عمّان– حالة من الشد والجذب تواصلت بين مختلف المكونات السياسية الأردنية بعد ازدياد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في البلاد، ومواصلة الحراك الجماهيري فعالياته اليومية بالقرب من مقر السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية بالعاصمة عمان، وذلك احتجاجا على المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي أدت إلى سقوط الآلاف من الشهداء والجرحى.
وفي وقت سابق، جرت احتكاكات بين قوات الأمن الأردني ومتظاهرين في محيط مقر السفارة، واعتقلت الأجهزة الأمنية العشرات منهم، في حين دعا المتظاهرون من خلال مطالبهم الحكومة لإنهاء علاقتها بالجانب الإسرائيلي، ووقف كافة أشكال التطبيع ما بين عمان وتل أبيب.
وأكد القائمون على الحراك الجماهيري للجزيرة نت استمرار فعالياتهم الهادفة لفرض حصار على سفارة الاحتلال الإسرائيلي في عمان، ما يعني أن الوقفات الليلية مستمرة حتى نهاية شهر رمضان، في تجاهل واضح لكافة الحملات الإعلامية التي دفعت مؤخرا باتجاه شيطنة الحراك الشعبي.
مصلحة الأمن الوطني
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور مهند مبيضين على أن حماية المتظاهرين واجب الدولة، وأضاف في حديثه للجزيرة نت: “سنحمي المظاهرات بالقرب من مقر السفارة الإسرائيلية من أي محاولة للإساءة”، وقال إن الدولة الأردنية لا مشكلة لديها مع أي قوى سياسية، “وكل ما يهمنا ألا يتم المساس بالأمن الوطني، واستقرار الأردن”.
وأضاف مستدركا: “على الأردنيين الذين يتظاهرون قرب السفارة الإسرائيلية أن يعبروا عن موقفهم بصورةٍ واضحة، لأنه ظهرت شعارات في عدد من الساحات الأردنية بلون سياسي معين”.
وحول الاتهامات التي وُجهت لحركة حماس بدعوتها الأردنيين للتظاهر والاحتجاج على ما يحدث في غزة، قال مبيضين إن “العلاقة بين حركة حماس والإخوان المسلمين في الأردن، كعلاقة الأم بالبنت، ولا يوجد لدينا شك بأنهم لا يسعون لأن تكون الأردن ساحة صراع، لأن ذلك لا يخدم القضية الفلسطينية، ومن لديه ذرة إيمان بتحرير فلسطين والقدس، يعلم جيدا أن قوة الأردن من قوة فلسطين”.
وعلى الجانب الرسمي، اعتبرت الحكومة الأردنية أن “قيادات في حركة حماس تسعى إلى تأليب الرأي العام الأردني، وإثارة مشاعره وعواطفه حيال الحرب على غزة”، في حين تناولت تقارير صحفية محلية مؤخرا اتهامات لحركة حماس والحركة الإسلامية الأردنية بمحاولة “زعزعة الاستقرار الداخلي”، وهو ما نفته جماعة الإخوان المسلمين، مؤكدة أن “أمن واستقرار الأردن من ثوابتنا، ولا مصلحة تتقدم على الوطن”.
حراك وطني وازن
وقال الناشط الشبابي حمزة خضر إن “الحراك الداعم للأهل في قطاع غزة لم يتوقف منذ اليوم الأول من العدوان، وهو حراكٌ غير مفتعل، ومن دعا له هو التجمع الشبابي لدعم المقاومة، والملتقى الوطني لدعم المقاومة، الذي يضم أحزابا وشخصيات أردنية وازنة”.
ورفض خضر في حديثه للجزيرة نت الاتهامات التي وجهت للحراك بأنه يحمل أجندات خارجية، كما رفض أي محاولة للتشكيك بوطنية المتظاهرين وحبهم للأردن، وأضاف: “الذين يخرجون إلى الشوارع دعما لغزة، هم يمثلون أحزابا سياسية لها تاريخها النضالي الممتد”.
وأشار الناشط الشبابي إلى أن العالم أجمع تابع الحراك الأردني مؤخرا قرب سفارة الاحتلال، لأنه رفع عناوين سياسية واضحة بضرورة محاصرة السفارة الإسرائيلية طالما أن الاحتلال يحاصر مستشفى الشفاء في قطاع غزة، وطالما أنه يحاصر المسجد الأقصى المبارك.
ولفت خضر إلى أن “الصحف الأميركية والإسرائيلية تناولت فعاليات السفارة الإسرائيلية بكثير من الاهتمام والغضب، وهذا سببه نجاح وقوة وتأثير هذا الحراك الشبابي، فالحراك الشعبي جمع عشرات الآلاف من المتظاهرين يوميا لمدة تزيد على 10 أيام متتالية، وهذه رسالة الأردنيين بأن المقاومة تمثل خط الدفاع الأول عن الأردن ومصالح الأردن، والقضية الفلسطينية بالنسبة لنا شأن داخلي أردني لا يمكن القفز عنها”.
ولم يبتعد الناشط الشبابي محمد أبو رمان عن أطروحات خضر، بالتأكيد على أن “القطاع الشبابي لدعم المقاومة في الأردن -والذي يجمع اليساريين والإسلاميين- هدفه دفع الأردن لقطع علاقاته مع العدو الصهيوني، ووقف تصدير الخضار إلى الاحتلال”، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أن “قضية فلسطين هي قضية أردنية محلية”.
تفاعل إلكتروني
ولفت أبو رمان إلى أن “الوقفات اليومية بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان أغضبت العدو الإسرائيلي، وهو ما دفع الاحتلال لتحريك أدواته لمهاجمة الحراك من خلال الوحدة الإسرائيلية 8200، التي تهدف لزعزعة الاستقرار في الأردن، وإحداث فتنة بين مكونات المجتمع الواحد، لتحريف الأردنيين عن هدفهم الرئيسي بمواجهة المشروع الإسرائيلي على أرض فلسطين، وهذا يعني أن حراكنا مؤثر، وبالتالي هو مستمر”.
وبالتزامن مع تزايد حراك الشارع الأردني الداعم لغزة، ومحاصرة الأردنيين لسفارة تل أبيب في العاصمة عمان، أكد مصدر أمني أردني: “وجود آلاف الحسابات الوهمية التي تستهدف أمن الأردن واستقراره، وتلعب على وتر نشر الفتنة والتفرقة بين أبناء المجتمع الأردني”.
وأضاف المسؤول الأمني إن مصدر غالبية الحسابات تكون من دول أخرى وإقليمية، موضحا أن “هذه الحسابات تكرر مثل هذا الهجوم في فترات مختلفة، وفقا للمزاج العام في الشارع الأردني والذي انتفض بشكل أكبر خلال الأيام الماضية”.
وأشار المصدر إلى أن “عددا كبيرا من هذه الحسابات يتحرك بتعليمات الوحدة 8200 الإسرائيلية، أحد أبرز الفيالق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تضم نخبة العقول لدى الاحتلال، وتزود المنظومة العسكرية بكل ما تحتاج من معلومات حول الجهات المستهدفة”.
اللغة المتشنجة والاتهامات المتبادلة والتجييش والتأليب بات سمة الحديث الأردني على منصة X ، وهنالك من يدفع لانقسام المجتمع وتخويفه.
على العقلاء في الدولة والمجتمع أن يبادروا بالتحرك لإيقاف هذه المهزلة فما يحدث من تراشق واتهامات لايخدم الأردن بل يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة.…— Hosam Gharaibeh (@hosamgharaibeh) April 1, 2024
ومنذ الدعوة التي أطلقها نشطاء أردنيون لمحاصرة السفارة الإسرائيلية في عمّان، بدأت عدد من الدول العربية سلسلة فعاليات احتجاجية في عدد من العواصم والمدن، من بينها القاهرة وبغداد والرباط ومسقط والضفة الغربية، ومن اللافت أن الفعاليات العربية كانت تتناول هتافات تتحدث عن الاستجابة لدعوات الشارع الأردني لها للخروج، وهو ما يؤشر على تأثيره في تحريك الميادين في العواصم العربية المختلفة.