هل يؤدي تقييد الهجرة إلى روسيا لتعزيز الأمن بعد هجوم كروكوس؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

موسكو- لم تمر أيام على الهجوم الذي تعرض له مجمع “كروكوس” الواقع على أطراف العاصمة موسكو حتى بدأت الأصوات تعلو داخل مجلس الدوما (البرلمان) لإعادة النظر في قانون الهجرة وإدخال تعديلات عليه تؤدي إلى تشديده.

وأعلن رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، تشكيل مجموعة عمل لتحليل التشريعات في مجالات الأمن وسياسة الهجرة. أما النائب عن القرم، ميخائيل شيريميت، فاقترح الحد من دخول المهاجرين طالما بقيت الحرب مع أوكرانيا متواصلة.

واستندت هذه التوجهات إلى حقيقة أن جميع من تم إلقاء القبض عليهم بتهمة الهجوم على “كروكوس” مهاجرون من جمهوريات آسيا الوسطى ولا سيما طاجيكستان.

وسهلت روسيا -السنوات الأخيرة- من شروط الهجرة والحصول على الجنسية، مما مهد لدخول أعداد كبيرة من مواطني بلدان آسيا الوسطى التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة وتدن كبير في الأجور.

وبحسب إحصائيات الداخلية، دخل البلاد بالنصف الأول من عام 2023 نحو 3.5 ملايين شخص للعمل. وعلى سبيل المقارنة، خلال نفس الفترة من عام 2022، وصل إلى روسيا حوالي 5.8 ملايين أجنبي، مما يشير إلى انخفاض تدفق المهاجرين بنسبة 40%.

أحد المتهمين بالتورط في هجوم كروكوس في موسكو داخل قاعة المحكمة (رويترز)

آثار سلبية

والتدفق الرئيسي للأجانب إلى روسيا بهدف البحث عن عمل، يأتي من أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وأرمينيا وكازاخستان، مقابل تراجع كبير في عدد المهاجرين من أوكرانيا ومولدوفا وتوجههم نحو الغرب.

وفي خريف العام الماضي، تلقى موضوع الهجرة آثارا سلبية على ضوء الجرائم التي ارتكبها مهاجرون ضد مواطنين روس، وغطتها وسائل الإعلام المحلية على نطاق واسع.

ومن الأمثلة على ذلك العراك الذي أثار ضجة في حينه عندما قامت مجموعة من المهاجرين بسلوكيات قالت السلطات الروسية إنها كانت استفزازية ضد ضباط الشرطة، وذلك في الساحة الحمراء بموسكو.

وتعترف وزارة الداخلية بتزايد معدلات الجريمة التي يقف وراءها مهاجرون، والذين يصل العدد الأكبر منهم إلى موسكو وسانت بطرسبرغ وكراسنودار وإيركوتسك وغيرها. وفي أغلب الأحيان، يتم توظيفهم للعمل في قطاعات البناء والنقل وخدمات التوصيل.

بيد أن الهجوم الدموي على كروكوس طرح ملف المهاجرين على طاولة البحث، لا سيما مع دخول العنصر الأمني عليه، فضلًا عن أبعاده الاقتصادية والديموغرافية والثقافية.

وبحسب مدير مركز التنبؤات السياسية، دينيس كركودينوف، فإن الأجانب الذين يعبرون الحدود الروسية “يصبحون تلقائيًا موضع اهتمام أجهزة مخابرات وقوى خارجية لاستخدامهم في شن هجمات إرهابية لزعزعة استقرار الأوضاع”.

تداعيات اقتصادية

ويوضح -في تعليق للجزيرة نت- بأنه حتى الأجانب الذين يأتون بنوايا حسنة يمكن استخدامهم دون علمهم لإيذاء الشعب الروسي. وعليه، لا بد من اتخاذ تدابير توضح للرأي العام أن الدولة لا تتهاون مع المسائل التي يمكن أن تشكل خطرًا على حياة الناس، لا سيما أن الحادث الأخير رفع من منسوب النظرة السلبية داخل المجتمع تجاه المهاجرين.

ويتوقع المتحدث أن تشمل الإجراءات الجديدة تقييد دخول المهاجرين إلى روسيا، والترحيل بسبب “أدنى مخالفة” وإدخال التحكم والمراقبة الرقمية، مستدركًا بأن ضمان أمن البلاد يجب ألا يحدث هزة في الاقتصاد.

وعلى الرغم من أن أعداد المهاجرين إلى روسيا ارتفعت بشكل كبير مقارنة بفترة القيود الوبائية، إلا أنه لم تعد إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد.

إضافة لذلك، لا توجد تقديرات موحدة حول حجم المهاجرين في سوق العمل الروسي. فبيانات وزارة الداخلية حول عدد عقود العمل مع الأجانب تشير إلى نحو 3 ملايين لعام 2023. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد القوى العاملة في روسيا ككل يقارب 75 مليون شخص، فستكون حصة الأجانب منها أقل من 7%.

ورغم أنه من المستحيل الحديث عن اعتماد الاقتصاد الروسي على المهاجرين، لكن هناك حاجة إليهم، وفق ما يقول الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون، الذي يحذر من أن منع دخول مهاجرين جدد إلى البلاد، أو تقليص الموجودين فعليًا، قد يؤدي إلى ارتدادات سلبية على الاقتصاد.

ويشير كذلك إلى غياب عامل المنافسة من قبل المهاجرين للعمالة المحلية بسبب انخفاض معدلات البطالة، فضلًا عن محدودية القطاعات التي عادة ما يعمل فيها المهاجرون من آسيا الوسطى وتكاد تنحصر في المهن البسيطة ومتدنية الدخل.

المهاجرون في روسيا يعملون غالبا بالمهن البسيطة متدنية الدخل (رويترز)

امتصاص غضب

وبرأي لاشون، فإن الدولة في كافة الأحوال معنية في ظل الأجواء الحالية بإظهار نوع من التحرك أمام موجة الغضب داخل المجتمع بعد أحداث “كروكوس”، وفي نفس الوقت أمام ارتفاع معدلات الإجرام المتزايد للمهاجرين، وعودة موضوع جدوى العمالة الأجنبية إلى دائرة الضوء.

وأشار إلى أن التقييمات الأكاديمية تؤكد أن النسبة الأكبر من المهاجرين من ذوي المهارات المنخفضة الذين لا يعرفون الروسية جيدًا، وليس لديهم الدافع للاندماج الثقافي مع المجتمع الروسي.

إضافة لذلك، يعتبر المتحدث أن أية إجراءات ذات طابع أمني من غير المتوقع أن تحد من الهجمات الإرهابية، لأنها حدثت في السابق عندما لم تكن الهجرة إلى روسيا تشكل ظاهرة ملحوظة كما هو الحال الآن.

ويتابع بأن اتجاهات الحركة الطبيعية لسكان روسيا وبنيتها العمرية قد تحول العامل الديموغرافي إلى مشكلة خطيرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.

وحسب رأيه، فإن الهجرة إلى روسيا لم تعوض الفراغ الذي سببته الهجرة الجماعية من هذا البلد والتي شملت إلى حد كبير أشخاصا ذوي مستوى عالٍ من التعليم، غادروا روسيا بسبب التعبئة العسكرية أو عدم القدرة على العمل بسبب العقوبات أو انتقال الشركات الدولية والأجنبية إلى بلدان أخرى مع موظفيها الروس، والتي تشير تقديرات إلى أن عددهم يصل إلى مليون شخص.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *