قالت صحيفة فايننشال تايمز إن هيئة تحرير الشام في سوريا كانت قبل 5 سنوات قوة جهادية محاصرة تقاتل من أجل البقاء، أما الآن فهي معقلها بمحافظة إدلب، تمتلك أكاديمية عسكرية وقيادة مركزية ووحدات متخصصة سريعة الانتشار تشمل المشاة والمدفعية والعمليات الخاصة والدبابات والطائرات المسيرة والقناصة، وحتى صناعة أسلحة محلية.
وبعد سنوات من هجمات نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الجماعة -كما يقول تقرير ريا جلبي من بيروت وأندرو إنغلاند من لندن للصحيفة- أصبحت قدرات الجماعة واضحة من خلال غارتها الجريئة شمال سوريا.
ويقول الخبير آرون زيلين من مؤسسة واشنطن البحثية “لقد تحولت (الهيئة) على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية إلى جيش مصقول بشكل أساسي”.
وذكرت الصحيفة أن الحصول على الأسلحة الأساسية لم يكن صعبا نسبيا بالنسبة لهيئة تحرير الشام، لأن تركيا والدول العربية بدعم من الولايات المتحدة أغرقت سوريا بالأسلحة منذ عام 2011، لدعم المتمردين في الحرب الأهلية ضد النظام المدعوم من قبل إيران.
تصنيع محلي
غير أن التصنيع المحلي، وخاصة المسيرات والصواريخ، هو الذي مكن هيئة تحرير الشام من تشكيل تهديد جديد لنظام يفتقر إلى قدرات مكافحة الطائرات المسيرة، وبالفعل نشرت الهيئة في الأيام الأخيرة لقطات من هجمات انتحارية بطائرات مسيرة على اجتماع للقادة في مبنى للجيش السوري وهجوم آخر على القاعدة الجوية في مدينة حماة وسط البلاد.
وقالت الصحيفة إن قوات المعارضة، داخل دولتها الصغيرة الناشئة التي يبلغ عدد سكانها 3 أو 4 ملايين نسمة، تنتج المسيرات في ورش عمل صغيرة في المنازل أو المرائب أو المستودعات المحولة، معتمدة على الطابعات الثلاثية الأبعاد، وفقا للخبراء.
وقال الباحث بروديريك ماكدونالد من كينغز كوليدج لندن، الذي تتبع استخدام المسلحين للمسيرات هذا الأسبوع، إن المجموعة نشرت في السابق مسيرات صغيرة يمكنها أن تسقط القنابل اليدوية على المركبات المدرعة، وقد استخدموا وفي هجومهم الجاري مسيرات صاروخية محلية الصنع، ونماذج أكبر يمكنها التنقل مسافات أبعد وحمل حمولة أكبر.
وقال آرون زيلين، الخبير في مركز واشنطن للأبحاث إن هؤلاء المسلحين استخدموا المسيرات للمراقبة واستهداف النظام قبل إرسال المقاتلين إلى المعركة، وأشار إلى أنهم أسقطوا منشورات فوق مناطق مدنية لتشجيع الانشقاقات.
واستثمرت هيئة تحرير الشام أيضا -حسب الصحيفة- في إنتاج صواريخ بعيدة المدى وقذائف الهاون، وقد كشف المسلحون، خلال هجومهم، عن نظام صاروخي موجه جديد لا يُعرف عنه سوى القليل، لكن تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط وصفه بأنه “صاروخ ضخم بذخيرة ضخمة في المقدمة”، ويُعتقد أن اسمه “قيصر”.
استلهموا العقائد العسكرية الغربية
استكملت الهيئة أسلحتها -كما تقول الصحيفة- بما انتزعته من مجموعات مسلحة أخرى أو ما استولت عليه من قوات النظام في المعارك.
ويقول ماكدونالد “لقد استولوا على كميات هائلة من المعدات، ليس فقط الدبابات وناقلات الأفراد المدرعة، بل وأنظمة مضادة للطائرات.. لقد حصلوا على نظام بانتسير الروسي الصنع والعديد من الصواريخ المضادة للطائرات، بالإضافة إلى العديد من الطائرات الهجومية الخفيفة”.
و”إذا تمكن هؤلاء المقاتلون من تشغيل أنظمة الدفاع الجوي، فسيؤدي ذلك -كما يقول ماكدونالد- إلى تخفيف أحد التحديات الكبرى التي واجهتها هيئة تحرير الشام والجماعات الثائرة الأخرى، وهو الافتقار إلى دفاع الضربات الجوية الروسية”.
ويصر الخبراء على أن تركيا، الداعم الرئيسي لفصائل المعارضة الأخرى تحت مظلة الجيش الوطني السوري، لا تزود هيئة تحرير الشام بالأسلحة والذخيرة بشكل مباشر، لأنها صنفتها منظمة إرهابية، ولكن بعض مخزون هيئة تحرير الشام الحالي تأخذه من الجماعات المقاتلة التي تدعمها أنقرة في شمال غرب سوريا، بحسب المحللين، وقد لاحظ الباحثون في السنوات الأخيرة، تجارة مزدهرة بين قوات النظام وهيئة تحرير الشام فيما يتعلق بالأسلحة والذخيرة.
واستخدمت هيئة تحرير الشام فترة الاستقرار النسبي لإعادة التفكير في إستراتيجيتها وعقيدتها العسكرية، وتقول الخبيرة دارين خليفة في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، إن هيئة تحرير الشام كانت تحاكي إلى حد ما بنية الجيش السوري، ولكنها أدركت أن هذا النهج يعتمد على الموارد ومجموعات كبيرة من المجندين غير متوفرة لديها، ولذلك “استلهموا العقائد العسكرية الغربية”، حسب الخبير جيروم دريفون، من مركز أبحاث مجموعة الأزمات.