هل أجهضت مالي حلم الأزواديين في الانفصال؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

بعد ما يربو على 6 عقود من التمرد والمواجهة مع الحكومة المركزية في باماكو من أجل تأسيس دولة مستقلة في الشمال المالي، غادر الأزواديون إقليم كيدال، وتركوا معاقلهم للقوات المسلحة المالية.

وكان أمازيغ مالي استطاعوا الانفراد بإقليم كيدال منذ سنة 2012، لكن المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في باماكو أعلن عزمه استعادة جميع الأراضي، وفضّل المواجهة العسكرية، وبدأ في شن حملات مكثفة، حتى دخل كيدال معلنا بذلك نصرا طالما عجزت عنه الأنظمة العسكرية والمدنية السابقة في دولة مالي.

يتكون المجتمع الأزوادي في مالي من أعراق متعددة تجمع بين الطوارق والعرب والفولان والسونغاي، ويمثل الطوارق نسبة 35% من الأزواديين، فيما يمثل العرب 25%، ويبلغ عدد سكان دولة مالي نحو 22 مليونا.

وتبلغ مساحة أقاليم أزواد (كيدال-تمبكتو-غاو) 822 ألف كيلومتر مربع أي نسبة 66% من المساحة الإجمالية لدولة مالي البالغة مليونا و240 ألف كيلومتر مربع.

بداية التمرد

وبعد استقلال مالي عن فرنسا عام 1960 بقيت الأقاليم الشمالية في عزلة عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فثارت الحركات الأزوادية في وجه الحكومة في باماكو، وحملت السلاح عام 1963، للمطالبة بدولة مستقلة عاصمتها كيدال.

وقد قامت ثورة كيدال على مبدأ اندماج العرق الأمازيغي في الصحراء الذي فرقه المستعمر الفرنسي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، لكن نظام الرئيس المالي الأسبق موديبو كيتا كان صارما وقاسيا تجاه الانفصاليين، إذ تصدى لهم بأشد أنواع القمع، حتى فرض سيطرته على الإقليم عام 1964.

وفي دراسة بعنوان “أصول الحرب في أزواد”، يرجع الباحث عبد الله بوشطارت أسباب ثورة الأزواد إلى عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية.

ويرى أن نظام موديبو كيتا أراد بناء دولة لا تحترم التعددية وأشكال التنوع، فاصطدم بالطوارق الذين لا يعرفون الخضوع للسلطة المركزية، كما أن حكومته قامت بتهميش مناطق الشمال البعيدة عن العاصمة، ولم تعمل على خلق نهضة تنموية فيها.

ولم يجد أمازيغ الصحراء دعما من الجزائر في ثورتهم المطالبة بتأسيس دولة عام 1963، رغم أنهم ساعدوا في الثورة الجزائرية، ويرجع موقف الجزائر إلى العلاقات الودية التي كانت تجمع بين بن بلا وموديبو كيتا وتقاسمها الأفكار الاشتراكية حينها.

الجفاف والشتات

وإثر القمع العنيف الذي قامت به قوات موديبو كيتا، وبعد موجة الجفاف الشديدة التي ضربت منطقة الساحل عام 1970 عرفت مناطق أزواد في الشمال المالي هجرات جماعية أكثرها نحو ليبيا والجزائر، إذ كانوا يعتمدون في معيشتهم على الزراعة المطرية وتربية المواشي.

وقد تزامنت هجرة الأزواد نحو ليبيا والجزائر مع اعتلاء الزعيم الراحل معمر القذافي كرسي الحكم في طرابلس عام 1969، فقام بتجنيد الكثير منهم في مليشيات تتبع لقواته.

وقد شارك المجندون في عدة عمليات قتالية، وضمن مناطق مختلفة مثل تشاد والصحراء الغربية.

وعندما فُرض الحصار على ليبيا بسبب قضية لوكربي عام 1988 تراجع نفوذ القذافي في المنطقة، وبدأ الأزواد العودة لمالي عام 1990.

مواجهات ومعاهدات

وبعد عودة المقاتلين من ليبيا عام 1991 بدأت موجات جديدة من الصراع المسلح والمطالبة بالاستقلال عن دولة مالي، وقد ألحق العناصر الذين تدربوا في ليبيا خسائر كبيرة بالجيش المالي، فاقتنعت حكومة الرئيس السابق الجنرال موسى تراوري بضرورة الحوار والاستماع لمطالب الثوار، وأبرمت اتفاقا مع الانفصاليين في تمنراست بالجزائر في ديسمبر/كانون الأول 1991، تعهدت الحكومة بموجبه بتخصيص 47.3% من الميزانية التنموية لأقاليم أزواد، ودمج المقاتلين في الجيش، والعمل على تنفيذ نظام لا مركزي يسمح بقدر من الإدارة الذاتية.

كما تعهد الثوار الطوارق نتيجة الاتفاقية المذكورة بالتخلي عن السلاح والمواجهة العسكرية مع الحكومة المركزية في باماكو، وترك المطالبة بالانفصال.

لكن هذا الاتفاق لم يدم طويلا، حيث بدأت المواجهات بين الطرفين في العام نفسه، واتهم الجيش بتنفيذ كثير من المذابح في صفوف سكان الشمال. وقد سعت الجزائر وموريتانيا وقتها إلى جمع الأطراف من جديد في الجزائر عام 1992، وتم التوقيع على الميثاق المعروف بـ”المعاهدة الوطنية”.

وعام 1994 اندلع القتال بين الجانبين من جديد، ولكنهما رجعا لبنود اتفاقية “المعاهدة الوطنية” مرة أخرى.

وفي سنة 2006، قامت مجموعة من الطوارق تدعى تحالف “23 مايو الديمقراطي” بشن هجمات ضد القواعد العسكرية للجيش المالي في كيدال و”ميناك”، وبدأت المواجهات مع الحكومة حتى تم توقيع اتفاق سلام في كيدال عام 2009 برعاية ليبية.

إعلان الاستقلال من طرف واحد

وعندما سقط نظام القذافي عاد كثير من الطوارق الذين كانوا يقاتلون في جيشه لمناطقهم الأصلية في كيدال وتمبكتو، وشاركوا في تأسيس الحركة الوطنية لتحرير أزواد.

وفي السادس من أبريل/نيسان 2012 أعلنت الحركة الوطنية قيام دولة مستقلة في الشمال المالي، وسيطرت بالكامل على مدن كيدال وتمبكتو وغاو، لكن دول الجوار لم تعترف للأزواديين بدولتهم الوليدة.

وفي يناير/كانون الثاني 2013، بدأت القوات الفرنسية وبمساعدة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بعملية عسكرية لإفشال قيام دولة أزواد واستعادة السيطرة على أقاليم الشمال، وطرد حركات مسلحة توصم بالإرهاب بعد أن ساعدت المسلحين الطوارق في السيطرة على شمال مالي.

وبعد أشهر من المواجهة الميدانية بين القوات الفرنسية والأفريقية من جانب، والمسلحين الأزواديين من جانب آخر، استطاع الجيش المالي بسط نفوذه على القواعد العسكرية وكبرى المناطق السكنية، لكن الهجمات لم تتوقف بين الطرفين.

اتفاق الجزائر 2015

وقد خلفت معارك الانفصال كثيرا من الخسائر البشرية، وتسببت في تهجير 158 ألفا، ونزوح ما يربو على 230 ألف مواطن، ولكن الأطراف المتحاربة توصلت إلى وقف إطلاق النار في فبراير/شباط 2015، برعاية الأمم المتحدة والجزائر.

وفي الأول من مارس/آذار 2015، تم التوقيع على اتفاق “السلم والمصالحة” في العاصمة الجزائر بين الحكومة المالية، ومجموعة حركات أزواد: الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد، وحركة أزواد العربية، وتنسيقية الشعب في أزواد، وتنسيقية جبهات وحركات المقاومة الوطنية.

وبموجب اتفاق الجزائر جنحت الأطراف إلى السلم والعمل على الاستقرار وعودة اللاجئين والنازحين إلى أماكنهم.

ولم تتدخل السلطات في باماكو في شؤون كيدال، وتركت شأنها السياسي والاجتماعي تحت إدارة الحركات الأزوادية.

العسكر والخروج على الاتفاق

وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد آسيمي غويتا عام 2021 تغيرت الأوضاع السياسية والأمنية، وتشكلت خريطة سياسية جديدة في المنطقة تغيرت بموجبها موازين القوى، إذ تم طرد القوات الفرنسية والأممية التي كانت تشرف على عملية السلام في المناطق الشمالية، وهي معاقل المتمردين الأزواديين والمسلحين الإسلاميين.

وفي نهاية 2022 توترت العلاقات بين الحكومة المركزية وتنسيقية حركات أزواد، حتى أغلقت الأخيرة مكتبها في باماكو معتبرة أنها في حالة حرب مفتوحة.

وفي سبتمبر/أيلول 2023 اندلعت المواجهة من جديد بين المجلس العسكري الانتقالي في والحركات السياسية والعسكرية في كيدال.

وفي خطاب بثه التلفزيون المالي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 قال العقيد غويتا إنه لا بد من السيطرة على جميع الأراضي المالية.

وبعد معارك طاحنة شاركت فيها مجموعة فاغنر الروسية بجانب الجيش المالي، أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي بمالي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 استعادة مدينة كيدال التي سيطر عليها الأزواديون منذ عام 2012.

هل انتهى حلم الدولة؟

وفور سيطرة القوات الحكومية على كيدال، أصدرت رئاسة المجلس العسكري مرسوما يقضي بتعيين أحد أبناء الطوارق الأزواديين حاكما للمدينة، وهو الجنرال الحاج آغ غامو الذي سبق أن عمل مفتشا عاما للقوات المسلحة، وله تجربة كبيرة في ميادين القتال ومحاربة الجماعات المسلحة.

وفي يناير/كانون الثاني 2024 أعلنت الحكومة المالية خروجها من اتفاق الجزائر 2015 معتبرة أنه يعطي شبه حكم ذاتي للحركات الأزوادية، وأعلنت أنها ستقوم بحوار ومصالحة داخلية لا دخل فيها لأطراف خارجية، مؤكدة عزمها على وحدة الأراضي المالية.

وفي تصريحات لرئيس الحركة الوطنية لتحرير أزواد على منصة إكس، قال بلال أغ الشريف إن “سيطرة الجيش المالي ومرتزقة فاغنر حدث، ولكن ستتبعه أحداث وأحداث”.

وأضاف أغ الشريف أن الأزواديين لن يستسلموا وأمامهم وقت طويل للإرادة والانتصار، وأنهم مصرون على الدفاع عن وجودهم.

وفي تصريح للجزيرة نت، قال مدير إذاعة الصحراء الدولية محمد سيد أحمد إن استعادة مدينة كيدال أمر مهم للحكومة في باماكو في إثبات شرعيتها، وإن تعيين أحد أبناء مدينة الطوارق حاكما لمنطقة أزواد يعتبر رسالة مطمئنة للسكان من أجل الالتفاف حول توجهات الحكومة المركزية.

ويرى ولد سيد أحمد أن الحكومة إذا عملت على خلق نهضة تنموية في الأقاليم الشمالية، فإن ذلك سيسهم في الاستقرار والابتعاد عن خيار الحروب ومآسيها.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *