كتب الصحفي ومحرر صحيفة “فلسطين كرونيكال-أحداث فلسطين” الدكتور رمزي بارود عن حي الشجاعية؛ ومقاومته الحالية الشرسة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتاريخه، قائلا إن الشجاعية ليست مجرد حي، بل هي إرث.
وقال بارود، الباحث غير المقيم في “مركز الإسلام والشؤون العالمية”، إنه عندما يدعي الإسرائيليون أن الحل الوحيد لغزة هو تهجير الفلسطينيين، لا يبدو أن لديهم الكثير من المعرفة بغزة وأحيائها، خاصة الشجاعية، ولو علموا لما تقدموا إلى غزة.
لو علم الإسرائيليون
وأوضح أن من ضمن تاريخ هذا الحي، لو علم الإسرائيليون، أن مقاتليه الشباب هم من نسل الجيوش العظيمة التي هزمت الصليبيين، وقاتلت الفرنسيين والبريطانيين، ولذلك، يقول بارود، لن يسقط الشجاعية في يوم أو أسبوع أو ألف عام.
وسرد الكاتب، بتفاصيل وافرة، المعارك التي دارت في الشجاعية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في 2014 وعقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي واستبسال المقاتلين هناك وتكبيدهم الغزاة الإسرائيليين خسائر بشرية كبيرة.
معاركها كانت هي الحاسمة في 2014
وقال إنه يُعتقد أن معركة الشجاعية في عام 2014 كانت المعركة الأكثر حسما بين المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية. ففي ذلك الوقت، اعترفت إسرائيل بمقتل 16 جنديا.
وقالت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إن عدد الجنود الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم آنذاك في 3 كمائن متتالية بالشجاعية، يتجاوز بعيدا عدد “الإصابات” التي أعلنتها إسرائيل.
وفي المعارك الحالية، قال بارود، إن الجيش الإسرائيلي يقاتل “لواء الشجاعية المميت” لمدة أسبوع ونصف الأسبوع، وهي معركة يبدو من المستحيل تقريبا الفوز بها، لأن القتال يدور في مناطق دُمرت بالكامل، وبشكل متكرر، بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية، ولا أحد من الغزاة يعرف من أين يأتي المقاتلون وأين يختفون؟!
لا يمكن كسبها من الجو أو الأرض
واستمر الكاتب يقول إن الجيش الإسرائيلي قد توصل بنفسه إلى استنتاج مفاده أن معركة الشجاعية لا يمكن كسبها بالضربات الجوية، لكن يبدو أنه لا يمكن كسبها من الأرض أيضا، حيث يتم قصف الجنود الإسرائيليين وتفجير الدبابات والمعارك الشرسة، والتي يتم تحديد نتائجها دائما تقريبا من قبل المقاتلين الفلسطينيين.
وقال بارود لن يكون من المبالغة الادعاء بأن معركة الشجاعية من المرجح أن تكون أحد العوامل الرئيسية التي ستؤدي إلى هزيمة الجيش الإسرائيلي في غزة.
ومع ذلك، يضيف، فإن أسطورة الشجاعية ليست قصة جديدة يتراوح عمرها من يوليو/تموز 2014 إلى ديسمبر/كانون الأول 2023، بل هي أقدم من ذلك.
وعن تاريخ الحي، يوضح الكاتب أن كلمة شجاعية غالبا ما يساء فهم أصلها؛ إذ أول ما يتبادر إلى الذهن هو أنه من الشجاعة، “وهذا التفسير منطقي للكثيرين بسبب شجاعة المحاربين الواضحة المنبثقة من هذا الحي على مر السنين”.
شجاع الدين الكردي
لكن المصادر التاريخية تشير إلى أن الاسم يُنسب إلى شجاع الدين عثمان الكردي، المحارب الشهير الذي توفي في معركة بين الأيوبيين والجيوش الصليبية الغازية عام 1239 للميلاد.
وكانت الأهمية العسكرية للشجاعية واضحة منذ مئات السنين، ويرجع ذلك جزئيا إلى تل المنطار، وهو تل إستراتيجي يقع في الشجاعية ويعتبر بوابة غزة. ومن يسيطر على تل المنطار سيتوفر له موقع إستراتيجي ورؤية مدينة غزة بأكملها.
نابليون قاتل من الشجاعية
وهذا هو بالضبط السبب في أن نابليون بونابرت قاتل للسيطرة على المنطار، وفي النهاية خيّم مع جيشه الغازي بالقرب من التل.
والآلاف من جنود الحلفاء، بعد سنوات عديدة، لقوا حتفهم بالقرب من هذا التل، وهو ما يفسر مقبرة الحرب العالمية الأولى في غزة، وهي واحدة من العديد من المواقع التاريخية التي تحكي قصة أكبر بكثير من حرب إسرائيل الجارية حاليا.
وفي الشجاعية بالذات، هللت الجيوش المنتصرة بانتصاراتها، حيث قام قادتهم الفخورون بإيقاف خيولهم العربية على تل المنطار، وهم يحدقون في مدينة غزة وضواحيها.
وقصة الشجاعية هي قصة متجذرة في التاريخ، تربط بين شعوب تلك المنطقة بأكملها -العرب والأكراد والتركمان والمسلمين والمسيحيين واليهود- وبالتالي تبرز أهمية التاريخ في كيفية تصور الفلسطينيين، بشكل جماعي، لأنفسهم ومقاومتهم الشجاعة.