هل تهدد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر مصير الاتفاق اليمني؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

صنعاء- بعد ثمان سنوات من حرب طاحنة أخذت أبعادا محلية وإقليمية، يبدو أن اليمن بات قاب قوسين من انفراج حقيقي باتفاق سلام، بعد جولات طويلة من التفاوض المعلنة وغير المعلنة بين السعودية وجماعة الحوثيين.

وقال مصدر في الحكومة اليمنية -أوصى بعدم ذكر اسمه- للجزيرة نت، إن الاتفاق جرى بين السعودية والحوثيين، في حين استُبعدت القوى السياسية في الحكومة من التفاوض حول بنوده، وإن المسودة الأولية أُحيلت إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ ليُضفى عليها الصبغة الأممية.

وقال غروندبرغ، السبت الماضي، إن “الحكومة اليمنية والحوثيين التزما باتخاذ خطوات نحو وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، والانخراط في الاستعدادات لاستئناف عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة”.

وتشمل تلك الخطوات دفع رواتب موظفي القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة.

مرحلة جديدة

يُحكِم الحوثيون قبضتهم على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية والغربية لليمن منذ سبتمبر/أيلول 2014، وقادت الرياض -بعد 6 أشهر- تحالفا عسكريا من 10 دول ضدهم، بهدف إعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى صنعاء.

وأسفرت جولات الحرب -منذ ذلك الحين- عن سيطرة حكومية على المحافظات الجنوبية والشرقية، غير أن التنافس بين القوى السياسية والعسكرية التي تشكّل الحكومة أضر بها كثيرا، لتبدو منقسمة وبلا قرار قوي.

وخاضت الحكومة اليمنية والحوثيون آخر مفاوضات سلام نهاية 2018 في العاصمة السويدية ستوكهولم، وكانت تلك الجولة استكمالا لجولات مماثلة عُقدت في الكويت في 2016.

غير أن طول أمد الحرب التي ظلت تراوح خطوط الاشتباك، دفع السعودية للذهاب إلى تفاوض مباشر مع الحوثيين، ووصل السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء، في أبريل/نيسان الماضي، كما هبط وفد الحوثيين في الرياض منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.

ووفق المصدر الحكومي الذي تحدث للجزيرة نت، فإن الاتفاق المُعلن لم يكن مبنيا على المفاوضات السابقة التي استندت فيها الحكومة اليمنية إلى المرجعيات الثلاث كأساس لأي حل في اليمن؛ وهي:

  • المبادرة الخليجية التي وقعتها الأطراف اليمنية في 2011.
  • مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في صنعاء (2013-2014).
  • قرار مجلس الأمن 2216، الذي طالب الحوثيين بوقف العنف وسحب قواتهم من المدن والعاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من مؤسسات الدولة.

ولطالما رفض الحوثيون هذه المرجعيات، وحسب تصريحات سابقة لقادة الجماعة، فإن المرجعيات باتت من الماضي، وأي مقترح للحل لا بد أن يعمل على إنهاء عمليات التحالف، ودفع رواتب الموظفين، وفتح مطار صنعاء.

اتفاق بين السعودية والحوثيين

وكان قادة الأحزاب السياسية الرئيسة الموالون للحكومة اليمنية، قالوا في ندوة عُقدت مؤخرا، إن الاتفاق جرى بين السعودية والحوثيين ولم يُناقش مع الحكومة أو القوى السياسية.

وأبدى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والمشارك بالحكومة، الذي يسيطر على العاصمة المؤقتة عدن وعدد من محافظات الجنوب، تحفظا ضمنيا على الاتفاق، وربط ترحيبه “باستكمال المشاورات مع جميع الأطراف الفاعلة لضمان تحقيق عملية سياسية شاملة وناجحة”، في إشارة إلى استبعاده من جولات التفاوض التي توصلت للاتفاق.

وخلال المفاوضات، حاول الحوثيون استغلال اندفاع السعودية ليرفعوا سقف طموحاتهم، وطالبوا بتوقيع الاتفاق مع الرياض التي رفضت ذلك تماما، لتؤكد أن دورها هو وسيط وليس طرفا، لتخفق مساعي الحوثيين في الحصول على اعتراف ضمني من السعودية.

ووفق مصدر خاص، فإن السعودية أصرّت أن يُوقِّع الاتفاق بين الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي ممثل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وهو ما أعلنه المبعوث الأممي.

تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر

وحسب مصادر خاصة للجزيرة نت، فإن توقيع الاتفاق كان مقررا له في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، غير أن تداعيات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة تسببت بتأجيله، وأن الولايات المتحدة قد تكون ضغطت لتأجيل الاتفاق حتى يتم التعامل مع هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وباب المندب.

وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن؛ تيموثي ليندركينغ، قال خلال مشاركته في حلقة نقاشية نظمها مركز بحثي يمني، الأربعاء الماضي، إن التصعيد الأخير من الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب، ليس في صالح تحقيق السلام في اليمن.

وبعد 3 أيام من إعلان الاتفاق، لم تبدِ الولايات المتحدة موقفا، رغم أن ملف إنهاء الحرب في اليمن كان من أولويات إدارة الرئيس بايدن، الذي عيّن مبعوثا خاصا لواشنطن إلى اليمن فور وصوله للبيت الأبيض، في مؤشر إلى أن تركيزها ينصب حاليا على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

وفي المقابل، لم تعلن الجماعة أي موقف من الاتفاق، وحاول موقع الجزيرة نت التواصل مرارا بالمتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام دون جدوى، ويبدو أنها تسعى حاليا للتعامل مع الموقف بعد تشكيل الولايات المتحدة قوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، الذي بات مهددا بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وتقول الجماعة، إنها تستهدف السفن الإسرائيلية، أو المتجهة إلى إسرائيل.

ويظهر أن الاتفاق المُعلن على المحكّ، في حال قررت الولايات المتحدة شن هجوم على مواقع حيوية للحوثيين ردا على الهجمات المستمرة في البحر الأحمر، ويقول الباحث السياسي اليمني مصطفى الجبزي، للجزيرة نت، إن عرقلة الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر يستدعي إعادة التفكير في عقد سلام معهم.

 

الخروج من المستنقع اليمني

حمل إعلان التوصل لاتفاق آمالا كبيرة لليمنيين، وقال علاء جميل -وهو شاب يملك متجرا صغيرا للملابس وسط العاصمة صنعاء-، “إنها لحظة طال انتظارها”، ممنيا نفسه بأن يتحسن الوضع للأفضل.

ويضيف للجزيرة نت “الناس تعبوا جدا، كل تفكيرهم حاليا في الوجبة التالية، صرنا نغلق المحل عند السابعة مساء بدلا من العاشرة؛ بسبب توقف البيع والشراء، لكن نأمل أن تُصرف الرواتب للموظفين بعد الاتفاق وتعود الحياة من جديد”.

كما رحبت الحكومة اليمنية والسعودية وقطر والإمارات وسلطنة عمان والكويت والأردن والعراق ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي بالإعلان، الذي قد ينهي حربا تسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية بالعالم.

ورغم حالة التفاؤل، فإن يمنيين يرون أن الاتفاق قد ينهي البعد الإقليمي للحرب في اليمن، بينما ستبقى الحرب مستعرة في الداخل بين الأطراف والقوى اليمنية، أي أن ما حدث لا يعدو أن يكون صفقة سياسية أكثر مما هو اتفاق سلام.

ويقول الباحث السياسي مصطفى الجبزي، إن “الالتزامات المعلنة لا ترقى إلى مستوى الاتفاق، بل هي حصيلة مشاورات مكوكية تفرضها حاجة دول الإقليم للخروج من المستنقع اليمني، وتثبيت الوئام السعودي الإيراني وتعظيم مكاسبه”، وأضاف للجزيرة نت، أن “ذلك يأتي من حاجة القوى اليمنية إلى إعادة بناء صفوفها استعدادا لمعركة قادمة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *