بيروت- تكثر الطروحات الدولية والإقليمية لإيجاد حل للواقع الحدودي الملتهب بين لبنان وإسرائيل، منذ التصعيد العسكري بين حزب الله وقوات الاحتلال عقب “طوفان الأقصى”.
وبعدما كان العنوان تطبيق القرار الأممي 1701 -بشأن وقف القتال في لبنان- وفق رؤية إسرائيل، وهي اقتلاع منظومة الصواريخ والسلاح التابعة لحزب الله، يعمد حلفاؤها راهنا، وفي طليعتهم واشنطن وباريس، إلى الضغط على الدولة اللبنانية في هذا الاتجاه، وتحت عنوان “فصل مسار جبهتي غزة وجنوب لبنان”.
قبل أيام، وعقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، إلى بيروت، تسلم لبنان رسميا “الورقة الفرنسية” التي تتضمن مقترحات لوقف المواجهة الحدودية بين حزب الله وإسرائيل.
وبعدما كانت باريس تتبنى، مثل واشنطن وحلفائهما، المطلب الإسرائيلي بابتعاد الحزب نحو 10 كيلومترات عن جنوب لبنان، عمدت إلى استخدام تعبير أكثر دبلوماسية، وهو “إعادة تموضع” حزب الله.
ثبات
وتفيد المعطيات بأن الحزب تسلم “الورقة الفرنسية” دون أن يبدي سلبية تجاهها، خصوصا أن لباريس باعا طويلا في محاورته بملفات لبنانية عديدة قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول.
لكن أوساط الحزب تؤكد الثبات عند ما أعلنه أمينه العام حسن نصر الله مرارا، وهو الرفض المطلق لوقف إطلاق النار في الجنوب وعملياته العسكرية ضد إسرائيل، قبل وقفها عدوانها على قطاع غزة.
وتوازيًا مع الدعوات المتواصلة إلى فصل مسار ومصير جبهتي لبنان وغزة، حملت “الورقة الفرنسية” للمسؤولين اللبنانيين، وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب (حليف حزب لله) نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اقتراحات عديدة، أبرزها، وفق الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة:
- الوقف الفوري للعمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل.
- إعادة تموضع حزب الله في المنطقة الحدودية، “بمعنى تنفيذ المطلب الإسرائيلي-الأميركي السابق لجهة انسحاب الحزب من جنوب الليطاني بمسافة تتراوح بين 8 و10 كيلومترات”.
- عودة نحو 100 ألف نازح لبناني إلى القرى الجنوبية، وكذلك عودة 100 ألف إسرائيلي إلى المستوطنات الشمالية.
- وفي مرحلة متقدمة، تشكيل لجنة خماسية مؤلفة من ممثلين عن الجيشين الأميركي والفرنسي وعن قوات الطوارئ (يونيفيل)، وعن الجيش اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، لحل النزاع الحدودي القائم على 13 نقطة. إضافة إلى حل الخلاف حول بلدة الغجر وهوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي احتلتها إسرائيل سنة 1967، وتحديد ملكيتها عبر مباحثات مع الجانبين اللبناني والسوري.
ضغوط
وتتقاطع “الورقة الفرنسية” مع الورقة الأميركية التي سبق أن طرحها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، بين تل أبيب وبيروت.
ويشير حمادة للجزيرة نت إلى أن من مهام اللجنة الخماسية المتوقعة، تثبيت الحدود بين لبنان وإسرائيل وفقا لخرائط 1926 واستنادا لاتفاق الهدنة بين الطرفين سنة 1949، مع محاولة إنهاء النزاع الحدودي بصورة كاملة من نقطة بي1 “b1” في رأس الناقورة حتى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
كما أن من مهامها الدفع نحو الالتزام بالقرار 1701 كأهم غطاء دولي بين الطرفين. ويتحدث حمادة عن مساع ما تزال خجولة، تعمل على تهيئة الأرضية لتفاوض غير مباشر بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي في باريس، بواسطة فرنسية، على طريقة المفاوضات التي أجريت بين أميركا وإيران في فيينا.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر (مقرب من حزب الله)، إن الحزب لن يناقش أي طرح، حتى لو تسلَّمه، قبل وقف العدوان على غزة، خصوصا في البند المتعلق بإعادة التموضع جنوب الليطاني.
ويتحدث عن ضغوط إقليمية عديدة تتم ممارستها على لبنان، ذلك أن “السعودية ومصر مثلا، تطالبان لبنان بفصل مصير الجبهتين وإن كانتا لا تجاهران بذلك”.
ويضيف عبد الساتر للجزيرة نت أن الأصوات اللبنانية المعارضة لحزب الله والتي تتماهى مع المطالب الدولية، لا وزن لها ميدانيا أمام قوة الحزب وحضوره الحدودي وفي الجنوب.
ويلفت إلى أن حكومة ميقاتي أعربت أكثر من مرة عن التماهي مع ما يريده حزب الله، على قاعدة أنها لا يمكن أن تمضي بأي طرح بمعزل عن رغبته، وهو “صاحب اليد الطولى في الجنوب”.
قدرات عسكرية
ويجد الكاتب عبد الساتر أن باريس وواشنطن تريدان في نهاية المطاف مصلحة إسرائيل وعدم اتساع الحرب باتجاه الساحة اللبنانية، خوفا من انعكاساته الكبيرة على إسرائيل، بفعل إدراكهما قدرات حزب الله العسكرية الهائلة، والتي تتجاوز بأضعاف قدرات المقاومة الفلسطينية التي لم تتمكن إسرائيل من هزيمتها حتى الآن.
وبرأيه، فإن فرنسا لم تيأس من محاولة حجز موقع وازن بالملف اللبناني، بعد الفشل الذي منيت به مختلف مبادراتها عقب تفجير مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.
الرد اللبناني على هذه الطروحات؟
بحسب المحلل علي حمادة، فإن الرد، سواء على الطرح الفرنسي أو على الدعوات الإقليمية لفصل الجبهتين، لن يكون لبنانيا، بل هو عمليا رد حزب الله، الذي يُبلغ موقفه للحكومة ورئيس مجلس النواب لاعتماده. ويتوقع كثيرون مواصلة الحزب إصراره على رفض وقف إطلاق النار قبل وقفه في غزة.
ويقول حمادة إن فرنسا قدمت ورقتها منفردة، لكنها شاورت واشنطن حتما قبل تقديمها، وتاليًا تقبل واشنطن بها إذا نجحت باريس بإقناع حزب الله بوقف فوري لإطلاق النار.
وباعتقاده، فإن هذا الملف محصور إقليميا بيد الفرنسيين والإسرائيليين والأميركيين، وإيران بالخلفية، وسيبقى على الطاولة إلى حين تحديد مصير الحرب بقطاع غزة. ومن المفترض أن يجيب رئيس مجلس النواب على الورقة الفرنسية التي تسلمها من السفارة الفرنسية، بين اليوم الجمعة وغدا السبت.
أما الكاتب فيصل عبد الساتر، فيرجح ترقب تل أبيب لهذا الرد، بعدما باتت تريد وقف عمليات حزب الله ضدها بأي ثمن يحفظ ماء وجهها من جهة، ويزيل خطر وجوده على المستوطنين بالشمال من جهة أخرى.