أبو عبيدة.. عودة إلى بدايات ظهور الملثم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

“الملثم”، و”الناطق باسم الأمة”، و”عنوان الحرب النفسية”، و”قاموس المعركة”، ألقاب عدة أطلقتها الجماهير على الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسّام “أبو عبيدة” صاحب الصوت الذي حفظه الناس جيدًا في كل جولات المواجهة بين الاحتلال والمقاومة في غزّة.

وخلال معركة “طوفان الأقصى”، أصبح رمزًا وعنوانًا لصوت الميدان وأحداثه، وعلى مدار سنوات ظلّ لثامه الأحمر علامة المقاومة البارزة.

صوت من زمن الانتفاضة

مع أن العديد من المصادر تشير إلى أن ظهور “أبو عبيدة” الأول كان في مؤتمر الإعلان عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عملية “الوهم المتبدد” عام 2006، إلا أن بدايات الملثم وصِفتَه الإعلامية سبقت هذا المؤتمر بسنوات.

ظهر أبو عبيدة في أعوام 2002-2003 في إصدارات مرئية خاصة بكتائب القسام، جرى تعريفه حينها بـ”قائد في كتائب القسام”، قبل أن يظهر في مؤتمر صحفي لأول مرة من داخل مسجد “النور” شمال قطاع غزة، خلال معركة “أيام الغضب” عام 2004، والتي أطلقتها فصائل المقاومة ردًا على اجتياح الاحتلال لشمال القطاع في عملية سماها “أيام الندم”.

خلال ظهوره الأول، مرتديا عصبة الكتائب الخضراء، وقناعا أسود، تحدث أبو عبيدة للصحفيين عن مجريات المعركة، وأبرز العمليات التي نفذتها الكتائب بشكل منفرد أو بالاشتراك مع فصائل المقاومة، كما عرض عددًا من الأسلحة المستخدمة في صد الاجتياح، وبقايا آليات دمرتها المقاومة في شمال القطاع.

عقب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، حمل أبو عبيدة رسميا صفة “الناطق الإعلامي باسم كتائب القسام”، وظهر في برنامج في ضيافة البندقية الذي عرضته قناة الجزيرة، كما أجرى لقاءات حول مستقبل الكتائب ودورها عقب الانسحاب الإسرائيلي، مع عدد من وسائل الإعلام والصحف والمواقع الإخبارية العربية والمحلية التي توسع انتشارها في تلك الفترة.

ظل أبو عبيدة، الصوت الرسمي لكتائب القسام، حاضرًا في بيانات تبني عمليات الكتائب، أو إيصال رسائل الجناح العسكري، وتوجيه التهديدات للاحتلال ومستوطنيه، والتي كان أبرزها “تحويل مستوطنة سديروت إلى مدينة أشباح” في حزيران/ يونيو 2006، ردًا على تصاعد عدوان الاحتلال ضد قطاع غزة، وبيان إعلان أسر الجندي شاليط.

وخلال مؤتمر تبني عملية “حقل الموت” الفدائية في نيسان/أبريل 2008، صرّح أبو عبيدة: “أن الخيارات المطروحة أمام الجندي الصهيوني عند دخوله لقطاع غزة هي 4 خيارات: إما أن يسقط قتيلا أو يقع أسيرا أو أن يصاب بإعاقة مستديمة، أو أن يعود بمرض نفسي إلى الأبد، وأنه لن يعود منتصرا بأي حال من الأحوال”.

صوت المعركة المدوي

بعد بدء الاحتلال حربه الأولى على قطاع غزة عام 2008-2009، التي أطلق عليها تسمية “الرصاص المصبوب”، وسمتها المقاومة “معركة الفرقان”، برز دور “أبو عبيدة” لأول مرة في كونه الناطق العسكري باسم الحرب الدائرة، وصوت المقاومة الرسمي في إعلان البيانات الرسمية، ومخاطبة الجبهة الداخلية والشعوب العربية، والكشف عن خسائر الاحتلال وأداء المقاتلين على الأرض.

في الحروب اللاحقة، ارتبط ظهور “أبو عبيدة” المرئي وبياناته الحربية من قلب العدوان، بالبشريات من الميدان. وشكّل كل خبر عاجل عن كلمة مرتقبة له، إشارة واضحة عن منجزات سيتم الإعلان عنها. وهو ما تكرر لاحقًا في بياناته خلال معركة “حجارة السجيل” عام 2012، وإعلانه لأول مرة عن استعمال القسام صواريخ مضادة للطائرات ضد الاحتلال.

شكلّت الحرب الثالثة على غزة عام 2014، التي أطلقت عليها المقاومة معركة “العصف المأكول”، ذروة سنام إطلالات الملثم، والحضور الأوسع لبياناته العسكرية، والتي كان أبرزها خطابه التاريخي في يوليو/تموز من ذلك العام، الذي أعلن فيه أسر الجندي “شاؤول آرون” مشيرًا إلى تجاهل الاحتلال لساعات الإعلان الرسمي عن هذه العملية ونتائجها، وهو الإعلان الذي جاء ليشفي صدور أهل غزة بعد مجزرة الشجاعية الدموية التي ارتكبها الاحتلال في ليلة أسر آرون.

خلال معركة “العصف المأكول” بات واضحًا حجم التأثير الميداني والمعنوي لإطلالات “أبو عبيدة”، وشوهدت العديد من المقاطع المصورة، التي تظهر احتشاد الجماهير للاستماع لبياناته وكلماته في الضفة الغربية والأردن ومخيمات لبنان، والهتافات باسمه في المظاهرات ونقاط المواجهات.

وفي ذلك العام، تنبّه الاحتلال لحجم حضور “أبو عبيدة” ورمزيته وتأثيره في وجدان الناس الداعمين لخيار المقاومة، فشن حملة إعلامية عليه زعم خلالها كشف هويته وبياناته الشخصية.

كما تعرضت قناة “الأقصى الفضائية” لعمليات قرصنة واختراق من جيش الاحتلال، عُرض خلالها صورة مزعومة لـ”حذيفة الكحلوت” الذي يدعي الاحتلال أنه الناطق العسكري باسم القسام.

كما تداولت وكالات إخبارية معلومات مقتضبة عنه كونه يحمل شهادة الماجستير في أصول الدين، ويقيم في شمال غزة، وأن منزله تعرض للقصف عدة مرات، بينما لم تعقب كتائب القسام على أيّ من هذه المزاعم.

ومع مرور الأعوام، حافظ “أبو عبيدة” على إطلالات نادرة ومؤتمرات صحفية مقتضبة، جرت للتعليق على قضايا سياسية أو ميدانية تتعلق بالمقاومة، منها بيانات ألقاها بعد عملية اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري، وتعليقًا على عملية “حد السيف” عام 2019 وإنجاز القسام في حينه بكشف قوة خاصة إسرائيلية والاشتباك معها وقتل وإصابة عدد من أفرادها في خان يونس جنوب القطاع.

من المؤتمرات إلى المنصات الرقمية

في أبريل/نيسان من العام 2020، دشنت كتائب القسام قناة خاصة عبر تطبيق “تليغرام” حملت اسم “أبو عبيدة – الناطق العسكري باسم كتائب القسام”، لتكون قناة إضافية لبث تصريحات وبيانات الملثم، ولاحقًا تغريداته النصية التي ستصبح بعد أشهر قليلة أحد أنماط الظهور الجديد له، وتحظى بمتابعة أكثر من نصف مليون مشترك.

وفي 25 يونيو/حزيران 2020، نُشرت الرسالة الأولى على القناة، والتي تضمنت كلمة “أبو عبيدة” في ذكرى عملية “الوهم المتبدد” وأسر الجندي شاليط.

وبعد عام تقريبًا، وفي الرابع من مايو/أيار 2021، نشرت القناة الرسالة الثانية بعنوان “التحذير الأخير”، وتضمنت تحية يوجهها قائد الأركان محمد الضيف لأهالي حي الشيخ جراح، وتحذيرًا واضحًا للاحتلال.

أعقبت الرسالة الثانية رسالة ثالثة بعدها بـ4 أيّام، تجدد التحية لأهالي القدس والمرابطين في الأقصى. ثمّ رسالة التهديد والمهلة للاحتلال في العاشر من مايو/أيار، والتي تلاها بعد ساعتين الإعلان عن الضربة الصاروخية الافتتاحية لمعركة “سيف القدس”.

حظيت معركة “سيف القدس” بنمط إطلالات جديد لـ”أبو عبيدة”، عبر التغريدات النصية، والتفاعل مع مجريات الميدان برسائل مقتضبة تظهر متابعة الكتائب لكل المستجدات، كما تضمنت المعركة كلمات صوتية مسجلة له وإطلالات مرئية طوال أيام المعركة الـ11.

خلال الأعوام التي تلت معركة “سيف القدس”، واظب أبو عبيدة على توجيه رسائل نصية وتغريدات مقتضبة حول مستجدات المشهد الفلسطيني، وما يتعلق بهجمات الاحتلال على القدس والضفة المحتلة، والتعقيب على جرائمه والتلويح برد مرتقب للمقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها القسام حول هذه الاعتداءات المتواصلة، إضافة لتبني بعض العمليات الفدائية التي شهدتها الضفة الغربية، ورثاء منفذيها.

في أيام الطوفان

الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي اليوم الثاني من معركة “طوفان الأقصى” وجه “أبو عبيدة” رسالة صوتية مقتضبة حول أسرى الاحتلال، تلاها كلمة طويلة مسجلة بعد ساعتين ونيّف، وتلاها ظهور الناطق العسكري بشكل دوري طوال أيام المعركة، برسائل صوتية ومرئية وتغريدات نصية.

شكّل أبو عبيدة ولا يزال، صوت المقاتلين الفلسطينيين، ورسالة المقاومة الفلسطينية التي حملت في كلماتها الصدق والحقيقة، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات الاحتلال الفاشلة لتحرير أسراه، وبيانات مقتل المحتجزين عبر القصف الجوي أو الغارات الميدانية.

يمثل أبو عبيدة اليوم، واجهة الحرب الإعلامية وصوتها، وبرز حضوره وشعبيته الواسعة في الدول العربية والعالم، وإطلالته الأيقونية بالكوفية الحمراء وعلم فلسطين والزي العسكري، ملامح لشخصية حفظت الأجيال اسمها، وتغنت الشعوب بها في الأشعار والقصائد وهتفت لها في المظاهرات والمسيرات والفعاليات.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *