لندن- يمر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأيام عصيبة، بعد أن كان الأمل المنشود من طرف قيادة حزب المحافظين لتوحيد صفوفهم وقيادتهم في الانتخابات العامة المقبلة خلال العام القادم، إذ أصبح سوناك محل انقسام حاد داخل صفوف الحزب.
وفي مشهد يتكرر كثيرا في الممارسة السياسية البريطانية عندما يتحول أقرب الأصدقاء السياسيين إلى خصوم، فإن أكثر شخص يقود حملة ضد سوناك هي صديقته وحليفته السابقة وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان.
ولا تدخر برافرمان أي جهد في الهجوم على سوناك ومحاولته تمرير خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، بعد الضربة التي تلقاها من المحكمة العليا، والتي نصت على عدم قانونية خطة الترحيل السابقة.
ويعتبر ملف ترحيل اللاجئين إلى رواندا كلمة السر، في حالة الانقسام داخل حزب المحافظين، بين مؤيد لسوناك ومعارض يطالب برحيله.
صديق الأمس.. خصم اليوم
لا تختلف التحليلات السياسية البريطانية على قيام برافرمان بحملة انتخابية لاستمالة اليمين واليمين المتطرف، برفعها شعار ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا بأي ثمن، وإن كان هذا الثمن هو القفز على كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها بريطانيا والمرتبطة بحقوق الإنسان.
وتقود برافرمان العشرات من نواب حزب المحافظين، الذين يطالبون صراحة بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكذلك من المحكمة الأوروبية، لضمان عدم تدخل المحكمة الأوروبية في قرارات الترحيل، ولا يكون لها أي سلطة في توقيفها.
في المقابل، يقاوم رئيس الوزراء هذه المطالب، بدعوى أنها ستضر سمعة المملكة المتحدة في العالم، وتؤثر في علاقتها مع الأوروبيين، ويحاول التحايل على قرار المحكمة العليا عبر طرح قانون طوارئ سيعرضه للبرلمان خلال الأسبوع المقبل، يعتبر أن رواندا وجهة آمنة.
لكن برافرمان تعتبر أن خطة سوناك هي خطة “محكوم عليها بالفشل”، لأنها ستترك الباب مفتوحا أمام اللجوء للمحكمة الأوروبية، ومن ثم تأجيل أي عملية ترحيل، وسط حديث عدد من التقارير الإعلامية عن حشد برافرمان للدعم للإطاحة بسوناك، وهو ما تفسره تزايد عدد الرسائل التي تتقاطر على “لجنة 1922” المكلفة باستقبال رسائل البرلمانيين المطالبين بسحب الثقة من رئيس الوزراء.
ورغم نفي برافرمان للاتهامات بالتآمر لإسقاط سوناك، فإن كل تحركاتها وتصريحاتها تذهب في اتجاه الهجوم عليه وإظهار عدم صوابية قراراته.
انقسام حكومي
توالت الضربات على سوناك باستقالة صديقه وحليفه ووزيره في الهجرة روبرت جينرك، الذي احتج على رفض سوناك إعلان الانسحاب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وقال في رسالة استقالته إن “الخطة الحالية تحمل كثيرا من الآمال، لكنها غير واقعية في حل أزمة ترحيل طالبي اللجوء”.
وفتح رحيل وزير الهجرة الباب أمام التكهنات برحيل وزراء آخرين، إذ نقلت صحيفة “غارديان” البريطانية عن مصادر حكومية قولها إن “هناك 10 وزراء يفكرون في الاستقالة خلال الأيام المقبلة”.
ويعتبر حزب المحافظين أن ورقة رواندا هي الورقة الوحيدة المتبقية في جعبتهم لعرضها على الناخبين خلال العام المقبل، بعد العجز عن تحقيق أي من المطالب الأخرى سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، ويريد النواب المحافظون وخصوصا من التيار اليميني المحافظ، أن تصل الانتخابات وقد بدأت الطائرات بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.
كما يريد المحافظون التركيز فقط على خطة الترحيل وتوجيه الأنظار عن فشلهم في تحقيق وعد تقليص أعداد المهاجرين الجدد، التي باتت مهمة مستحيلة بعد أن بلغ عددهم خلال العام الماضي أكثر من 745 مهاجرا، وإذا أراد المحافظون إعادتها لمستويات 2010 عندما استلموا الحكم، فعليهم تقليص العدد بأكثر من 300 ألف مهاجر، وهو أمر مستحيل تحقيقه خلال أشهر قليلة، ولهذا يريدون أن يقولوا لناخبيهم بأنهم حققوا وعد ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وغض الطرف عن وعد تقليص أعداد المهاجرين.
استفتاء على شعبية سوناك
في هذا السياق، يعلن سوناك أن تقديمه لقانون الطوارئ للتصويت عليه من طرف البرلمان خلال هذا الأسبوع، ستكون بمثابة استفتاء على الثقة التي يحظى بها في صفوف حزبه، ويقف المحافظون أمام خيارات صعبة، فإن هم تخلوا عن زعيمهم سيدخلون في دوامة جديدة للبحث عن زعيم جديد، أو قد يعلن سوناك عن انتخابات مبكرة.
وإذا دعموا خطته الجديدة لترحيل اللاجئين ولم تنجح هذه المرة أيضا، سيخسرون آخر ورقة انتخابية قد تقيهم انتقادات كتلهم الناخبة، وبالتالي فهم أمام خيارين أحلاهما مر، خاصة مع بدء العد العكسي للانتخابات العامة مباشرة بعد عطل أعياد الميلاد.
أما وزيرة الداخلية المقالة سويلا برافرمان، فحساباتها تتجاوز الانتخابات المقبلة، إذ تريد أن تقدم نفسها كزعيمة قادمة لحزب المحافظين، وتحمل أفكارا متشددة حول المهاجرين واللاجئين.