باريس- أعلن وزير القوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو -أول أمس الثلاثاء- أنه يدرس جديا إرسال طلبات إلى الشركات المصنعة في قطاع الأسلحة لتسريع الإنتاج، للمرة الأولى منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
ويعتبر الضغط الذي يحاول الوزير ممارسته بمثابة خطوة ملموسة في أعقاب التصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في يونيو/حزيران 2022 لدعم كييف، والمتمثل في اعتماد ما أسماه “اقتصاد الحرب”.
وبينما يصر ليكورنو على ضرورة إعادة التسليح، يحذر في الوقت ذاته من ظهور سياق أمني وتوترات كبيرة بين القوى العالمية، مشيرا إلى أن “الحرب في أوكرانيا تعيد فتح الباب أمام شكل فترة الحرب الباردة من جديد على خلفية القبو النووي الروسي”.
وأكد الوزير -خلال مؤتمر صحفي غير مسبوق في باريس بمقر هيئة الأركان العامة للجيش- ضرورة “إنتاج المزيد وبشكل أسرع” من أجل ضمان احتياجات الجيش والحفاظ على دعم أوكرانيا.
ضعف كفاءة
وبهذا الصدد، يقول السيناتور جيلبير روجيه، النائب السابق لرئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إن زيادة الإنتاج والتكاليف لا تعد أمرا مستحيلا “فقد فعلت الدول الغربية الأمر ذاته خلال الحرب العالمية الثانية”.
وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن الوزير يضغط على الشركات “لأننا في حالة تتطلب تقديم مساعدات فورية لأوكرانيا ولا يمكننا انتظار الدفاتر حتى تمتلئ بالطلبات” مضيفا أن الاتحاد الأوروبي فتح خطا ائتمانيا كبيرا إلى حد ما (أكثر من 3 مليارات دولار) لشراء المعدات العسكرية “ولن تمنع معدلات التضخم الدول من إنتاج المزيد ومساعدة كييف”.
من جانبه، يرى المستشار السابق بالخارجية مناف كيلاني أن المؤتمر الصحفي “إعلان سياسي لتغطية عري الجيش” لأن البلاد لا تملك الوسائل اللازمة لجيوشها، خاصة فيما يتعلق بالقدرة العسكرية، مثل طائرات “إي إم إكس” التي دمرها الروس.
ويتمثل السبب وراء ضعف أداء وكفاءة الأسلحة الفرنسية على أرض المعركة في أوكرانيا بكونها “قديمة وغير فعالة لأنه تم تكييفها حصرا للحملات الاستعمارية التي قامت بها منذ الستينيات حتى الآن” وفق نفس المتحدث.
كما وصف كيلاني تصريحات الوزير بأنها “كاذبة ومضللة ومنفصلة عن الواقع” لافتا إلى أن المهنة العسكرية في فرنسا لم تعد تجذب المواطنين بعد أن أقدم عدد من الضباط على الاستقالة وأصبح الجيش يجد صعوبة في تجنيد عناصر جدد.
وقد أعلن وزير الجيوش “لأول مرة” أن بإمكانه استخدام ما يسمح به قانون البرمجة العسكرية، الذي تم اعتماده الخريف الماضي، لفرض طلبات تسريع الإنتاج العسكري وممارسة حق تحديد الأولويات، موضحا أن الطلبات المعنية قد تتعلق بـ”الموظفين أو المخزونات أو أدوات الإنتاج، أو حتى السلع والخدمات التي تستولي عليها الدولة لأسباب إستراتيجية حيوية”.
وفيما يخص وتيرة الإنتاج العسكري، قال ليكورنو إنه يهدف إلى إعطاء الأولوية للاحتياجات العسكرية على المدنية لتسريع الإنتاج.
وفي حديثه للجزيرة نت، انتقد كيلاني هذا القانون الذي تم التصويت عليه من قبل الجمعية الوطنية بدون اعتراض أي من النواب، رغم أنه “يعطي للدولة الحق في اتخاذ هذا النوع من القرارات وفعل ما تريد، وهو ما لم يسبق له مثيل في الديمقراطية الغربية”.
واعتبر المستشار السابق أن تطبيق قانون البرمجة العسكرية يأتي أيضا ضمن “تبرير النقص أو سوء تنفيذ موازنة عامي 2023 و2024 “للقول إن إعداد أنفسنا للدفاع عن أوروبا وأوكرانيا أولوية قصوى”.
ومن خلال تطبيق هذا القانون، يمكن للحكومة أن تقرر الطلب “في حالة وجود تهديد، حالي ومتوقع، يؤثر على الأنشطة الأساسية لحياة الأمة، لحماية السكان والسلامة الإقليمية” أو “ذات طبيعة تبرر تنفيذ الالتزامات الدولية للدولة في مسائل الدفاع”.
دعم أوكرانيا
وقد توصلت فرنسا إلى اتفاق مع أوكرانيا والدانمارك لتمويل وتسليم 78 مدفع هاوتزر ذاتي الدفع من طراز قيصر إلى كييف لتعزيز إمداداتها من القذائف وتلبية احتياجاتها الملحة من الذخيرة ضد القوات الروسية، حسبما أعلن الوزير الفرنسي الثلاثاء.
كما حددت الوزارة شكل دعمها لأوكرانيا، بما في ذلك إنتاج 100 ألف قذيفة من عيار 155 ملليمترا هذا العام على أن يخصص 80 ألفا منها لأوكرانيا، مقارنة بـ30 ألفا توصلت بها منذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط 2022.
ويقرأ كيلاني ما يحدث بأن فرنسا اتخذت مكان ألمانيا لتطبيق وتنفيذ مخططات السياسات الأميركية بالقارة الأوروبية، موضحا أن الألمان “استطاعوا تبرير مشاركتهم المعتدلة في الحرب الأوكرانية بعد تسريبهم المتعمد للمحادثة بين كبار ضباط قواتهم الجوية قبل بضعة أسابيع”.
واستبعد المستشار السابق بالخارجية استخدام أعضاء الناتو المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية للحلف -التي تنص على الالتزام بالحماية المتبادلة- لأن “الجميع يختبئون خلف إصبعهم” متبعين بذلك “عقيدة أوباما” أي القيادة من الخلف وعدم الانخراط بشكل مباشر في الحرب، على حد تعبيره.
التهديد الروسي
وتعليقا على التوترات الأخيرة بين فرنسا وروسيا، يرى السناتور السابق أنها دفعت إلى ممارسة الضغط لإنتاج المزيد من العتاد العسكري، لافتا إلى “ضرورة أخذ عملية إعادة التسلح والتعزيز الصناعي بعين الاعتبار من قبل جميع شركاء القطاع الخاص لأننا بحاجة إلى مزيد من الغواصات والطائرات بدون طيار”.
وبشأن انتشار أخبار عن إمكانية نشوب حرب بأوروبا على مواقع التواصل الفترة الأخيرة، أكد السيناتور روجيه أن الحفاظ على الهدوء أساسي في وجه “أخبار كاذبة تحاول موسكو تصديرها للعالم” متوقعا في الوقت ذاته أن فرنسا ستشهد تضليلا معلوماتيا أكبر بكثير مع اقتراب الألعاب الأولمبية في باريس.
وأضاف أن الهدف من نشر هذه الأخبار يتمثل في “زعزعة استقرار الحكومة وتعزيز قوة أصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعني بذلك مساعدة مارين لوبان وأتباعها بشكل غير مباشر”.
في المقابل، اعتبر المستشار كيلاني أن فرنسا على منحدر زلق نحو المواجهة المفتوحة مع روسيا منذ عام 2014 عقب إلغائها طلبية حاملة الطائرات الميسترال “مما أدى لفقدانها المصداقية والسيادة على وسائلها وقدراتها، سواء كانت عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، لأنها تتبع فقط أوامر الناتو، وهو منظمة أميركية آخر المطاف”.