هل أدّت حرب غزة إلى تهميش الملف النووي الإيراني؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

طهران- بعد مرور أقل من شهر على تبادل طهران وواشنطن 5 سجناء من الطرفين مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، جاءت الحرب على قطاع غزة لتطغى على الملف النووي الإيراني.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أكد في سبتمبر/أيلول الماضي استعداد بلاده لاتخاذ الخطوة النهائية بشأن مفاوضات فيينا الرامية إلى تنفيذ الاتفاق النووي انطلاقا من “وثيقة سبتمبر 2022″، أدانت الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة)، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عدم التعاون من قبل طهران في ملفها النووي.

في أثناء ذلك، دعا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي -في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز”- زعماء العالم لاستئناف المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي وعدم إغفال المخاطر المرتبطة بتراكم احتياطياتها من اليورانيوم المخصب.

عبد اللهيان أكد استعداد بلاده لاتخاذ الخطوة النهائية بشأن مفاوضات فيينا (رويترز)

تحفظ غروسي

وتابع غروسي قائلا إن “محاولة إعادة الاتفاق النووي إلى إطار خطة العمل الشاملة المشتركة لن تنجح، لكن لا يزال بالإمكان تسميتها خطة العمل الشاملة المشتركة رقم 2 أو شيء من هذا القبيل، لأنه سيتعين علينا التكيف”.

كما كرر غروسي -في مقابلة مع قناة فرانس 24- قلقه بشأن برنامج إيران النووي، موضحا أن لدى الإيرانيين مواد نووية مهمة لم تعد بحوزة أحد سوى الدول التي تمتلك أسلحة نووية، ولا يعني ذلك أن لديهم أسلحة نووية، لكن “لديهم نوع من القدرة التي تثير القلق بالتأكيد”.

في المقابل، علق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، على تصريحات غروسي بالقول إن بلاده “تتوقع من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يتحدث بحيادية، وأن يحافظ على المهنية في المقابلات التي يجريها كي لا تتاح للدول المتحيزة الفرصة لاستغلال الوكالة سياسيا”.

غروسي دعا إلى عدم إغفال المخاطر التي يشكلها مخزون إيران من اليورانيوم المخصب (رويترز)

مخاوف غربية

يأتي ذلك في خضم العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة واقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة 2024، ما يفقد واشنطن وحلفاءها الأوروبيين العديد من الأوراق التي كانت تستخدم لكبح أنشطة إيران النووية، خشية تأجيج الصراع في الشرق الأوسط.

وفي السياق، أفادت وكالة رويترز -نقلا عن تقريرين سريين للوكالة الدولية للطاقة الذرية اطلعت عليهما- بأن “إيران قد خصبت من اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60%، بما يكفي لتصنيع 3 قنابل نووية”، كما نقلت عن دبلوماسي أوروبي كبير أن “هناك نوعا من الشلل، خاصة بين الأميركيين، لأنهم لا يريدون صب الزيت على النار”.

من جانبها، رأت وكالة الصحافة الفرنسية أن “النزاع بين إسرائيل وحماس يطغى على الملف النووي الإيراني في الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وأن “التصعيد النووي الإيراني يثير مخاوف جدية، في ظل استبعاد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف كاميرات المراقبة، غير أن الدول الغربية مترددة في التحرك خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التوترات في الشرق الأوسط”.

تسييس الملف

وتتفاوت قراءة الأوساط الإيرانية حول إثارة ملف بلادهم النووي في التوقيت الراهن، بين من يتهم المؤسسات الغربية بالسعي لصرف الأنظار عما يحدث في غزة وآخرين يرون أن مواقف غروسي لم تأت بجديد بشأن ملف طهران النووي.

من ناحيته، انتقد الباحث السياسي مهدي عزيزي، صمت المؤسسات الغربية وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيال تهديد وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، باستخدام قنبلة نووية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في حين لم تفوت الوكالة فرصة للتعبير المستمر عن قلقها بشأن برنامج طهران النووي.

وفي حديثه للجزيرة نت اتهم عزيزي المؤسسات الغربية بتسييس ملف بلاده النووي، موضحا أن طهران لا ترى أي علاقة بين ملفها النووي والعدوان الإسرائيلي على غزة، وأنها تبذل قصارى جهودها لإيقاف ماكينة الحرب ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، وأنه لا صحة لما يشاع في بعض وسائل الإعلام عن رفع إيران وتيرة تخصيب اليورانيوم عقب معركة طوفان الأقصى.

قلق قديم

وخلص الباحث السياسي إلى أن “المعسكر الغربي المساند للكيان الصهيوني يشن حربا دعائية للتغطية على هزائم الاحتلال في حربه على غزة من جهة، وإثارة ملف النووي الإيراني للضغط على طهران وحرف مساعيها الرامية لوقف إطلاق النار في القطاع، من جهة أخرى”.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران، رحمان قهرمان بور، أنه لا جديد في مواقف غروسي الأخيرة، إذ سبق ووردت في تقريره المقدم إلى مجلس محافظي الوكالة الذرية في سبتمبر/أيلول الماضي، واصفا تراكم احتياطيات طهران من اليورانيوم المخصب عالي التخصيب بأنه “أمر طبيعي بعد مرور نحو 3 أشهر”.

ولدى إشارته إلى قلق بعض الأطراف الأوروبية من أن تضع الحرب على غزة ملف طهران النووي في الهامش، وتقوض قدرة الولايات المتحدة لكبحه مما يمهد الطريق للجانب الإيراني أن يسرع وتيرة تطويره، أوضح قهرمان بور للجزيرة نت أن الصراع في الشرق الأوسط قد جمد بالفعل المفاوضات النووية التي كانت مستمرة حتى قبيل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتابع قهرمان بور، أن حرب غزة قد أخرجت العديد من الملفات الدولية من أولويات بعض الدول، وأن تراجع التحركات الدبلوماسية في الملف النووي الإيراني لا تعني القضاء على نتائج المفاوضات غير المباشرة برعاية إقليمية، وإنما مؤشر على وجود ملف طارئ في العالم، مستدركا أن انفلات الأمور جراء الحرب على غزة قد يرفع التوتر في الشرق الأوسط إلى مستويات خطيرة جدا.

وعن حديث غروسي عن ضرورة التفاوض مع طهران للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن ملفها النووي، أوضح الباحث الإيراني أن مدير الوكالة الذرية يقصد أن منظمته لم تتمكن من توفير البيانات اللازمة عن الملف النووي الإيراني من خلال الاتفاق النووي السابق، وأضحت بحاجة إلى آلية حديثة للقيام بمهمتها في إيران.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *