بعد وصفها جارتها الجنوبية بالكيان المعادي وتهديدها بالسحق بسلاح نووي تكون كوريا الشمالية قد صعّدت لهجتها تجاه سول، فهل تشعل حربا هذه المرة؟
سؤال ناقشته صحيفة “نيويورك تايمز” في تحليل لها بدأته بالحديث عن تكثيف بيونغ يانغ التهديدات النووية في حين ينشغل العالم بحروب أخرى، الأمر الذي دفع المراقبين إلى جدل عاجل بشأن دوافع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ كيم.
وأبرزت الصحيفة بعض ما قامت به كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة باتجاه التصعيد، مشيرة إلى أنها أطلقت مئات القذائف المدفعية على المياه القريبة من الجزر الحدودية الكورية الجنوبية في 5 يناير/كانون الثاني، وقالت الأسبوع الماضي إنها لم تعد تعتبر الجنوب مأهولا بـ”أبناء وطنها” بل “دولة معادية” ستخضعها من خلال سلاح نووي، وكشفت يوم الجمعة أنها اختبرت مسيّرة نووية تحت الماء للمساعدة في صد أساطيل البحرية الأميركية.
وقالت الصحيفة في تقرير للكاتب شوي سانغ هون إن قرع طبول التهديدات الجديدة في الوقت الذي تنشغل فيه واشنطن وحلفاؤها بالحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط جعل المسؤولين والمحللين الأجانب يتساءلون عما إذا كان كيم قد تجاوز المواقف ويخطط لتأكيد المزيد من القوة العسكرية.
قرار الحرب
وأوضح الكاتب أنه لعقود من الزمن كان الجزء الأساسي من قواعد اللعبة التي تمارسها كوريا الشمالية يتلخص في تنظيم استفزازات عسكرية مدروسة ومحددة التوقيت بعناية، بعضها يهدف إلى تشديد الانضباط الداخلي، والبعض الآخر إلى لفت انتباه جيرانها والولايات المتحدة أو كل ذلك في وقت واحد.
لكن بالنسبة للعديد من مراقبي شؤون كوريا الشمالية عن كثب فإن الجولة الأخيرة من الإشارات الصادرة عن كيم تبدو مختلفة، إذ يرى البعض أن هذا دليل على أن كوريا الشمالية أصيبت بخيبة أمل في السعي إلى التواصل الدبلوماسي مع الغرب، ويثير البعض احتمال أن البلاد قد تخطط لهجوم مفاجئ على كوريا الجنوبية.
ووفق الكاتب، فقد أطلق اثنان من المحللين المخضرمين لشؤون كوريا الشمالية -وهما المسؤول السابق في وزارة الخارجية روبرت إل كارلين والعالم النووي سيغفريد س. هيكر- ناقوس الخطر الأسبوع الماضي في مقال نشر على موقع 38 نورث ومقره الولايات المتحدة، مؤكدين أن كيم قد انتهى من مجرد إطلاق التهديدات، وكتبوا “اتخذ كيم جونغ أون قرارا إستراتيجيا بخوض الحرب”.
تغير قواعد اللعبة
ويتفق المحللون على نطاق واسع على أن كوريا الشمالية قامت بتغيير موقفها في السنوات الأخيرة مدفوعة بتراكم المشاكل الداخلية، بما في ذلك الاقتصاد المحتضر ونقص الغذاء والنفط، والإحباطات في دبلوماسيتها الخارجية، مثل فشل كيم في التوصل إلى حل نهائي للعقوبات الدولية من خلال الدبلوماسية المباشرة مع الرئيس دونالد ترامب.
ويرى أغلبهم أن التقارب الأخير بين كوريا الشمالية وروسيا -بما في ذلك توفير قذائف المدفعية والصواريخ لاستخدامها في الحرب الروسية في أوكرانيا- سوف يغير قواعد اللعبة على نحو ما.
وأوضح الكاتب أنه لا يزال هناك خلاف صارخ بشأن الاتجاه الذي قد يقود إليه نهج كيم الجديد، إذ يقول كثيرون إن هدفه النهائي لا يظل شن حرب مع كوريا الجنوبية الحليفة للولايات المتحدة، بل قبول واشنطن بلاده باعتبارها قوة نووية من خلال تحفيز محادثات الحد من الأسلحة.
ونقل الكاتب عن بارك وون جون خبير شؤون كوريا الشمالية في جامعة أيوا النسائية في سول قوله “إن الكوريين الشماليين لن يبدؤوا الحرب إلا إذا قرروا أن يصبحوا انتحاريين، فهم يعرفون جيدا أنهم لا يستطيعون الانتصار في الحرب، لكنهم يحبون أن يعتقد أعداؤهم أنهم قادرون على ذلك، لأن ذلك قد يؤدي إلى التواصل والتنازلات المحتملة، مثل تخفيف العقوبات”.
ولفت الكاتب إلى أن المحللين في الصين الحليفة الأكثر أهمية لكوريا الشمالية كانوا متشككين بشدة في أن كيم سيذهب إلى الحرب ما لم تتعرض كوريا الشمالية لهجوم، إذ أكد البروفيسور شي ينهونغ من جامعة رنمين في بكين أن قيادة كوريا الشمالية لم تكن غير عقلانية، وتصرفت في نهاية المطاف من منطلق الحفاظ على الذات، وأن بدء الحرب من شأنه أن يعمل ضد هذا الهدف.
وأشار آخرون إلى أن كوريا الشمالية يمكن أن تؤكد نفسها عسكريا -بما في ذلك من خلال ضربات تقليدية أصغر واختبار أسلحة أكثر جرأة- دون التسبب بالضرورة في رد فعل مميت.
ويقول فيكتور تشا الخبير الكوري في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومقره واشنطن “هناك العديد من درجات سلّم التصعيد التي يمكن لكوريا الشمالية أن تتسلقها دون حرب شاملة، فكيم ليس واثقا من قدراته على ردع رد الفعل الأميركي إذا قام بشيء متهور”.
وأكد الكاتب أنه إذا كان كيم يريد تسلق هذا السلّم فإن التاريخ الحديث يشير إلى أن هذا ربما هو الوقت المناسب، حيث كانت كوريا الشمالية تعشق زعزعة استقرار أعدائها في لحظاتهم السياسية الأكثر حساسية، فمن المقرر أن تعقد كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية انتخابات هذا العام، وهذه فرصة سانحة لبيونغ يانغ كما أثبتت ذلك في السابق.
ونسب الكاتب إلى المحلل كو جاي هونغ من معهد إستراتيجية الأمن القومي -ومقره سول- قوله إن كوريا الشمالية قد تحاول أيضا القيام باستفزازات في الأسابيع المقبلة، لمحاولة مساعدة الليبراليين الذين يفضلون المفاوضات بين الكوريتين على الفوز بالانتخابات البرلمانية في كوريا الجنوبية في أبريل/نيسان.
وأضاف أن “كوريا الشمالية تأمل من خلال الاستفزازات في نشر المخاوف بين الناخبين الكوريين الجنوبيين من أن الضغط المتزايد على الشمال -كما حاولت الإدارة الحالية للرئيس يون سوك يول أن تفعل- قد “يؤدي إلى حرب نووية”.
علاقات مع موسكو وبكين
وبحسب الكاتب، فمنذ ذلك الحين رفضت كوريا الشمالية الدعوات المتكررة من واشنطن لإجراء محادثات، كما رفضت اعتبار كوريا الجنوبية شريكة في الحوار، مشيرة منذ العام 2022 إلى أنها ستستخدم الأسلحة النووية ضد سول في الحرب.
وعلى الجبهة الدبلوماسية، بذل كيم قصارى جهده للتأكيد على أنه لم يعد ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها شريكة تفاوضية بالغة الأهمية.
ويقول المسؤولون إنه قام بتحسين العلاقات العسكرية مع روسيا بقوة، وفي المقابل حصل على الأرجح على وعود روسية بتقديم مساعدات غذائية ومساعدة تكنولوجية لبرامج أسلحته.
وقال كوه يو هوان الرئيس السابق للمعهد الكوري للتوحيد الوطني في سول “أخشى أن تؤدي ثقته بنفسه إلى إساءة الحكم بفعل صغير، بغض النظر عن نيته، والتصعيد إلى الحرب وسط مواجهة متوترة مع الولايات المتحدة وحلفائها”.
وعن موقف الصين، ذكر الكاتب أنها قد تمارس ضغطها على كيم لتثبيط حماس كوريا الشمالية في شن مغامرة عسكرية، خصوصا أن بكين وبيونغ يانغ لديهما معاهدة موقعة عام 1961 تلزم كل دولة بتقديم مساعدة عسكرية إذا تعرضت الدولة الأخرى لهجوم، لكن الصين ليس لديها حافز يذكر للانجرار إلى حرب في كوريا في الوقت الحالي.
فالحرب في شبه الجزيرة الكورية ستكون كارثية بالنسبة لبكين، إذ يقول جون ديلوري أستاذ الدراسات الصينية في جامعة يونسي في سول -في إشارة إلى جمهورية الصين الشعبية- “إن نصف قرن كامل من السلام في شرق آسيا -وهي فترة من النمو غير المسبوق لجمهورية الصين الشعبية- ستتوقف بشكل مفاجئ”.
واختتمت المجلة تقريريها بأن الولايات المتحدة تعتمد منذ فترة طويلة على بكين لكبح جماح كوريا الشمالية.