسان وزير الطرق والإسكان مهرداد بذرباش براءتها من هذا المشروع”.
احتفال
وجددت الحكومة عزمها المضي قدما في إنشاء مزيد من الشقق السكنية وفقا للثقافتين الإيرانية والإسلامية حتى القضاء على أزمة السكن، وشارك الوزير بذرباش الأسبوع الماضي في مراسم تسليم نحو 10 آلاف شقة لأصحابها في بلدة برديس ضمن مشروع مهر للإسكان.
من جانبه، أعلن خليل محبت خواه المدير العام لشركة عمران برديس أن عمليات إنشاء أكثر من 7 آلاف وحدة سكنية أخرى ستكتمل حتى نهاية فصل الخريف الجاري في بلدة برديس.
وقامت الجزيرة نت بجولة ميدانية في بلدة برند القريبة من مطار الإمام الخميني الدولي جنوب طهران، وعاينت عمليات الإنشاء والبناء المتواصلة في عشرات الورشات ضمن المشروع الوطني للإسكان، وتبين أنه لم تتبق سوى 140 ألف وحدة سكنية غير مكتملة بعد.
بدوره، أكد علي رضا جعفري مساعد وزارة الطرق والإسكان في تصريح للتلفزيون الإيراني أول أمس الجمعة عزم الحكومة “الاحتفال قريبا بإنهاء مشروع مهر للإسكان في بلدة برند تزامنا مع تدشين محطة قطار الأنفاق في البلدة”.
وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد وعد -خلال حملته الانتخابية- بإنشاء قرابة مليون شقة سكنية كل عام، على أن يتم إنشاء أربعة ملايين شقة حتى نهاية فترة الحكومة الحالية.
تشكيك
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي محمد حسين سيف اللهي أن مشروع السكن الاقتصادي والوحدات الضيقة التي لا تتجاوز مساحتها 25 مترا مربعا “أشبه بالأقسام الداخلية للجامعات ولا تمت بصلة للثقافتين الإسلامية والإيرانية”.
وقال سيف اللهي للجزيرة نت إن الوحدات السكنية الضيقة “تتنافى والسياسات الرامية إلى زيادة النسل، وإن مساحتها قد تكون مناسبة لغرفة واحدة”، مشككا في جدوى المشروع وقدرته على حل مشكلة السكن.
وشدد على أن بلاده تتمتع بأراض واسعة وثروات هائلة “والأحرى بالحكومة أن تعمل على بناء مدن جديدة وفلل سكنية تتناسب وحاجات المجتمع الإيراني”.
في المقابل، يدافع السياسي والصحفي عباس عبدي عن خطة الإسكان الاقتصادي، ويقول إن بناء مدن جديدة وبيوت فارهة يتطلب “طاقات قد لا تتوفر في المرحلة الراهنة”، واصفا أزمة السكن الحالية بـ”أنها خير مؤشر على عدم توفر تلك الطاقات في البلاد”.
أمنية مستحيلة
وأكد عبدي للجزيرة نت أن أهمية المأوى تتقدم على زيادة النسل، حيث إن الزوج الذي يعاني جراء عدم توفر السكن لا يمكنه التفكير بمولود جديد وبسياسات النمو السكاني، واعتبر أن نجاح المشاريع الوطنية للإسكان وبناء مليون شقة كل عام مرهونان بنهوض الاقتصاد الوطني.
وخلص عبدي إلى أن الحياة في الشقق الضيقة ستكون “صعبة دون أدنى شك، إلا أن الشعور بالخيبة وعدم توفر المأوى سيكونان أشد مرارة على محدودي الدخل”.
وأكد أن شراء السكن في طهران تحول إلى “أمنية مستحيلة لشريحة كبيرة من الإيرانيين، لأن المواطن العادي سيكون بحاجة إلى ادخار ثلث راتبه على مدى 130 عاما حتى يتمكن من شراء منزل في العاصمة”.
في المقابل، أعلن المدير العام لفريق الاستثمار في قطاع الإسكان محمد رضا جواهري السبت الماضي عن تداول السكن بالأمتار في بورصة طهران بعد شهر من الآن، مما يطرح تساؤلات عن جدوى الخطة الجديدة في تمكين الإيرانيين من شراء شقة العمر.