بيروت- مع اقتراب مرور عام على الشغور الرئاسي في لبنان، قد يحمل شهر سبتمبر/أيلول الجاري تطورات تكسر رتابة الاستعصاء الذي انتهت إليه آخر جلسة انتخاب برلمانية في 14 يونيو/حزيران الماضي، وهي التي ترجمت عجز أي فريق عن انتخاب أحد المرشحين، زعيم تيار المردة سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي حزب الله وحركة أمل، والوزير السابق والمسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور الذي تقاطعت عنده الأحزاب المسيحية الكبرى وقوى المعارضة.
لكن تطورات سبتمبر/أيلول، قد تفتح الباب أمام خيار ثالث عبر مسارين، الأول داخلي، بإطلاق رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة لحوار لسبعة أيام تعقبه جلسات برلمانية متتالية لانتخاب رئيس، ورحبت به معظم القوى السياسية كحزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائهما، فيما رفضه حزبا القوات اللبنانية والكتائب مع بعض قوى المعارضة.
وأعلن البطريرك الماروني بشارة الراعي تأييده عقد حوار “دون أحكام مسبقة وإرادة فرض الأفكار على الآخرين”.
ويتعلق المسار الثاني بترقب الزيارة الثالثة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت، الذي دعا القوى السياسية للحوار بعدما كلفه الرئيس إيمانويل ماكرون في 7 يونيو/حزيران الماضي بالبحث عن حل “توافقي وفعّال” لأزمة الشغور.
خلفيات الدعوة
وتتحدث معطيات عديدة عن تراجع الدور الفرنسي بعد إخفاق باريس منذ تفجير مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 عن حجز مقعد أمامي لها بلبنان، وآخرها فشل المقايضة التي طرحتها لانتخاب فرنجية رئيسا مدعوما من الثنائي الشيعي، إضافة إلى ترقب موقف أطراف اللجنة الخماسية حول لبنان (السعودية، مصر، قطر، أمريكا وفرنسا) من المباحثات الجارية، وسط أجواء توحي باختلاف وجهات النظر بمقاربة الملف الرئاسي.
ويرى النائب بكتلة بري البرلمانية محمد خواجة للجزيرة نت أن مبادرة بري “تهدف لخرق الأفق المسدود بالبرلمان” وأن عناصرها “بسيطة”.
وأفاد أنه “سيكشف تفاصيل آلياتها لاحقا، حيث وجد جسرا بين فريقين “الأول يريد انتخاب الرئيس قبل الحوار، والثاني يريد الحوار قبل انتخابه، لذا عمل بري على دمج الشرطين بالدعوة إلى حوار ببند واحد وملزم بجدول زمني لانتخاب رئيس”.
وأبدى خواجه تفاؤلا مبدئيا بالردود الأولية مؤكدا أن “بديل الحوار هو استمرار الشغور لما لا نهاية وأن طرح الحوار لا يعني تخلي الثنائي الشيعي عن ترشيح فرنجية، بل محاولة باتجاه مقاربة جديدة للملف، وإذا توفرت أغلبية مؤيدة، سيذهب بري للحوار حتى لو بقي حزب القوات وحلفاؤه رافضين له”.
تباين مسيحي
ويعد حزب القوات برئاسة سمير جعجع أبرز الرافضين للحوار، وتحدث كثيرون عن تباين بين موقف البطريرك كمرجعية مسيحية وبين القوات.
ويُرجع رئيس جهاز الإعلام والتواصل بحزب القوات شارل جبور رفضهم للحوار إلى “خلفية دستورية لأن انتخاب الرئيس يحصل حصرا بعملية التصويت الديمقراطي بالبرلمان”.
ويقول للجزيرة نت “يحاول فريق الممانعة تكريس أعراف جديدة لفرض إرادتهم ومرشحهم”، وهو ما أوضحه بيان القوات من أن “الممانعة التي انتزعت الثلث المعطِل خلافا للدستور، تسعى لتكريس الميثاقية المذهبية بدل الميثاقية الوطنية المسيحية – الإسلامية”.
ويؤكد جبور “أن التجربة مع الفريق الذي أوصل لبنان للعزلة مكشوفة، وكذلك البطريرك المؤيد للحوار كقيمة إنسانية، لا يقبل بالانقلاب على المؤسسات الدستورية”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن القوات أبلغت المبعوث الفرنسي رفضها للحوار قائلا “سبق أن دعمنا ترشيح النائب ميشال معوض كمرشح للمعارضة، ثم تقاطعنا على ترشيح أزعور الذي لم يسمح الثنائي الشيعي بانتخابه”.
وبعدما بلغت علاقة حزب الله مع حليفه المسيحي التيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل) مرحلة حرجة أوحت بقرب الافتراق نتيجة دعم حزب الله لترشيح فرنجية، كان لافتا تأييد باسيل لدعوة بري رغم خصومته الشديدة معه. وأعلن المجلس السياسي لتياره استعداده الإيجابي لحوار يتوصل لانتخاب رئيس.
ويوضح النائب البرلماني في التيار سيزار أبو خليل -للجزيرة نت- أن موقفهم نبع من مبدأ تحديد نطاق الحوار زمنيا ومكانيا للبحث بمواصفات واسم الرئيس، لتليه جلسات انتخاب فورا.
ويقول “رغم دعمنا لترشيح أزعور، لا أحد يستطيع حسم المعركة لصالحه”، ويؤكد أن تياره ذاهب للحوار دون السماح بفرض أحد لخياره وأن الحوار بين التيار وحزب الله مستمر باتجاهين: البحث عن اسم ثالث للرئاسة يقبل به الحزب والمعارضة مقابل البحث بالقوانين الإصلاحية، وعلى رأسها مشروعات اللامركزية الإدارية والصندوق الائتماني وبرنامج العهد المقبل.
ويرى أبو خليل أن موقف القوات “لا يستند لمنطق سياسي، متسائلا عن “مدى رغبتها في انتخاب رئيس أم هناك أجندة مخفية؟”.
خلفيات وسيناريوهات
وبشأن السياق السياسي لمبادرة بري، يشير الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب إلى تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري في عام 2005، ويوضح “حينها صار لبنان بخضم أزمة وطنية مفتوحة، فاعتاد بري من موقعه إطلاق ديناميات تقطيع الوقت بانتظار حل داخلي أم خارجي، بدليل عشرات المبادرات بدءا من حوار 2006 حتى حوار 2023”.
ويقول -للجزيرة نت- إن مبادرة بري لن تصل لنتيجة “وحتما لا أوهام لدى بري ببلوغ خواتيم إيجابية رغم قوله بأنها المبادرة الأخيرة، كما لا تعني سقوط معادلة أزعور فرنجية”.
وبرأي أيوب، فإن ورقة أزعور “سقطت عند ترشيحه بآخر جلسة، كما يقف لبنان الآن أمام معادلة يتيمة بالكواليس هي: فرنجية ـ جوزف عون (قائد الجيش)، وقد تبقى قائمة لحين تقاعد عون في 10 يناير/كانون الثاني المقبل، لترتسم بعدها معادلة جديدة”.
ويدعو المحلل السياسي للتدقيق في مبادرة بري “لأنها حمالة أوجه والتباسات بالدعوة لجلسات برلمانية مفتوحة مقابل ربطها بحوار لسبعة أيام بحضور رؤساء وممثلي الكتل”. ويعتبر “أن بري لن يستطيع إقناع باسيل بفرنجية، كما لن يستطيع باسيل ولا وليد جنبلاط اقناع الثنائي الشيعي بأزعور”.
فهل يمهد الحوار لفكرة المرشح الثالث وعقد جلسات مفتوحة، لمفاجآت؟
يجيب حسين أيوب “لن يتراجع بري عن سقف الثلثين كنصاب دستوري لانعقاد جلسة، وقد يذهب نحو خيار الجلسات شبه اليومية المكثفة حتى تبرأ ذمته أمام المعنيين داخليا، وتحديدا البطريرك الداعم للحوار، وأمام المجتمع الدولي الذي يضغط لانتخاب رئيس بأسرع وقت”.
ويعتبر أن دعوتي الحوارين الفرنسي واللبناني تكملان بعضهما “لأن بري الأكثر تواصلا لبنانيا مع الفرنسيين راهنا، وأبدى استعداده لتسهيل مبادرتهم مشترطا أن يحضر الحوار ممثلا بمعاونه السياسي لأنه يصبح طرفا بترشيحه فرنجية”.
ويرجح أيوب ألا تفضي مبادرتا بري والفرنسيين لنتيجة قريبا وسط مناخ إقليمي وداخلي متوتر، و”أن يراوح لبنان مكانه حتى تنجلي مناخات الإقليم وتتبلور إرادة دولية ولبنانية موحدة تفضي لانتخاب الرئيس”. ويؤكد “لا الدينامية اللبنانية وحدها قادرة ولا الخارجية، بل المطلوب تكامل الاثنتين وهذا غير متوفر حتى الآن”.