يعاني قطاع غزة مأساة لا نهاية لها، وفي الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حربها لاجتثاث حركة المقاومة الإسلامية (حماس) -كما تقول- في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري -والذي أسفر عن مقتل 1400 إسرائيلي- استشهد أكثر من 4 آلاف فلسطيني في القطاع، وأدى انفجار في المستشفى الأهلي المعمداني (حيث لجأ العديد من السكان) إلى مقتل المئات من أهل غزة.
هكذا بدأت مجلة تايم الأميركية تقريرا يجمع بعض القصص -التي نقلها الصحفيون ياسمين سرحان وأستا راجفانشي وآنا غوردون وكارل فيك- من أفواه بعض سكان غزة، داخلها وخارجها، والذين يرغبون في إيصال صوتهم إلى عالم لا يكاد يسمع لهم صوتا في هذه البقعة التي قطعت إسرائيل عنها الوقود والكهرباء.
الصورة في غزة قاتمة، لأن العيش هناك اليوم لا يعني فقط مواجهة الغارات الجوية التي تشنها إسرائيل بالآلاف، بل يعني أيضا خطر سوء التغذية وعدم الوصول إلى الرعاية الطبية، حيث تصل مستشفيات غزة إلى نقطة الانهيار، إذ يوجد 12 ألفا و500 جريح في مستشفى يضم 2500 سرير فقط.
إن حدوث كل هذا على مرأى ومسمع من العالم يجعل العديد من الفلسطينيين في غزة يشعرون بأنهم تركوا لحالهم، بل تعرضوا للخيانة، ومع ذلك فإن العديد منهم حريصون على مشاركة تجاربهم، تقول تالا حرز الله (21 عاما) -وهي طالبة في غزة- “آمل أن نبقى على قيد الحياة، ليس لأنني أريد الحياة، ولكن لأنني أريد أن أروي قصصنا وقصص شعبنا”.
تايم: الصورة في غزة قاتمة، لأن العيش هناك اليوم لا يعني فقط مواجهة الغارات الجوية التي تشنها إسرائيل بالآلاف، بل يعني أيضا خطر سوء التغذية وعدم الوصول إلى الرعاية الطبية، حيث وصلت مستشفيات غزة إلى نقطة الانهيار، إذ يوجد مثلا 12 ألفا و500 جريح في مستشفى يضم 2500 سرير فقط
ويمكنكم هنا قراءة قصص حرز الله وغيرها من الفلسطينيين كما روتها مجلة تايم الأميركية.
الدكتور غسان أبو ستة (54 عاما)
جراح تجميل مقيم في لندن، وصل غزة يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي متطوعا لمنظمة أطباء بلا حدود، تحدث لأستا راجفانشي قائلا “أنا حاليا في مستشفى الشفاء في وحدة الحروق، أعمل طوال اليوم في غرفة العمليات، وفي الليل أنام على إحدى النقالات، مستشفى الشفاء تحول إلى مخيم للنازحين فيه عشرات الآلاف من العائلات، في الممرات وعلى السلالم”.
كان أبو ستة في المستشفى الأهلي المعمداني حين وقع الانفجار الذي أودى بحياة المئات، ويقول “رأيت النار تشتعل في فناء المستشفى، ثم ذهبت إلى قسم الطوارئ، وكانت هناك مشاهد من الفوضى العارمة، الجثث في كل مكان والناس يصرخون وبعضهم مبتورو الأطراف، في اليوم التالي كنت لا أزال مهتزا تماما، ولكن بحلول منتصف النهار قررت أن الطريقة الوحيدة هي العودة إلى العمل، أنا متشائم للغاية، ستكون هذه حربا طويلة الأمد، ونحن في بدايتها فقط”.
عفاف: أنام كل ليلة مع فكرة أنني قد أستيقظ تحت الأنقاض، هذا إذا استيقظت أصلا
عفاف النجار (21 عاما)
طالبة فلسطينية تدرس الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة، وقد هربت إلى خان يونس في الجنوب مع عائلتها، تحدثت لياسمين سرحان قائلة “لقد خطبت للتو قبل أسبوع من الهجوم، كان من المفترض أن تتم حفلة خطوبتي يوم الخميس الماضي، وقد أعددنا كل شيء، ثم فجأة وفي غمضة عين تحطم كل شيء”.
وتتابع “طُلب منا أن ننتقل إلى جنوب قطاع غزة، وهناك لم يكن لدينا ماء في المنزل ولا كهرباء، نستخدم بطاريات السيارات لتشغيل الإنترنت، وعلينا أن نأخذ هواتفنا ونشحنها في المتاجر القريبة أو في منازل جيراننا الذين لديهم طاقة شمسية”.
وقالت عفاف “الهجمات على غزة دائما وحشية، ولكنها هذه المرة أسوأ بكثير، نتحدث عن إبادة عائلات من 40 شخصا أو أكثر بأكملها، أنام كل ليلة مع فكرة أنني قد أستيقظ تحت الأنقاض، هذا إذا استيقظت أصلا، أرى دعم وحب الملايين حول العالم، إلا أن من هم في مواقع السلطة لا يفعلون أي شيء لوقف ذلك، يبدو وكأننا ننتظر دورنا فقط، أرواحنا على أكفنا ويبدو أننا متنا، لكن موتنا معلق، إنه متوقف مؤقتا حتى تأتي غارة جوية تقضي علينا”.
نهال: الحرب ليست ضد حماس، وآمالنا هي أن نبقى على قيد الحياة وأن نعود إلى منزلنا، نشعر بخيبة أمل من تقاعس العالم وصمته تجاه الجرائم الإسرائيلية بحقنا، نشعر بخوف شديد ونشعر أن الموت قريب جدا ونخاف من المجهول
نهال العلمي (33 عاما)
مترجمة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وقد تحدثت لأستا راجفانشي قائلة “ولدت في غزة وترعرعت تحت الحصار الإسرائيلي الذي حرمها من جميع حقوقها الإنسانية الأساسية، ما أريد أن يعرفه العالم هو أن الأمور في غزة لم تبدأ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأنها ليست حربا ضد حماس، لقد عاقبتنا إسرائيل بشكل جماعي لمدة 16 عاما، إذا كانت إسرائيل تحارب حماس فقط فلماذا تغلق جميع المعابر وتمنع دخول المساعدات الإنسانية وغيرها من الإمدادات الأساسية إلى السكان المدنيين؟!”.
وتتابع نهال “ليس لدينا ماء ولا وقود ولا إنترنت ولا كهرباء، فقد زوجي متجره بعد أن قصفته الطائرات الحربية الإسرائيلية، آمالنا هي أن نبقى على قيد الحياة وأن نعود إلى منزلنا، نشعر بخيبة أمل من تقاعس العالم وصمته تجاه الجرائم الإسرائيلية بحقنا، نشعر بخوف شديد ونشعر أن الموت قريب جدا ونخاف من المجهول”.
نور حرازين (33 عاما)
صحفية فلسطينية من بين مئات الآلاف الذين فروا إلى جنوب غزة بعد أمر الإخلاء الإسرائيلي، وقد تحدثت لآنا غوردون قائلة “نشأت في دبي وعادت إلى وطنها غزة عام 2006، لقد اعتدنا أن تبدأ إسرائيل الحروب، ولكن بمجرد أن رأينا الأخبار أدركنا أن هذا سيستغرق المزيد من الوقت، كنت أعيش في وسط مدينة غزة في حي الرمال الذي تم إخلاؤه، أنا الآن في دير البلح جنوب قطاع غزة”.
وتابعت نور “لدينا تحديات كثيرة، إذ لا يوجد إنترنت ولا كهرباء ولا وقود، أقيم هنا في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح منذ 4 أيام، لا أستطيع التحرك لأن هناك غارات جوية في كل مكان، التحدي الأكبر بالنسبة لي كصحفية من غزة هو التزام الهدوء ومحاولة حبس دموعي، أحاول أن أكون محترفة قدر الإمكان حتى لا يقول أحد إنني أنحاز إلى الجانب الفلسطيني وأنشر الأكاذيب لأنني صحفية فلسطينية”.
روان: مات العديد من الأطفال، ولدينا الكثير من الشهداء ولكن لا أحد يهتم، لا أحد يهتم، أين الإنسانية؟ أين الإنسانية لهؤلاء الأطفال؟
روان حسن (23 عاما)
مدرّسة لغة إنجليزية في رفح، تعاني من نفاد مياه الشرب، تحدثت لآنا غوردون قائلة “إن الوضع صعب جدا في غزة، بحيث لا يمكنك النوم ليلا ولا يمكنك أن تأكل ما تحتاجه، ولا يمكنك شرب الماء النظيف، وقد مات العديد من الأطفال، ولدينا الكثير من الشهداء ولكن لا أحد يهتم، لا أحد يهتم، أين الإنسانية؟ أين الإنسانية لهؤلاء الأطفال؟”.
وأضافت روان “الأطفال يبكون في كل وقت، وهم يعيشون مع الخوف، آمل أن يقف المجتمع الدولي معنا، لدي العديد من الأصدقاء في أميركا والمملكة المتحدة وكندا، لقد كنت أحاول أن أخبر أصدقائي هناك بما يحدث لأنه من واجبي دعم مجتمعي وشعبي”.
تالا: لا توجد كلمات يمكن أن تصف الوضع الذي نعيشه الآن، هناك دماء في كل مكان، الأخبار السيئة في كل مكان، نحن نعد أيامنا فقط بل دقائقنا قبل الموت، لا أحد يستطيع أن يضحك، لا أحد يستطيع أن يغني، لا أحد يستطيع أن يتكلم، ليست لدينا القدرة أو الطاقة لفعل أي شيء في حياتنا، نحن فقط ننتظر الموت
تالا حرز الله (21 عاما)
طالبة في الجامعة الإسلامية بغزة ومدرّسة للغة الإنجليزية في مركز اللغات بالمدينة، تحدثت لأستا راجفانشي قائلة “لقد دمرت جامعتي الآن بالكامل ودمر مكان عملي بالكامل، وأنا الآن عالقة في وسط مدينة غزة مع أخي وزوجته وأولاده وأمي وأبي”.
وتضيف تالا “لا توجد كلمات يمكن أن تصف الوضع الذي نعيشه الآن، هناك دماء في كل مكان، الأخبار السيئة في كل مكان، نحن نعد أيامنا فقط بل دقائقنا قبل الموت لأن كل دقيقة قد نموت فيها، قد نقتل، لقد فقدت ابنة عمي وأطفالها، لقد فقدت صديقتي، أنا أفقد أحبائي، لا يوجد مكان آمن في غزة، قالوا للناس أن يتجهوا إلى الجنوب وقصفوا الجنوب، طلبوا من الناس مغادرة الشمال وقصفوا الشمال”.
وقالت “كل شيء نادر، الماء والكهرباء والغاز والغذاء والإمدادات، ومع أننا على قيد الحياة الآن فإننا أموات في الداخل، لا أحد يستطيع أن يضحك، لا أحد يستطيع أن يغني، لا أحد يستطيع أن يتكلم، ليست لدينا القدرة أو الطاقة لفعل أي شيء في حياتنا، نحن فقط ننتظر الموت”.
يارا: رحل عمي وعمتي وجميع أبنائهما وأحفادهما، لقد فقدت 14 فردا من عائلتي في غارة جوية واحدة، وأمس وصلني خبر قصف منزل عمتي وما زلت لا أعرف عدد الأفراد الذين فقدتهم من عائلتها
يارا عيد (23 عاما)
صحفية فلسطينية نشأت في غزة ولكنها تعيش في المملكة المتحدة منذ 7 سنوات، وقد تحدثت لأستا راجفانشي قائلة “قبل يومين وصلني خبر قصف بيت عمي، لقد رحل عمي وعمتي وجميع أبنائهما وأحفادهما، لقد فقدت 14 فردا من عائلتي في غارة جوية واحدة، وأمس وصلني خبر قصف منزل عمتي وما زلت لا أعرف عدد الأفراد الذين فقدتهم من عائلتها، فقدت ابنة عمي التي كانت طبيبة أسنان، والتي كانت ذاهبة إلى مصر هذا الشهر للزواج، قتلوها هي وعائلتها، قصفوا الحي بالكامل، وكان الجميع تحت الأنقاض”.
وتابعت يارا “أمي موظفة في الأمم المتحدة وقد فقدت الكثير من زملائها، والآن تم إجلاؤها بمفردها إلى الجنوب بالقرب من معبر رفح الحدودي، ولم أتمكن من التحدث معها، لن أتمكن أبدا من العيش مع الصور التي رأيتها، أعاني من الكوابيس كل يوم، أنا غير قادرة على النوم بسبب ما يمر به شعبي، هؤلاء مدنيون، هؤلاء هم عائلتي”.
كريم أبو الروس (27 عاما)
كاتب وباحث وناشط حقوقي فلسطيني يعيش في بلجيكا، وقد فقد أقاربه في غزة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، تحدث لأستا راجفانشي قائلا “إن لغزة مكانة كبيرة في قلبه، ولدت في غزة ودرست هناك، وغادرتها كما يفعل العديد من الشباب الذين يبحثون عن حياة جديدة، أعيش الآن في بلجيكا مع زوجتي ميسا منصور وابننا غسان، أما باقي أفراد عائلتي فلا يزالون في غزة تحت القصف، حيث لا يوجد مكان آمن”.
وأضاف أبو الروس “قتلت إسرائيل أختي هديل وزوجها باسل خياط وابنتيها إيلين وسيلين وابنيها محمد ومحمود، قصفت إسرائيل منزلهم دون سابق إنذار ودون ذنب، لم أكن أتوقع أن يكون الأمر مروعا إلى هذا الحد”.
أبو الروس: قتلت إسرائيل أختي هديل وزوجها باسل خياط وابنتيها إيلين وسيلين وابنيها محمد ومحمود، قصفت إسرائيل منزلهم دون سابق إنذار ودون ذنب، لم أكن أتوقع أن يكون الأمر مروعا إلى هذا الحد
غادة عقيل (52 عاما)
أستاذة زائرة في جامعة ألبرتا، لم تتمكن من الوصول إلى عائلتها في غزة وتخشى حدوث الأسوأ، تحدثت لكارل فيك وقالت “إن عائلتها في قطاع غزة، ولكن هي وزوجها وطفلاها موجودون في كندا، إخوتي وأخواتي وجيراني وأصدقائي وخالاتي كلهم هناك ولم أتمكن من التواصل معهم خلال الأيام الثلاثة الماضية، اتصل بي صديق في بريطانيا اليوم وأخبرني أنه تواصل مع أحد إخوتي وقال إنهم بخير، ولكن لا تعرف هل صباح اليوم التالي سيجلب لك الفظائع”.
وتابعت “قُتلت ابنة عمي هبة أبو شمالة، وهي لاجئة من الجيل الرابع صباح الخميس مع طفليها، أنا وأختي أيضا بيوتنا تقع في ما تعرف الآن بـ”إسرائيل”، نحن لاجئون، ولدينا الحق في العودة إلى وطن أجدادنا، ربما ليس اليوم، ولكن هذا حق غير قابل للتصرف للجميع، بمن فيهم الفلسطينيون”.