طهران- استيقظت الجمهورية الإسلامية، صباح اليوم الأحد، على نبأ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وخسارتها همزة الوصل في طريقها البري الواصل إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
ورسميا، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية، عصر اليوم الأحد، بيانا حول تطورات سوريا أكدت فيه أن “الجمهورية الإسلامية لن تدخر جهدا لدعم الاستقرار والهدوء في سوريا، ومن هذا المنطلق ستواصل مشاوراتها مع جميع الأطراف المؤثرة وخاصة الإقليميين”.
ويأتي ذلك على وقع تطورات دراماتيكية لازمت الإيرانيين طوال هذا العام، بدءا من تفجيري كرمان في شهره الأول، ثم سقوط المروحية الرئاسية، ثم الاغتيالات التي طالت أقرب حلفاء طهران في محور المقاومة، وصولا إلى تبادل الهجمات المباشرة بين طهران وتل أبيب.
استدراك الموقف
حاولت طهران خلال الأيام القليلة الماضية إدخال تعديلات على سرديتها الإعلامية للتطورات السورية؛ حيث بدأ التلفزيون الإيراني استخدام مصطلح “المعارضة المسلحة في سوريا” بدلا من “المجموعات الإرهابية”، وفوجئ المراقبون في طهران، مساء أمس السبت، من وصف وزير الخارجية عباس عراقجي المعارضة في سوريا بـ”الشرعية” ومطالبته عقد حوار بينها وبين حكومة دمشق.
ورغم العتب الذي عبّرت عنه جهات إيرانية حيال سلوك الأسد في سياق المواجهة مع الجانب الإسرائيلي، ولا سيما عقب عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على لبنان، وعدم تعاون دمشق من أجل فتح جبهة الجولان أمام المتطوعين من فصائل المقاومة، التقى علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني الأعلی الأسد، مساء الجمعة الماضي، في العاصمة السورية للمرة الثانية منذ بدء عملية ردع العدوان.
وعلى وقع لقاء لاريجاني الأسد، عاد إلى واجهة الإعلام الناطق بالفارسية الحديث عن آخر زيارة قام بها الأسد إلى طهران، حيث حذر حينها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ضيفه السوري -الذي جاء معزيا في وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان– من مؤامرة غربية تحاك ضد بلاده، ومنها وعود مغرية لتحييد دمشق من المعادلات الإقليمية.
ومع سقوط الأسد وهروبه إلى جهة مجهولة، بعد أكثر من عقد من حضور المستشارين الإيرانيين الذين تعرضوا باستمرار إلى قصف إسرائيلي على مناطق متفرقة بسوريا دون تحريك دمشق ساكنا لردع العدوان الإسرائيلي، يتساءل الرأي العام عن سبب عدم مشاركة إيران والفصائل المؤيدة لها في معركة النظام السوري مع المعارضة المسلحة.
لا قتال بالنيابة
يقول الباحث السياسي مهدي شكيبائي، إن ظروف سوريا اليوم تختلف عما كانت عليه عام 2011، “حيث كانت المجموعات الإرهابية حينها ترتكب أفظع الجرائم ضد المدنيين” حسب قوله.
وأضاف أن القوات المسلحة التي واجهت القوات النظامية في سوريا مؤخرا تنضوي تحت عباءة المعارضة السورية، “لكنها لم تتخذ من العنف نهجا حتى الآن؛ لذلك لم تعد ترغب طهران في إقحام قواتها بمواجهة الشعب السوري، الذي قد تحتاج إلى فتح قنوات تواصل معه في اليوم التالي”.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال شكيبائي إن الحضور الاستشاري الإيراني في سوريا كان بدعوة رسمية تقدمت بها دمشق قبل نحو أكثر من عقد، وبالرغم من أن طهران لم تدخل تغييرا على سياستها الداعمة لبلاد الشام، فإن الحكومة السورية السابقة لم تطلب دعما عسكريا من طهران هذه المرة.
واستدرك الباحث الإيراني، أنه لا يمكن للمستشارين الإيرانيين الموجودين بسوريا مواجهة المعارضة المسلحة طالما لم يُظهر الجيش النظامي ولا الشعب السوري مقاومة تذكر، مؤكدا أن بلاده “دأبت على تقديم الدعم لحلفائها وليس القتال بالنيابة عنهم”.
وأوضح المتحدث نفسه أن طيفا في إيران كان يرغب بتقديم الدعم الرسمي للعراق الذي قد يتعرض لتهديد مماثل خلال الفترة المقبلة، بدلا من إرسال قوات عسكرية إيرانية إلى سوريا، موضحا أن الجانب العراقي لم يتفاعل بعد مع مقترح طهران لتحييد الخطر عن حدوده الغربية.
وفي السياق، نشرت قناة “محلل” المقربة من جبهة المقاومة على منصة تليغرام، تعليقا لكاتب لم تذكر اسمه، يقول فيه إن “الأسد فوّت فرصة تصحيح أخطائه حيال المقاومة وإيران، وسقطت معه فرصة تشكيل جبهة بقيادته في دمشق وجنوب سوريا”، مضيفا أنه “على ضوء الرسائل التركية بعدم توجه المسلحين نحو العراق ولبنان، رجحت فصائل المقاومة في الجارتين الشرقية والغربية لسوريا الاحتفاظ بمواقعها”.
وأضاف الكاتب أن السلطات السياسية والعسكرية في طهران كانت قد اتخذت قرارا بعدم إرسال قوات عسكرية إلى سوريا لأسباب عدة، منها الوضع الاقتصادي، ناهيك عن أن جميع الطرق الجوية والبرية كانت قد أغلقت بوجهها.
وفيما كشف الكاتب عن محاولات إيرانية في اللحظات الأخيرة لإرسال قوات لضمان أمن العتبات المقدسة في دمشق لكن دون جدوى، حذر من أن “غرفة العمليات الغربية والعربية والعبرية والتركية قد تكون بدأت التخطيط للقضاء على فصائل المقاومة في العراق واليمن”.
وضع جديد
وبعد دخول فصائل المعارضة السورية إلى دمشق وإعلانها سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت الصحافة الفارسية، مهاجمة عناصر مجهولة السفارة الإيرانية لدى سوريا، وقيامهم بتحطيم محتوياتها وتمزيق اللافتات، ومنها صورة كبيرة للجنرال قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، والأمين العام السابق لحزب الله اللبناني حسن نصر الله.
من ناحيته، يرجع القيادي السابق وأحد أبرز مؤسسي الحرس الثوري الجنرال المتقاعد حسين كنعاني مقدم، سبب سقوط نظام الأسد إلى “خطأ في الحسابات ارتكبته طهران ودمشق، بعد دحر المجموعات الإرهابية عن غالبية الأراضي السورية خلال الأعوام الماضية”، مؤكدا أن بعض الجهات المعنية بالملف السوري نكثت تعهداتها في مسار أستانا.
وفي حديث للجزيرة نت، توقع كنعاني مقدم توتر العلاقات بين طهران ودمشق خلال الفترة الانتقالية، مؤكدا أن بلاده سحبت عناصرها ومصالحها من سوريا قبيل انهيار النظام الحاكم، “وستعمل دبلوماسيا خلال الفترة المقبلة على ضمان وحدة الأراضي السورية ومنع تجزئتها أو نشوب حرب أهلية فيها”.
وأشار إلى أن هناك قواسم عديدة تربط الشعبين الإيراني والسوري، معتبرا أن “سقوط نظام الأسد طعنة للقضية الفلسطينية ومحور المقاومة”، مستدركا بأن المحور قد بلغ رشده ولم يعد قائما على أفراد؛ ذلك أن خيار دعم المقاومة والعمل على تحرير الجولان السوري المحتل مطلب شعبي في سوريا، وأن بلاده ستمد يد العون والتعاون إلى الحكومة السورية المقبلة، التي ستجد طهران مستعدة لدعمها، ولا سيما بشأن تحرير أراضيها.
واستدرك كنعاني مقدم، بأن الجمهورية الإسلامية لم تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأنه لا إصرار على التقرب من الحكومة السورية المقبلة إلا برغبة منها، مؤكدا أن بلاده لديها حلفاء بين الشخصيات القيادية والتيارات السياسية في سوريا، وأن علاقاتها المتجذرة بين مكونات الشعب السوري ستعود ولو بعد حين.
وفيما قدّر النائب يعقوب رضا زادة مستحقات بلاده على النظام السوري بـ30 مليار دولار، قال كنعاني مقدم إن الحكومة التي سترث النظام السياسي في سوريا ستكون ملزمة بتعهدات سابقتها، وأن بلاده ستتابع الموضوع عبر القنوات المعنية.