هل تخرج منطقة غرب أفريقيا من دائرة النفوذ الفرنسي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

تحتل باريس المرتبة الرابعة عالميا ضمن قائمة الدول التي تملك أكبر احتياطي من الذهب في العالم، إذ تحتفظ ب 2436 طنا من الذهب الخالص رغم أنها لا تملك أي منجم، لكنها تعتمد في كثير من مواردها المعدنية على القارة السمراء التي هيمنت عليها سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

وبعد فترات من التدخل في الشؤون المحلية واستغلال الموارد الاقتصادية في أفريقيا، وجدت باريس نفسها فجأة في دائرة الغضب من قبل مستعمراتها السابقة وخاصة في غرب القارة والصحراء.

ورغم أن فرنسا تعمل بكل إصرار على استمرار نفوذها في القارة الأفريقية، مستعينة في ذلك بماضيها الاستعماري الذي يرجع لأكثر من مائة عام، فإنها أضحت في تنافس دولي على القارة السمراء من قبل فاعلين دوليين كروسيا والولايات المتحدة والصين.

كما برزت أصوات سياسية وشعبية تطالب بالقطيعة مع باريس كقوة استعمارية عملت على إفقار البلاد ونهب ثرواتها، وقد صاحب هذه الأصوات ظهور جيل جديد من الضباط قاد انقلابات وصفت بأنها ثورات تحرر في كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر.

وبناء على قواعد السياسة الفرنسية التي صرح بيها فرنسوا ميتران فإن منطقة أفريقيا لا يمكن أن تخرج عن دائرة نفوذ الإليزيه لما تجلبه من ثروات متنوعة تساهم بشكل فعّال في تحريك عجلة الاقتصاد الفرنسي.

ثروات هائلة

تضم دول غرب أفريقيا موارد اقتصادية هائلة حيث تملك 9% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، وتنتج حاليا قرابة 400 مليون برميل من النفط، كما تملك 40% من احتياطيات الذهب في العالم وتنتج 70% منه في الوقت الحالي.

وتقع الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” على مساحة قدرها 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة أفريقيا، في حين يبلغ عدد سكانها 350 مليون نسمة.

ومنذ أن دخلت فرنسا في القارة السمراء سنة 1624 عن طريق المراكز التجارية في السنغال دأبت على استغلال ثرواتها عبر اتفاقيات مجحفة.

ففي دولة النيجر الفقيرة التي يعاني شعبها من سوء التغذية والمجاعة تستحوذ فرنسا على مناجم اليورانيوم الكبيرة التي تصدر شحناته لفرنسا ويغذي مفاعلاتها النووية، وتأخذ منه 20% من مجموع احتياجاتها.

وقد استوردت باريس عام 2022 قرابة 7131 طنا من يورانيوم النيجر، بينما استورد الاتحاد الأوروبي 25% من احتياجاته حيث سجلت وارداته من النيجر في العام نفسه 2975 طنا.

ويتم استغلال أكبر مناجم اليورانيوم في النيجر المعروف بمنجم “سومير” من قبل شركة “أورانو” الفرنسية.

وإبان استقلال دول منطقة الساحل عن باريس 1960 ربطت فرنسا الفرنك الأفريقي (العملة الأفريقية الموحدة) ببنكها المركزي محققة بذلك هيمنة مطلقة على مستعمراتها السابقة، حيث أجبرت الدول التي تعمل بالفرنك الأفريقي على إيداع احتياطها النقدي في البنك المركزي الفرنسي.

وفي سنة 2020 كشفت بعض المصادر أن إجمالي الاحتياط المالي الأفريقي من العملة الصعبة لدى البنك المركزي الفرنسي وصل إلى 500 مليار دولار، في حين بلغت الأموال المحجوزة من حسابات خاصة 12.5 مليار يورو.

انقلابات وغضب شعبي

الانقلابات العسكرية متلازمة عرفتها أفريقيا منذ استقلالها الصوري عن فرنسا، وقد واكبت باريس جميع الانقلابات التي عرفتها المنطقة، فبعضها كانت تنفذه، والبعض الآخر كانت شريكا في وضع خططه، لكن الانقلابات الحديثة التي عرفتها منطقة الساحل منذ 2020 كانت مختلفة عن النسق السياسي والعسكري الذي كان سائدا.

وفي تصريح للجزيرة نت قال الأكاديمي ورئيس المركز المغربي للدراسات الدكتور ديدي ولد السالك إن الانقلابيين الجدد في منطقة الصحراء يتبنون العداء لفرنسا بحثا عن الشرعية، لأن الأوساط الشعبية في هذه الدول ترى أن أسباب التخلف والبؤس سببه الهيمنة الفرنسية.

ويرى الدكتور ديدي ولد السالك “أن فرنسا أينما وجدت في أي مكان من العالم لا بد أن توجد 3 مشاكل: الاستبداد والفساد ومشكلة الهوية”.

وفي 24 مايو/أيار 2021 قاد الضابط آسيمي غويتا انقلابا عسكريا في مالي وبدأ برسم خارطة جديدة لسياسة باماكو الدولية، حيث أعلن العداء لفرنسا وطرد سفيرها وقواتها العاملة في محاربة الجماعات المسلّحة.

وقد يمّم غويتا وجهه نحو موسكو واعتبرها حليفا قويا له في المنطقة وأبرم معها عددا من الاتفاقيات، وبالفعل تسلمت باماكو في مارس/آذار 2022 عددا من الأسلحة والطائرات المقاتلة من روسيا.

وعلى غرار ما حدث في مالي قاد الشاب النقيب إبراهيم تراوري انقلابا خاطفا في 30 سبتمبر/أيلول 2022 رفقة مجموعة من صغار الضباط في بوركينافاسو، وأعلن أن بلاده ترتبط بعلاقات مع فرنسا تحتاج إلى مراجعة وتصحيح.

وفي مارس/آذار 2023 طرت واغادوغو البعثة العسكرية في السفارة الفرنسية واتهمتها بالتدبير لأعمال تخريبية.

وفور تنفيذه للانقلاب هنأته مجموعة فاغنر الروسية ووصفته بالابن البار والشجاع وأعربت عن استعداها للعمل معه.

وفي قمة روسيا وأفريقيا التي عقدت في سان بطرسبورغ 2023 طالب تراوري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببناء محطة نووية في بوركينافاسو، والعمل على تعزيز العلاقات مع دول المنطقة.

أما في النيجر التي كانت من أبرز المعاقل الفرنسية في الساحل فقد نفّذ فيها عسكريون انقلابا في 26 يوليو/تموز 2023 بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني.

وأعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر قطع العلاقات مع باريس وطرد سفيرها وقواتها وعلق معها التعاون الاقتصادي.

وخرجت مظاهرات حاشدة في العاصمة نيامي مطالبة برحيل السفير الفرنسي وطاقمه.

قوى جديدة

ويرى الأكاديمي ديدي ولد السالك “أن محاولة الخروج عن سيطرة فرنسا هو نتيجة لرغبة الشعوب التي قتلت باريس أحلامها وعملت على إفقارها على مدى عقود من الزمن”.

وفي سياق هذه التطورات والأحداث، أظهرت مجموعة من القوى العالمية سعيها في التمدد داخل منطقة الصحراء، بحثا عن التموضع العسكري، وطمعا في التوسع الاقتصادي عن طريق الاستثمار في المنطقة المليئة بالثروات النفطية والمعدنية.

وتأتي روسيا في طليعة الدول الطامحة للتغلغل في الساحل، وقد تمثل ذلك في دعمها السخي للقادة الجدد، كما لعبت مجموعة فاغنر التابعة لها دورا محوريا في القتال في مالي ومساندة الحكومات في التصدي للجماعات المسلحة.

وفي فبراير/شباط 2023 قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة رسمية لعدد من البلدان الأفريقية شملت نواكشوط ومالي.

ووعد لافروف دول الصحراء بالمساعدة في التصدي للجماعات الإرهابية، وأعلن أنه سيرسل لدولة مالي مئات الجنود، كما التزم بتقديم المزيد من العتاد العسكري لها.

أما الولايات المتحدة فلها قوات من النخبة في النيجر يبلغ عددها 1100 جندي، وتعمل على تدريب جيش النيجر، كما أن لها قاعدة “إيه بي 201″في منطقة أغاديس شمال النيجر قرب الحدود مع ليبيا والجزائر.

وفي سياق البحث عن التموقع في أفريقيا عقدت الولايات المتحدة القمة الأميركية الثانية في ديسمبر/كانون الأول 2022 ووعد بايدن بتقديم 50 مليار دولار لأفريقيا.

أما الصين وتركيا فإنهما يركزان على المشاريع الاقتصادية ودعم الشركات العاملة في مجال النفط والتعدين.

سيناريوهات البقاء

ويرى مدير المركز المغاربي للدراسات أن فرنسا أصبحت عاجزة وتراجع دورها الاقتصادي، حيث انتقل اقتصادها من 5% من الخام العالمي إلى 1% فقط من الناتج الاقتصادي العالمي، وقد تجاوزتها روسيا والصين، وستتجاوزها الهند والبرازيل في السنوات القادمة.

وحول سيناريوهات البقاء في المنطقة قال ولد السالك إن مجلس الشيوخ الفرنسي في السنوات الماضية أصدر تقريرا يقول فيه إن فرنسا لم تعد لديها الوسائل الكافية للسيطرة على القارة السمراء، خاصة أن المنطقة تشهد صراعا دوليا قويا.

وأضاف ولد السالك أن تقرير مجلس الشيوخ قال إن فرنسا من دون أفريقيا ستتحول إلى دولة من دول الجنوب.

ورغم أن فرنسا أعلنت عن مراجعة سياساتها تجاه أفريقيا وتعمل على إنقاذ نفوذها، فإن المتغيرات الدولية والتحولات السياسية، واستقطاب ثروات المنطقة للقوى الدولية، كلها عوامل تعيق استمرار نفوذ باريس في معاقلها التقليدية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *