عين الحلوة- في أحد أحياء المخيم التي لم تشهد اشتباكات يستقبلنا شاب في أول العمر عند مدخل قاعة تابعة لعصبة الأنصار الإسلامية ليرحب وبنا ويقول لنا “تفضلوا، الشيخ قادم ولن يتأخر”.
ندخل القاعة التي تزين أحد جدرانها عبارة “والنور كيف ظهوره إن لم يكن دمنا الوقود، والقدس كيف نعيدها إن لم نكن نحن الجنود”، وننتظر أبو شريف عقل المتحدث الرسمي باسم العصبة والتي باتت تلعب دور الوسيط بين حركة “فتح” وتجمع “الشباب المسلم”، لوقف النار خلال جولتي الاشتباكات في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ورغم نفيه أن الحركة تلعب هذا الدور فإن متابعتنا لتطورات الأوضاع في المخيم على مدى أيام كانت تشي لنا بأن قناة التواصل الوحيدة مع “الشباب المسلم” تمر عبر العصبة.
قبل أن نشرع بالمواضيع السياسية والعسكرية والأمنية لا بد أن نعرف ونُعرّف القارئ على هذا الفصيل الفلسطيني الإسلامي.
نحيل السؤال إلى أبو شريف عقل الذي يقول إن “عصبة الأنصار هي حركة إسلامية كانت انطلاقتها بداية تسعينيات القرن الماضي، أسهها الشيخ الراحل هشام شريدة وبعد اغتياله أوصى بأن يخلفه في إمارة هذه الجماعة الشيخ عبد الكريم السعدي (أبو محجن)، نحن حركة متفقهة في دين الله وتعمل من أجل نشر الدين والأمن والأمان والإسلام الذي جاء به النبي محمد، ونحن دائما نقول في كل حدث يحصل إن التركيبة الديمغرافية في المدينة المنورة عندما هاجر النبي كانت أصعب من تلك التي في المخيمات، ورغم ذلك لم يسجل لنا في كتب السيرة حصول أي مشكلة في المدينة بعهد النبي، وكل من يقول إن النبي قدوتنا وأسوتنا عليه الاقتداء به”.
يذكر أن “أبو محجن” و4 من مرافقيه صادر بحقهم حكم قضائي لبناني غيابي بإعدامهم لـ”تورطهم” في اغتيال 4 قضاة لبنانيين عام 1999، ووقعت الجريمة بوضح النهار داخل قاعة المحكمة في مدينة صيدا اللبنانية.
وتقول حيثيات الحكم إن المسلحين تسللوا إلى قاعة المحكمة من نافذة مستغلين ثغرات أمنية وقلة عدد عناصر الحماية الأمنية في المكان، وتمكنوا بعد إطلاق الرصاص من الهرب إلى مخيم عين الحلوة المجاور.
لكن العصبة والمتحدث باسمها يريدان على ما يبدو أن يبعدا عنهما هذه الصورة الذهنية لدى البعض، وباتا يشيدان بمسؤولين في الدولة اللبنانية، في مقدمتهم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي “يشكره كل طفل وشيخ وسيدة فلسطينية على مبادرته لوقف إطلاق النار في المخيم”، على حد قول عقل.
وتابع أن “عصبة الأنصار لا تلعب دور الوسيط بين فتح والشباب المسلم، ولكن تحاول أن تلعب دور صمام أمان لحل الخلافات والمشاكل التي تنشأ بين أي فريقين في المخيم”، على حد قوله.
وذهب أبو شريف أبعد من ذلك ليطالب بـ”تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني وآخر للدولة اللبنانية شعبا وحكومة ومؤسسات، لأن اللبنانيين الذين يقطنون بجوار مخيم عين الحلوة تضرروا كما تضرر مخيم عين الحلوة، وكانت هذه الاشتباكات الأعنف من حيث كثرة الدمار والتهجير والمعاناة التي عاناها الشعب نساء وأطفالا وشيوخا”.
ورقة اللاجئين
وأضاف أبو شريف أن “كل الذي حصل لم يكن له ما يبرره، نحن ندين الاغتيال من أي جهة كانت، ونعتقد أن مخيم عين الحلوة شأنه شأن كل البلاد العربية والإسلامية هو أرض غير صالحة للقتال، لأن النتيجة أن الشعب الذي لا ناقة له ولا جمل هو من يدفع الثمن من صحته وأمنه ورزقه”.
وفي تحميل غير مباشر للمسؤولية عن الاشتباكات، يشرح أبو شريف كيف أن الإشكال “كان يجب أن يبقى ضمن حدوده المعروفة لدى الجميع، فتوسعه بهذا الشكل يثير سؤالا مفاده: لماذا كبرت رقعة الاشتباكات حتى تشمل كل أرجاء المخيم ومحيطه؟”.
يجيب أبو شريف بنفسه عن سؤال طرحه بأنه “من الواضح أن هناك هدفا عند حركة فتح ومن خلفها منظمة التحرير الفلسطينية -جاء في تصريحات أكثر من قائد لديهما- مفاده أن ما يحصل في عين الحلوة هو صراع على من يمسك بورقة اللاجئين”.
وكشف المتحدث الرسمي باسم عصبة الأنصار كواليس اجتماع دار في السفارة الفلسطينية ببيروت “قلنا لقيادة حركة فتح: إنه شاء من شاء وأبى من أبى أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح هما المعترف بهما رسميا عند الدولة اللبنانية وكل الدول العربية والأوروبية، وسألت المشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد: تقولون إنكم أم الصبي، فهل هكذا تفعل الأم بأبنائها؟ وهل هكذا تفعل القيادة بشعبها؟”.
وأوضح أنه “من يريد التنافس عليه أن يتنافس على خدمة الشعب الفلسطيني ومقدار ما يقدمه له ويرفع المعاناة عنه، أما أن تتنافس على من يمثل الشعب الفلسطيني فهذا تنافس مذموم وأكبر دليل ما حصل في المخيم، نحن أصبحنا في نهاية الطريق بعد وقف إطلاق النار وانتشار القوى الأمنية المشتركة وانسحاب المسلحين من مدارس “الأونروا”، نأمل أن تبلسم هذه الخطوات الجراح وترفع المعاناة، ونحن في عصبة الأنصار والقوى الإسلامية الفلسطينية نرفض أن يدفع الشعب الفلسطيني ثمن تنازع سياسي على من يمثله”.
لماذا امتدت الاشتباكات لكل المخيم؟
ولم يقف أبو شريف عند هذا الحد في تحميل من سماهم “عناصر متفلته وغير منضبطة” في حركة فتح مسؤولية الاشتباكات الدامية الأخيرة، وقال إن “هذه العناصر وعلى مدى أشهر تقوم باستفزاز بإطلاق ومحاولات اغتيال عدد من الأشخاص حتى نجحت محاولة الاغتيال الأخيرة في 29 يوليو/تموز الماضي وقتل الشهيد المظلوم عبد السلام فرهود وأصيب معه شابان وطفلتان تصادف مرورهما في منطقة الحادث، وهذا أجج المشكلة وأدى أيضا إلى جريمة مدانة ونعتبرها مجزرة أدت إلى مقتل أبو أشرف العرموشي ومرافقيه (30 يوليو/تموز الماضي) لتشتعل النار في كافة أرجاء المخيم”.
ومضى يقول -في إشارة إلى أن حركة فتح هي من وسعت رقعة الاشتباكات في المخيم- إن “الجميع علم من خلال لجنة التحقيق من هي الجهة المشتبه بها في قتل العرموشي، فإذا كان لا بد من التعامل كان يجب التعامل ضمن المنطقة الجغرافية التي توجد فيها هذه المجموعة، السؤال هنا: لماذا فتحت الاشتباكات في كل المخيم؟ لأن هناك عناصر غير منضبطة في فتح أشعلت كل الجبهات، وهذه الحقيقة التي لا جدال فيها”.
لكن، هل فعلا حركة فتح تحارب من تصفهم بـ”الإرهابيين” والقادمين من خارج المخيم والذين “تستأجر بندقيتهم”؟، يروي لنا أبو شريف أنه في اجتماع السفارة الفلسطينية “سألت عزام الأحمد: هل لديكم معلومات عن وجود جنسيات أجنبية بين هؤلاء الشباب في منطقة التعمير؟ أجاب بالنفي، وقلت له: لا يوجد سوى لبنانيين وفلسطينيين، وهذه المنطقة بالأساس هي لبنانية، فتدخل السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، وقال إن هناك أيضا سوريين، فجاوبته بأن السوريين أكثر من اللبنانيين في لبنان وهذا أمر طبيعي، ولكن أن نستعدي العالم كله على مخيمنا وأهلنا ونصم المخيم بالإرهاب، وأن هناك جنسيات أجنبية فيه، فلمصلحة من هذا الاستعداء؟ لا يوجد بديل لنا كلاجئين إلا المخيم، ونحن راضون به وببيوته المتهالكة، واتركوا الناس يعيشون بأمان”.
فتح والفرص
ورغم تعدد المبادرات والاجتماعات التي لم تثمر فإن الاجتماع -الذي عقد برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري- جاء حاسما، فما الأسباب؟
يقول أبو شريف إنه “في كثير من اللقاءات هناك قليل معلن وكثير مخفي، والأخير يكون عادة الأهم، وربما فتح أعطيت أكثر من فرصة لتحقيق ما تريد ولم تنجح في ذلك”.
نسأله: ماذا كانت تريد فتح؟ يوضح أنها كانت “تريد القضاء عليهم (الشباب المسلم) أو تسليمهم للقضاء اللبناني، وأن هناك من أعطاها هذه الفرص، وعندما لم توفق في ما تريده ارتفعت الأصوات في صيدا من النائبين عن المدينة عبد الرحمن البزري وأسامة سعد والنائب السابق عن المدينة نفسها بهية الحريري ورئيس بلدية المدينة، وقالوا: كفى، لأننا ندفع أثمانا باهظة، وهنا حصل ضغط من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ليتوقف بعدها هذا النزيف العبثي والدموي، وهو في غير مكانه وزمانه واتجاهه، فيما بأقل الإمكانيات أهلنا في فلسطين في مخيمات الضفة يسطرون أروع الملاحم في مقاومة الاحتلال”.
ونفى أبو شريف بشكل جازم أن تكون هناك مؤامرة لتدمير مخيم عين الحلوة وشطب حق العودة، مؤكدا أنه “لا أحد يستطيع التآمر على هذا الحق، ولكن هناك صراع على من يثبت نفسه أنه مرجعية الشعب الفلسطيني، وهذا صراع حرام لأن الذي يدفع ثمنه هو الشعب، فسكان عين الحلوة ينبذون كل من يعبث بأمنهم ويحاربهم في لقمة عيشهم”.
لكن، هل يفجر بند تسليم المطلوبين هذه الهدنة؟
يؤكد أبو شريف أن “كل الخطوات السابقة مقدمة من أجل إقناع “الشباب المسلم” (المتعاون جدا في المفاوضات بالاشتباكات الأخيرة على حد قوله) بتسليم المشتبه بهم بقتل العرموشي ورفاقه، مع أنني أدرك تماما أن الأمر صعب، وهو من وجهة نظر شرعية أمر جائز، وهناك قاعدة فقهية تقول: إذا تزاحمت مفسدتان ارتكبت أخفهما ضررا، ونحن في مزاحمة مفسدتين، الأولى: مفسدة التسليم في اعتقاد “الشباب المسلم”، والأخرى: مفسدة الاشتباكات، والأخف ضررا هو التسليم، ولكنني أعتقد أنهم لن يقوموا بهذه العمل، وهذه مهمة عمل القوى المشتركة، ولكن الجميع متفق على ألا يقوم أي طرف بمفرده بأي عمل، وكلنا سلمنا الملف للقوى المشتركة، وهي التي تقدر المصلحة العليا”.
وفي النهاية، يخلص المتحدث الرسمي باسم عصبة الأنصار إلى أن “من يخرق وقف إطلاق النار هو عميل وخائن لفلسطين إن علم أو جهل، لأن الجاهل أشد خطورة من العميل، والآن وبعد كل هذه الخطوات التي طمأنت سكان المخيم ودفعتهم للعودة إلى منازلهم فكل من يخرق وقف النار ويطلق الرصاصة أو القذيفة الأولى يجب أن يحاسب من كل فئات الشعب الفلسطيني”.