واشنطن- تزامنا مع العدوان على قطاع غزة، تحولت الجامعات الأميركية لساحة ساخنة للتنافس بين الطلاب المناصرين للجانب الفلسطيني والمؤيدين لإسرائيل، في الوقت الذي يتعرض فيه مبدأ “حرية التعبير عن الرأي” المضمونة بموجب التعديل الدستوري الأول لاختبار عسير.
وأصبحت مشاهد المواجهات في الجامعات مألوفة بشكل متزايد، إذ يتنافس الطلاب تبعا لتداعيات استمرار الحرب وارتفاع أعداد ضحايا القصف الإسرائيلي داخل قطاع غزة.
ودخل أعضاء هيئات التدريس والمانحون والمتبرعون للمؤسسات التعليمية على خط المواجهات، وتلقت الجامعات خلال الأسابيع الأخيرة آلاف الرسائل والبيانات والعرائض التي تطالبها بالتنديد أو التحدث أو التزام الصمت، ردا على احتجاجات الحرم الجامعي على خلفية عملية طوفان الأقصى والعدوان على قطاع غزة.
وانتقدت جماعات مناصرة يهودية وحفنة من أعضاء هيئة التدريس إدارات الجامعات “لفشلها” في حماية الطلاب مما وصفت بالحوادث “المعادية للسامية”، وسرعان ما دانوا الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين.
ودعا آخرون الإداريين إلى حماية الجماعات الطلابية المسلمة والفلسطينية والمؤيدة للفلسطينيين من أي مضايقات. وقال المدافعون عن حرية التعبير إن “المسؤولين يجب ألا يقولوا أي شيء إطلاقا، كجزء من مسؤوليتهم عن حماية حق التعديل الدستوري الأول للجميع”.
تغيرات في تركيبة الطلاب
رغم أن الأميركيين يحملون مشاعر إيجابية تجاه الإسرائيليين أكثر من مثيلاتها تجاه الفلسطينيين، فإن أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى زيادة كبيرة في نسب تعاطف الشباب الأميركي مع الفلسطينيين في الصراع الأخير، خاصة الفئة العمرية بين (18 و29 عاما)، إذ ينظر 61% منهم بإيجابية إلى الفلسطينيين، في حين تبلغ النسبة تجاه الإسرائيليين 56%.
ويدفع الجيل الجديد من الأميركيين العرب -الذي يشارك بصورة واضحة في الحراك الطلابي- إلى تسرب خطاب نقدي جديد وقوي يفند مقولات حتمية التحالف الأميركي والدعم الكامل غير المشروط لإسرائيل.
ولم تعد شعارات “حق إسرائيل في الوجود”، و”الدفاع عن النفس”، و”معاداة السامية” تسيطر على المشهد الجامعي الأميركي، لكن ظهرت في هذا العدوان كلمات وعبارات جديدة يفهمها الأميركيون، مثل “قتل المدنيين دون تمييز”، و”نظام الأبارتهايد”، و”التطهير العرقي”.
أعضاء من الهيئة التدريسية ومجموعات طلابية في جامعة هارفارد يواصلون الاحتجاج تنديدا بالمجازر الإسرائيلية في قطاع غزة. pic.twitter.com/jhTABstNvE
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) October 22, 2023
ضغوط على الجامعات
من جهتها، وجّهت “رابطة مكافحة التشهير” -التي تُعد من أعرق المؤسسات اليهودية، وتأسست عام 1913 لمواجهة “العداء للسامية” قبل الانتقال لدعم إسرائيل بعد إنشائها- قبل أسبوع رسالة إلى ما يقرب من 200 رئيس جامعة يحثونهم فيها على التحقيق في انتهاك الجماعة الطلابية المعروفة باسم “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” المحتمل للقوانين الفدرالية وقوانين الولايات المعنية بتقديم الدعم المادي لـ”الإرهاب”.
ولم تقدم الرابطة دليلا إلا ما هو موجود على موقع الجماعة الطلابية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنادي فيها بضرورة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ولاية فلوريدا، وبتوجيه من حاكمها رون ديسانتيس المرشح لانتخابات الرئاسة، أمرت الولاية الجامعات الحكومية بإغلاق تصاريح أي أنشطة لجماعة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” بالحرم الجامعي. واتهم ديسانتيس الجماعة، وقال إن “هذا دعم مادي للإرهاب، ولن يتسامح معه في ولاية فلوريدا، وينبغي عدم التسامح معه في كل أنحاء الولايات المتحدة الأميركية”.
وكان رد “الاتحاد الأميركي للحريات المدنية” حثّ الجامعات على رفض أمر حاكم فلوريدا وطلب “رابطة مكافحة التشهير”، وقال إن هذه المطالب “تقشعر لها الأبدان، لا يمكن تقييد المسموح به لحرية التعبير وتكوين الجمعيات في الحرم الجامعي”.
وكتب الاتحاد قائلا “لا يمكن لكلية أو جامعة، سواء كانت عامة أو خاصة، أن تفي بمهمتها كمنتدى للنقاش القوي إذا بدأ مسؤولوها تحقيقات لا أساس لها مع أولئك الذين يعبرون عن آراء غير مرغوب فيها أو حتى بغيضة”.
إلا أن بعض الجامعات، ومنها جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وجامعة برانديز بالقرب من مدينة بوسطن، أعلنت حظر أنشطة حركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” داخل حرمها الجامعي.
كما بادر عدد من كبار المتبرعين الماليين للجامعات بتهدديها إذا لم تتخذ مواقف حاسمة ضد الأنشطة المناصرة للفلسطينيين. وفي بعض الحالات، هدد آخرون بعقاب النشطاء من الطلاب وعدم توظيفهم في شركاتهم.
وعلى سبيل المثال، طالب الملياردير بيل أكمان الرئيس التنفيذي لأحد الصناديق، وعديد من مسؤولي الأعمال الآخرين جامعة هارفارد بنشر أسماء الطلاب الموقعين على عريضة تدين إسرائيل، حتى يعرفوهم وحتى لا يوظفوهم في المستقبل.
ردود أفعال غير متوقعة
ودفع قرار جامعة كولومبيا بحظر جماعة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” إلى خروج ما يقرب من 200 من أعضاء هيئة التدريس بها للاحتجاج على قرار تعليق عمل مجموعة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، وقرأ الأساتذة بيانات لدعم الجماعة وأعضائها، بحضور مئات الطلاب.
وخاطبت أستاذة التاريخ البروفيسورة بريميلا ناداسين إدارة الجامعة، وقالت “أين شجاعتكم؟ نحن هنا لنقول للطلاب: يمكنهم تعليق منظمة، لكن لا يمكنهم تعليق الحركة”.
من ناحية أخرى، يرى الكثير من الخبراء القانونيين أنه ليس من شأن الجامعات، سواء الخاصة أو الحكومية، التعليق على آراء أعضاء هيئة التدريس، أو إخبار الطلاب بما يمكنهم وما لا يمكنهم قوله في أثناء الاحتجاجات الطلابية طالما لا تتضمن الدعوة أو التحريض على أعمال عنف.
ويقول آخرون إن أحداثا مثل الحرب بين إسرائيل وحماس تتطلب منهم اتخاذ موقف يدعم الطلاب، ويساعدهم على الشعور بالأمان في الحرم الجامعي.
من جهتها، قالت راديكا سيناث، محامية الحقوق المدنية والخبيرة بمركز “الحريات الدستورية”، إن “ما تقوم به رابطة مكافحة التشهير هو دعوة إلى الانتهاك الجماعي لحقوق الطلاب بطريقة تذكرنا ببيئة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، ولكن مع لمسة فلسطينية واضحة”، في إشارة إلى طلب المنظمة التذرع بقانون “الإرهاب” لردع وتخويف الطلاب الفلسطينيين والمسلمين.
وتتوقع الخبيرة القانونية أنه إذا اتبعت الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات مطالب رابطة مكافحة التشهير، فإن النشطاء الفلسطينيين سيتعرضون لمزيد من المراقبة والتحقيق رغم أن مجموعاتهم “لا تشكل أي تهديد، ولم تفعل شيئا سوى الانخراط في نشاط احتجاجي محمي بنسبة 100% بموجب التعديل الدستوري الأول”.
خوف من العنف
وتسود مخاوف من تصاعد التوتر في الجامعات الأميركية، خاصة بعد أعمال العنف المحدودة للغاية في أثناء التظاهرات المختلفة ببعض الجامعات.
في الوقت ذاته، تتصاعد في جميع أنحاء الولايات المتحدة وبشكل حاد في الحوادث الموصوفة بـ”معاداة السامية” والجرائم الناجمة عن “الإسلاموفوبيا”.
وقالت “رابطة مكافحة التشهير” إنها سجلت 832 حادثة “معادية للسامية” بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول والسابع من نوفمبر/تشرين الثاني مرتبطة مباشرة بالحرب الإسرائيلية بزيادة قدرها 388% عن الفترة نفسها العام الماضي.
في حين قال مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) إنه تلقى 774 شكوى وبلاغات عن جرائم كراهية تستهدف المسلمين بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول و24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأضاف المجلس “قد تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك، إذ لا يزال الإبلاغ عن جرائم الكراهية ضد المسلمين في أميركا أقل من اللازم على نطاق واسع”.