مقديشو- جاءت جولة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود -التي أجراها لكل من جيبوتي وأوغندا وبوروندي ورواندا وكينيا– المساهمين في بعثة القوات الأفريقية الانتقالية (أتميس) لمناقشة المرحلة الانتقالية الأمنية للبعثة في هذا البلد لتصبح باسم البعثة الأفريقية لدعم استقرار الصومال “أوصوم”.
لكن هذه الزيارة جاءت أيضا في سياق فك العُقد التي هندستها إثيوبيا -العضو في البعثة- بعد أن صاغت مخاوفها من تداعيات محاولات استبعادها من البعثة الأفريقية الجديدة، باجتماع ضم وزراء الدفاع الأفارقة في 16 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري في أديس أبابا، حيث تتمسك الصومال بحق سيادتها باختيار الدول المشاركة بالبعثة الجديدة، لضمان مصالح شعبها وللمواءمة بين مهام البعثة ومصالح البلد السيادية.
وفي هذا السياق، تقدم الجزيرة نت بهذا التقرير إجابات عن المرحلة الانتقالية الأمنية بالصومال، والسؤال مجددا حول أسباب مساعي الانتقال من بعثة انتقالية إلى أخرى داخل الإطار الأفريقي، وطبيعة مهامها الجديدة، ودلالات زيارة شيخ محمود للدول المساهمة بقوات “أتميس” ومدى إمكانية نجاح مقديشو بإبعاد إثيوبيا عن المشاركة في البعثة الجديدة.
-
ما دلالات الجولة الأفريقية للرئيس الصومالي؟
لا يمكن قراءة جولة الرئيس شيخ محمود إلا في إطار العملية الانتقالية التي تستعد الصومال لخوضها بداية العام المقبل لاستبدال البعثة الأفريقية الحالية، بالتزامن مع التطورات الراهنة التي تشهدها المنطقة، والتي فرضت على الصومال توسيع تحالفاتها العسكرية لتحقيق نوع من التوازن بين قوى المنطقة، بحسب النائب في مجلس الشيوخ أيوب اسماعيل عضو اللجنة الخارجية بالبرلمان.
ويقول إسماعيل -في حديثه للجزيرة نت- إن محور محادثات الرئيس مع نظرائه ركزت على مستقبل بعثة قوات الاتحاد الأفريقي الانتقالية، والتي سينتهي مهامها نهاية العام الجاري، والترتيبات اللازمة بالبعثة الجديدة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، لكنها ستكون مختلفة من الناحية التشغيلية المنوطة بها، وفق منظور الحكومة.
وأضاف النائب أن جولة الرئيس تأتي أيضا في إطار التأكيد لكل من جيبوتي وأوغندا وبروندي ورواندا وكينيا على موقف الصومال الرافض للمشاركة الإثيوبية في البعثة الجديدة، باعتبار أنها “لا يمكن أن تساهم في بناء واستقرار الصومال وتنتهك سيادته وتهدد وحدته في آن واحد، هذا هو مصدر القلق للصومال، وقد يتفهم الكثير من زعماء الدول المساهمة هذا القلق”.
-
ما الأسباب الكامنة وراء توسع تحالفات الصومال بالمنطقة؟
يوضح النائب الصومالي أن دوافع توسيع التحالفات بالمنطقة وخارجها تأتي في سياق المخاطر الداخلية والخارجية التي يواجهها الصومال حيث لا يزال البلد يواجه تحديات أمنية كبيرة، أبرزها خطر “حركة الشباب”.
كما تسعى مقديشو إلى تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي من خلال توسيع تحالفاتها الإقليمية، وخاصة ما بعد انتهاء بعثة “أتميس” نهاية العام الحالي، من أجل تقليل الاعتماد على الدعم العسكري الخارجي.
وتابع أن العامل الآخر هو التنافس الإقليمي والدولي بمنطقة القرن الأفريقي، حيث تتم إعادة تشكيل في التحالفات، إلى جانب مساعي الصومال لمواجهة المخطط الإثيوبي لانتهاك سيادته وتحقيق منفذ بحري بالبحر الأحمر، عبر توقيع مذكرة تفاهم غير قانونية مع إقليم أرض الصومال المحلي.
-
لماذا يسعى الصومال للانتقال من بعثة أمنية لأخرى؟
يقول أستاذ كلية العلوم السياسية والإدارة جامعة مقديشو أويس محمد حسن -للجزيرة نت- إنه بعد 17 عاما من الاعتماد على الدعم العسكري الأفريقي الخارجي يسعى الصومال إلى تولي مسؤولية أمنه، وإنهاء مهام البعثة الأفريقية الحالية.
ويأتي ذلك بعد “المكاسب” الأمنية التي حققها الجيش الصومالي ضد حركة الشباب، وتحريره أكثر من 50 مدينة وقرية وبلدة جنوب ووسط البلاد من قبضة الحركة، إلى جانب استلام نحو 20 مركزا عسكريا من قوات “أتميس” خلال العامين الماضيين دون أن يؤثر انسحاب القوات في تغيير شيء على أرض الواقع.
وأضاف أويس حسن أن كل هذه “الإنجازات” تبرز قدرة الجيش الصومالي على مواجهة حركة الشباب، مما أكسب الحكومة ثقة المجتمع الدولي. لكن بسبب الخوف من تضييع هذه المكاسب التي تحققت على مدى هذه الأعوام، توصل الشركاء والداعمون لأمن الصومال إلى أهمية تشكيل بعثة أمنية جديدة بصلاحيات محددة، تتمثل في حماية المؤسسات الرئيسية ودعم الاستقرار، تمهيدًا لتسلم الصومال مهام أمن البلد بشكل كامل.
-
ما طبيعة ومهام البعثة الجديدة بالصومال؟
يقول الضابط المتقاعد شريف ربو -للجزيرة نت- إنه على الرغم من عدم الإعلان بعد عن كافة المعلومات المتعلقة بطبيعة عمل هذه البعثة الجديدة، إلا أنها تأتي كعملية دعم سلام ثالثة لتعزيز الأمن والاستقرار في الصومال، خلفا لـ”أتميس”.
وأضاف أنها تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز القدرات الأمنية الوطنية، تمهيدا لنقل المسؤولية الأمنية بشكل تدريجي إلى القوات المحلية، بدلاً من البعثة الحالية التي تهدف بشكل أساسي إلى تحجيم نفوذ حركة الشباب.
ويكشف ربو أن الحكومة ستستضيف في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل اجتماعا مع ممثلين في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، لبحث طبيعة عمل البعثة وتشكيلتها واحتياجاتها المالية، والتي تشير تقارير أنها ستتألف من 11 ألفا و146 عسكريًا، بالإضافة إلى 680 شرطيًا و85 موظفًا مدنيًا موزعين على 4 أقسام.
-
هل يستطيع الصومال إبعاد إثيوبيا عن المشاركة بالبعثة الجديدة؟
يقول المحلل السياسي في مركز الصومال للدراسات محمد عبده إن إمكانية إبعاد إثيوبيا عن قائمة الدول المساهمة في بعثة الصومال ليست بالأمر الهين، رغم تضمن معايير الاتحاد الأفريقي اشتراط موافقة الدولة المضيفة على الدول المشاركة. ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن مبررات الصومال لإبعاد إثيوبيا عن البعثة الجديدة في محلها، وخاصة فيما يتعلق بالسيادة ووحدة أراضيه.
لكن في ما يخص إثيوبيا التي ظلت عضوا نشطاً في قوات حفظ السلام بالصومال طيلة السنوات الماضية، فقد يتطلب الأمر من مقديشو تحركا دبلوماسياً كبيرا لإقناع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بموقفها تجاه إثيوبيا، وهو ما أكدته وزارة الخارجية بإعلان موقفها الرافض لمشاركة قوات إثيوبية في البعثة الجديدة.
-
ما فرص إثيوبيا بتأمين دورها في الصومال والمشاركة بالبعثة الجديدة؟
قال رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد إن القوات الإثيوبية أثبتت أنها مطلوبة للمشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية بسبب فعاليتها من حيث الإعداد والعدد، ونوعية التجارب المتنوعة والناجحة، وهو ما يجعل مشاركتها في الصومال أمرا مطلوبا لدى مجلس السلم والأمن الأفريقي.
وبحسب ياسين، فإن إثيوبيا لديها تجارب في الصومال جعلتها الأكثر دراية بطبيعة حفظ السلام فيه، من حيث خبرتها بالجوانب الأمنية والاستخبارية إزاء أكبر مهدد مثل “حركة الشباب”.
-
لماذا ترغب القاهرة بالمشاركة في البعثة الأفريقية الجديدة بالصومال؟
يرى الباحث في مركز الصومال للدراسات محمد عبده الشيخ أن مصر كان لديها وجود دبلوماسي وثقافي في منطقة القرن الأفريقي منذ عقود، ولكنها تريد حالياً أن تعززه بالمشاركة الأمنية في بعثة حفظ السلام المقررة نشرها بالصومال عام 2025، ولهذا قدمت هذا الاقتراح وحظي بالترحيب من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي.
ويضيف أن مصر كذلك ستتولى ملف الأمن بالاتحاد الأفريقي، وهذا ما يمكن أن يعزز دورها وفرص المشاركة في البعثة الأفريقية الجديدة بالصومال.
ويشير عبده الشيخ إلى أن العلاقات الصومالية المصرية جيدة، ووقع البلدان مؤخراً اتفاقية أمنية (14 أغسطس/أب الماضي) بالقاهرة، وهذا ربما سيعزز دور مصر الأمني بالقرن الأفريقي، ومشاركتها تهدف لدعم استقرار الصومال وتحقيق مصالح البلدين.