أفغانستان 2023.. حكومة مسيطرة دون اعتراف دولي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

كابل- تودع أفغانستان عام 2023 المثقل بالتحديات في علاقاتها مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة، بعد أن تمكنت فيه حكومة طالبان من إحكام سيطرتها على مفاصل الدولة وجميع الأراضي الأفغانية، وسجلت نفسها على أنها الحركة الوحيدة التي تسيطر على كامل التراب الأفغاني.

كان عاما مليئا بالنقاشات السياسية والزيارات والاجتماعات، لكن لم يكن هناك تغيير كبير في الحكومة أو في مجلس الوزراء، كما لم يكن هناك تطور كبير على الساحة الدولية للاعتراف بالحكومة الأفغانية، التي تتزعمها حركة طالبان منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

الصين أول دولة تعين سفيرا بأفغانستان في ظل إدارة طالبان في سبتمبر/أيلول 2023 (مواقع التواصل)

تعامل دون اعتراف

بعد وصول طالبان إلى السلطة عام 2021، سارعت بعض الدول مثل دولة قطر وتركيا وروسيا والصين وباكستان لمد جسور التعاون معها، وكان من المنتظر أن بعض هذه الدول ستعترف بها، ولكن المخاوف الدولية بشأن تعليم المرأة وحقوق الإنسان رسمت خطا أحمر لجميع البلدان، واتفق المجتمع الدولي على عدم الاعتراف بالحكومة الأفغانية التي شكلتها طالبان في الوقت الراهن، على أن يتفاعل معها ضمن إستراتيجية دولية مشتركة.

يقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت “سعت الحكومة الأفغانية منذ وصولها إلى السلطة لكسب الاعتراف الدولي بها، لكنها فشلت، ولم تتحقق مساعي حركة طالبان لتولي مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة رغم تعيين مندوبها، بل وفرت بعض الدول مساحة للمناورة السياسية لمعارضي طالبان، مثل الولايات المتحدة وإيران وطاجيكستان، وهذا جرس إنذار لطالبان”.

ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن الحكومة الأفغانية الحالية نجحت في أمور وأخفقت في أمور أخرى، وألقت هذه الإخفاقات بظلالها على سير الأمور في البلد.

يقول الكاتب والمحلل السياسي جمال كاكر للجزيرة نت “تمكنت طالبان من توفير الأمن في عموم البلاد وإنهاء الحرب التي استمرت أكثر من 4 عقود”.

ويضيف كاكر “استأنفت الحكومة العمل على المشاريع التي توقفت في عهد الحكومة السابقة، وتمكنت من الحفاظ على سعر العملة الأفغانية، لكنها أخفقت في كتابة الدستور وتشكيل حكومة شاملة، إضافة إلى تدهور علاقاتها مع حليفها الإستراتيجي باكستان، مما دفع الأخيرة إلى طرد أكثر من مليون لاجئ من أراضيها للضغط عليها”.

وعلى الرغم من عدم حصول الحكومة الأفغانية الحالية على اعتراف بها، فهناك مصالح مشتركة لدول المنطقة والولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية بالتعامل مع طالبان، التي تستطيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومنع الهجرة.

موقف طالبان

تعتقد الحكومة الأفغانية أن إستراتيجيتها في السياسة الخارجية وإقامة العلاقات مع دول الجوار ناجحة، ويقول وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي للجزيرة نت “الرأي السائد أن الحكومة الحالية غير معترف بها دوليا وإقليميا، ولكننا أرسلنا ممثلين رسميين ودبلوماسيين جددا إلى روسيا والصين وتركيا وقطر، وهناك 16 سفارة أفغانية تتعامل معنا، ولا نتوقع من 50 دولة حاربناها طيلة العقدين الماضيين أن تعترف بنا قريبا، أو تهدي لنا الزهور”.

وشغل موضوع الاعتراف الدولي بالحكومة حيزا كبيرا من تفكير العديد من مسؤولي طالبان، خاصة أنهم ينظرون إلى الأمر بجدية، ويعتقدون أنه إذا لم يتم الاعتراف بهم كحكومة شرعية سيصعب عليهم التعامل مع الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي على السواء.

وتحدثت مصادر حكومية أفغانية للجزيرة نت أن العديد من مسؤولي طالبان عندما يلتقون مسؤولين أجانب يطالبونهم بالاعتراف، وأن جميعهم يردون “عليكم الالتزام باحترام حقوق الإنسان وحل مسألة تعليم المرأة الأفغانية وعملها، حينئذ سيعترف بكم العالم، وإلا فسيستخدم الاعتراف كأداة ضغط فقط”.

الوضع داخليا

ما يقلق الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي أن حركة طالبان احتكرت السلطة السياسية منذ وصولها إلى الحكم في أفغانستان، وهذه نقطة ضعف أساسية للحركة، يقول الأستاذ السابق في جامعة كابل محمد عثمان روستار للجزيرة نت “جميع المناصب الرئيسية بأيدي أعضاء حركة طالبان، وقد أثار احتكار السلطة انتقادات داخل أفغانستان وخارجها، وهذا يجعل الشعب الأفغاني يعتقد أنه مهمش، وليس له أي دور في اتخاذ القرارات المصيرية”.

تمكنت حركة طالبان من بسط سيطرتها على كافة الأراضي الأفغانية، لكنها تواجه تهديدات خطيرة تكمن في وجود خلايا نائمة لتنظيم الدولة والحركات المسلحة الأخرى، التي تعارض حكم طالبان لأفغانستان، مثل جبهة المقاومة الشعبية وجبهة تحرير أفغانستان.

يقول المحلل الأمني نجيب ننكيال للجزيرة نت “قامت الحركات المسلحة المناوئة لحكم طالبان خلال عام 2023 بمراجعة إستراتيجيتها العسكرية، وغيّرت النهج العسكري إلى محاولة التماسك السياسي، والعمل مع دوائر النفوذ في العواصم الغربية والولايات المتحدة، ولو تمكنت من التنسيق تحت مظلة عسكرية واحدة فيمكنها التشويش على حركة طالبان، إضافة إلى خطر تنامي قدرة تنظيم الدولة العام المقبل”.

كما تحدثت الكثير من التقارير والتسريبات عن وجود شرخ داخل حركة طالبان، وعام 2023 أثبت ذلك، رغم محاولات القيادة التماسك والوحدة أمام ضغوط داخلية وأجنبية، حيث ظهر إلى العلن الخلاف بين القيادة وزعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله آخوند زاده، حول مسألة تعليم المرأة وعملها.

وقال مصدر حكومي للجزيرة نت “معظم القيادات في حركة طالبان والحكومة تريد فتح أبواب المدارس أمام الفتيات، ولكن القرار بيد زعيم الحركة وليست الحكومة، وهي تقبل قراره لأجل وحدة الصف والتماسك الداخلي، لكن ليس من المنطق أن تبقى أبواب المدارس مغلقة أمام الفتيات بشكل دائم، إننا نبحث عن حل يرضي جميع الأطراف”.

خارطة الطريق حسب الأمم المتحدة

وفي سياق متصل، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدبلوماسي التركي فريدون سينيرلي أوغلو منسقا خاصا للأمم المتحدة لشؤون أفغانستان، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكلفه بكتابة تقرير عن الوضع في أفغانستان.

واستغرق التقرير 7 أشهر تقريبا، وبعد الاطلاع عليه أرسله إلى مجلس الأمن، ووافق 13 عضوا في المجلس على اقتراح تعيين ممثل خاص لشؤون السلام في أفغانستان، والعمل على خارطة طريق جديدة بشأن إحلال السلام، بينما عارضت كل من روسيا والصين القرار بحجة أنه اتخذ دون المشورة والتنسيق مع الجانب الأفغاني.

ويحتوي التقرير على نقاط أهمها:

  • حقوق المرأة في وضع سيئ.
  • الإرهاب يشكل تهديدا خطيرا.
  • تعيش أفغانستان عزلة سياسية، مما أعاق عملية الدعم الدولي.
  • هناك حاجة ماسة لاستئناف مفاوضات السلام بين الأفغان.

ويعد المقترح أول إجراء للأمم المتحدة للتغلب على الأزمة الحالية في أفغانستان، حيث أكد الأمين العام للأمم المتحدة على البدء بإجراء حوار وطني بين الأفغان، وتشكيل حكومة شاملة، والامتثال لالتزامات أفغانستان بالاتفاقيات الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان.

يقول المحلل السياسي نصير رهين للجزيرة نت “يمكنني القول إن التقرير أُعد تحت تأثير الإستراتيجية الغربية بشأن أفغانستان، وخاصة الولايات المتحدة، وأهمل اتفاق الأميركان مع حركة طالبان، ولم يتطرق إلى مسؤولية الحلف الأطلسي الذي حارب عقدين كاملين في أفغانستان، ولا أعتقد أن بإمكان الممثل الأممي حل الأزمة الأفغانية، لأنه سيطبق الأجندة الغربية في أفغانستان، كما رأينا منذ الانسحاب السوفياتي نهاية تسعينيات القرن الماضي”.

وأبدى زعماء الأحزاب والجبهات المعارضة لطالبان ردود أفعال متباينة تجاه خطة الأمين العام للأمم المتحدة لتجاوز الأزمة الحالية في أفغانستان، حيث قالت الخارجية الأفغانية، في بيان لها، “إن تعيين ممثل أممي آخر في ظل وجود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة أمر غير ضروري، وأفغانستان ليست في حالة حرب، وهناك حكومة مركزية تسيطر على كافة الأراضي الأفغانية، وإن تعيين ممثل للسلام يؤدي إلى تفاقم الوضع في أفغانستان”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *