هل بوركينا فاسو على أعتاب انقلاب آخر؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

شولا لاوال
تثير عمليات إطلاق النار الأخيرة، أولا في القصر الرئاسي، ثم في موقع هيئة الإذاعة العامة بالعاصمة واغادوغو، تكهنات بأن بوركينا فاسو ربما تتجه نحو تمرد آخر، وسط أزمة أمنية متنامية في البلاد.

وكان القائد العسكري النقيب إبراهيم تراوري قد وعد بتأمين الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، التي مزقها القتال، وبإجراء الانتخابات، وتسريع انتقال البلاد إلى الديمقراطية، عندما استولى على السلطة لأول مرة في انقلاب عام 2022، الذي جاء بعد انقلابات عسكرية مماثلة في مالي وغينيا المجاورتين.

ومع ذلك، في أوائل يونيو/تموز، أعلن تراوري عن تمديد الفترة الانتقالية لمدة 5 سنوات، مشيرا إلى استمرار انعدام الأمن في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد، حيث يقاتل الجيش جماعتين مسلحتين تسيطران الآن على ما يقرب من نصف بوركينا فاسو.

واتهم منتقدون تراوري باستغلال التحديات الأمنية لمحاولة تمديد قبضته على السلطة. لكن الأحداث الأخيرة أثارت تساؤلات حول سيطرته، وحول الأوضاع في بوركينا فاسو، حيث يقول محللون إن الحكومة قد تفعل ذلك لدرء أي تهديدات داخلية.

ماذا حدث في 11 يونيو؟  
وسط قتال عنيف في المعارك المستمرة بالبلاد مع الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، قال محلل في واغادوغو، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الخسارة الفادحة لقوات بوركينا فاسو في يونيو/حزيران أدت إلى تفاقم مشاعر عدم الرضا في أوساط الجيش تجاه حكومة تراوري.

في 11 يونيو/حزيران، شن مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجمات على القوات المتمركزة بقاعدة للجيش في قرية مانسيلا، بالقرب من الحدود مع النيجر، في المنطقة الشمالية الشرقية من بوركينا فاسو، وقُتل عشرات الجنود في الهجوم، وبلغ عددهم 107، بحسب تصريحات حركة نصرة الإسلام والمسلمين هذا الأسبوع.

جنازة الجنود الذين قُتلوا خلال هجوم على قافلة بوركينا فاسو بواغادوغو (رويترز)

وقال محللون إنها كانت واحدة من أسوأ الانتكاسات من حيث الخسائر، التي تكبدها الجيش منذ أن امتد القتال لأول مرة من مالي المجاورة عام 2015، وفي العديد من مقاطع الفيديو، التي نشرتها الحسابات الدعائية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين على الإنترنت، يمكن رؤية مقاتلي الجماعة بالزي العسكري وهم على دراجات نارية، يطلقون النار على القاعدة العسكرية، كما يُعتقد أنه تم أسر حوالي 7 جنود من بوركينا فاسو.

وأظهرت مقاطع فيديو أيضا المجموعة وهي تعرض غنائمها القتالية: مجموعة من بنادق الكلاشينكوف، ومئات الرصاص، وعشرات الأسلحة العسكرية الأخرى. وفي حين تعاني البلاد من تلك الخسارة، دوى إطلاق نار حوالي الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم 12 يونيو/حزيران حول مقر إذاعة وتلفزيون بوركينا فاسو، وهي شبكة التلفزيون الوطنية في واغادوغو، وتقع بالقرب من القصر الرئاسي، حيث كان تراوري يجتمع مع مجلس الوزراء في ذلك الوقت.

ماذا عن الإذاعة والتلفزيون؟
غالبا ما تكون محطات البث العامة أهدافا مبكرة للمتمردين أثناء الانقلابات، حيث يعلن القادة الجدد تقليديا أنهم استولوا على السلطة، ففي تقرير فيديو صادر عن التلفزيون والصور عبر الإنترنت، بدت السيارات الموجودة في مباني المحطة مليئة بآثار الرصاص، وكانت علامات سقوط مقذوف في المجمع ملحوظة، وقالت السلطات إن شخصين أصيبا بجروح “طفيفة” في الهجوم، وتم علاجهما وخرجا من المستشفى.

والتزمت السلطات الصمت في البداية، حتى زار تراوري يوم الخميس المذيع المصاب، وقال إن إطلاق النار جاء من نيران صديقة، وأضاف “أولئك الذين هم هناك لحمايتك هم الذين تسببوا للأسف في الحادث. إنه جزء من واجباتهم، في محاولة التحقق، ولسوء الحظ أطلق شخص ما (عن طريق الخطأ) الرصاصة”.

وفي وقت سابق، في 17 مايو/أيار الماضي، أفادت وسائل الإعلام المحلية بوقوع إطلاق نار حول القصر الرئاسي نفسه، لكن البيانات الرسمية تزعم أن شخصا مسلحا منفردا هاجم الحراس المتمركزين في القصر وسرعان ما تمت السيطرة عليه.

ماذا قالت الحكومة؟  
وعلى الإنترنت، تزايدت الشائعات حول وجود انشقاق داخل الجيش بعد هجمات مانسيلا، حتى مع قيام الحكومة بقمع المعارضة، وظل القادة صامتين بشأن مقتل الجنود، وعندما غاب تراوري عن الظهور لبضعة أيام بين 12 و14 يونيو/حزيران، ولم يصدر أي تصريحات، تزايدت التكهنات حول مكان وجوده.

وزاد من حالة الشك تحذير من قائد الجيش الجنرال سيليستين سيمبور بأن تكون القوات جاهزة بثكناتها في 13 يونيو/حزيران، مع تحليق طائرات مروحية فوق واغادوغو في ذلك اليوم.

ومع ذلك، في 14 يونيو/حزيران، ظهر تراوري وهو يتبرع بالدم في مقر إقامته، وأثناء حديثه في محطة الإذاعة والتلفزيون، دحض القائد العسكري مزاعم التمرد وانتقد القنوات الإعلامية الغربية “الكاذبة”. وقال “لا يوجد شيء على الإطلاق”، مضيفا أن المروحيات المحلقة كانت تحمل قوات تعزيز إلى مانسيلا. وأضاف “نحن هنا. يجب ألا نستمع إلى أولئك الذين يحاولون تشتيت انتباه الناس. نحن لا نهرب. نحن لا نتراجع، ولن نستسلم”.

القوات الخاصة في بوركينا فاسو أثناء مناورات عسكرية (وكالة الأنباء الأوروبية)

ومع ذلك، يقول المحللون إن الهجمات الكبيرة غالبا ما تكون نذيرا لإعادة تنظيم صفوف الجيش، وبالتالي التمرد هناك، ويقول الخبراء إن هناك أيضا مخاوف حقيقية من أن تؤدي عمليات إطلاق النار الأخيرة إلى ردود فعل أكثر تطرفا من تراوري.

ومنذ إحباط محاولتين انقلابيتين سابقتين في سبتمبر/أيلول ثم في يناير/كانون الثاني من هذا العام، يقول المحللون إن تراوري أصبح أكثر صرامة مع أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم أعداء من عسكريين أو مدنيين.

فقد تم القبض على العشرات من الأشخاص المتهمين بالتخطيط للانقلابات، في حين تم إرسال العديد من أفراد الجيش المشتبه بتورطهم، في بعثات أجنبية، على سبيل المثال.

وقال المحلل دان إينزيجا من مركز أفريقيا ومقره الولايات المتحدة “إن الأمر يشبه إلى حد ما أنهم يتلقون تدريبات إعادة التثقيف، ولكن عندما ينتهي الأمر بإرسال الجنود الذين ينتقدونك إلى روسيا، فإن الأمر لا يبدو جيدا”.

كما اختفى النشطاء والصحفيون والسياسيون الذين ينتقدون الحكومة أو أُرسلوا قسرا إلى الخطوط الأمامية للانضمام إلى الجيش، ويسمح مرسوم جديد للحكومة بتجنيد أي شخص فوق 18 عاما، وهو قانون أدانته “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى. وفي الوقت نفسه، تم تعليق العديد من المؤسسات الإعلامية الدولية، مثل الوكالات الفرنسية.

هل تفاقمت حالة انعدام الأمن في عهد تراوري؟  
نعم -يقول المحللون الذين يشيرون إلى تزايد العنف في البلاد- فمنذ أن استولى على السلطة في انقلاب، أبعد تراوري بوركينا فاسو عن فرنسا، حاكمها الاستعماري الذي كان منذ فترة طويلة شريكا رئيسيا في المساعدات وحليفا عسكريا، وفي العام الماضي، انسحب حوالي 400 جندي فرنسي من القوات الخاصة من البلاد مع تدهور العلاقات بين البلدين.

ويمتدح أنصار تراوري، الذين يؤيدون خطابه المناهض لفرنسا، حكومته لإخراجها البلاد من نفوذ باريس، كما يشيرون إلى تضاعف الإنفاق العسكري في عهد تراوري، وإلى إنشاء قوة دعم سريع خاصة تهدف إلى مساعدة القوات المنتشرة في الشمال، وإلى الهجمات الحكومية بالطائرات بدون طيار والمروحيات.

كما روجت الحكومة العسكرية لخطة تهدف إلى تجنيد 50 ألف متطوع للدفاع عن الوطن وهي مليشيا للدفاع عن النفس تساعد الجيش، ومع ذلك، يشير المنتقدون إلى أن تراوري أنهى الحوارات السابقة التي جرت بقيادة محلية مع الجماعات المسلحة والتي أسفرت عن وقف لإطلاق النار. وتضاعفت الوفيات في العام الماضي مقارنة بعام 2022، وقُتل أكثر من 8000 شخص، وفقا لمجموعة اسليد التي تتابع الصراع.

وقال إينزيجا من مركز أفريقيا “لقد سعى إلى حرب شاملة (تراوري). هناك تفكير جيد وراء توسيع قدرة القوات العسكرية، ولكن عليك أن تفعل ذلك بطريقة فعالة وتحمي المواطنين. إن إبعاد المفاوضات من على الطاولة لا يبدو أمرا ذكيا”.

مراسم انزال العلم وجلاء القوات الفرنسية من بوركينافاسو
مراسم إنزال العلم وجلاء القوات الفرنسية من بوركينا فاسو (الجزيرة)

ومع انسحاب فرنسا، تحوّلت بوركينا فاسو نحو روسيا، حيث أجرى تراوري عدة مكالمات مع الرئيس فلاديمير بوتين، وتقول تقارير غير مؤكدة إن حوالي 100 مقاتل من مرتزقة فاغنر وصلوا إلى البلاد هذا الأسبوع، وعلى ما يبدو أنه تم نقلهم جوا من مالي المجاورة، حيث أصبح القائد العسكري العقيد أسيمي غويتا “الأخ الأكبر” لتراوري رئيسا، كما أن هناك حوالي 1200 من عناصر فاغنر تقاتل الجماعات المسلحة إلى جانب القوات الحكومية في مالي.

وقال أولف ليسينغ، الذي يرأس برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور، للجزيرة إن إدارة تراوري فشلت في تجنيد محترفين، حيث لم يتلق العديد من المتطوعين سوى تدريب قصير. وقال بعض الذين تم تجنيدهم قسرا إنهم حصلوا على أسلحة دون أي إعداد يذكر، وأضاف “إنهم عرضة للخسائر نوعا ما، ولسوء الحظ، فإن الأمر ليس فعالا للغاية. كل يوم تقريبا الآن، تقع حوادث. الحكومة تحاول جاهدة، فهي تشتري الأسلحة، ولديها شراكة عسكرية مع روسيا لكنها لم تحقق نجاحا كبيرا”.

ما الوضع الإنساني؟
أُجبر آلاف الأشخاص على ترك منازلهم في مناطق القتال بالشمال والشمال الشرقي، وهم محاصرون بين الجيش والجماعات المسلحة، وقد أصبح الآن حوالي واحد من كل 10 أشخاص في البلاد من النازحين، وأُغلقت أكثر من 5000 مدرسة، والبعض الآخر لا يملك ترف الفرار من الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.

بحلول نهاية عام 2023، كان نحو مليوني شخص محاصرين في 36 قرية يسيطر عليها المقاتلون المسلحون، ومن غير الآمن أن يغادر المدنيون، كما أن الغذاء والدواء بالكاد يصل.

People wait for their turn to buy water from a privately-owned water tower, amid an outbreak of the coronavirus disease (COVID-19), in Taabtenga district of Ouagadougou, Burkina Faso April 3, 2020. Picture taken April 3, 2020. REUTERS/Anne Mimault
يعاني سكان المناطق النائية من نقص المياه والطعام (رويترز)

أدت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل الجيش، حسب ما يقول ناشطون، ضد السكان الذين يعتقد أنهم موالون لأعدائه، إلى تطويق بعض المناطق، مما أدى إلى وقف التجارة فعليا، وتجمع معظم النازحين في دجيبو، عاصمة مقاطعة سوم الشمالية، التي زاد عدد سكانها من 60 ألفا إلى ما يقرب من نصف مليون شخص منذ عام 2019، والمدينة نفسها معزولة إلى حد كبير عن المساعدات.

وقد أدى انعدام الأمن، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم والمناخ القاسي في منطقة الساحل، إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، ومن المتوقع أن يواجه حوالي 1.4 مليون طفل خطر الجوع بحلول نهاية يونيو/حزيران، عندما تبدأ الفترة الفاصلة قبل مواسم الحصاد، وفقا لمنظمة إنقاذ الطفولة.

وفي الوقت نفسه، لم تجتذب نداءات التمويل سوى نسبة ضئيلة، وتقول جماعات الإغاثة إن بوركينا فاسو تناضل من أجل الحصول على الأموال اللازمة في عدد لا يحصى من الأزمات. وقال المجلس النرويجي للاجئين في يونيو/حزيران إن البلاد تمثل الأزمة الأكثر إهمالا في العالم للعام الثاني على التوالي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *