تونس- يعيش عدد من الصحفيين في تونس تحت سطوة التحقيقات الأمنية والملاحقات القضائية والأحكام بالسجن، وهو واقع يعتبره البعض جسيما على حرية التعبير جراء تطبيق قوانين زجرية سالبة للحرية في حقهم، في حين يرى آخرون أن الصحفيين ليسوا فوق القانون متهمين جزءا منهم بارتكاب جرائم.
وتتعلق أبرز التهم الموجهة لهؤلاء الصحفيين بالإساءة للرئيس قيس سعيد أو المشاركة في وفاق إرهابي (مجموعة إرهابية) وإفشاء معلومات لفائدة تنظيم أو أشخاص لهم علاقة بـ”الإرهاب”، وترتكز الاتهامات على أحكام قانون الإرهاب، أو المجلة الجزائية، أو مجلة الاتصالات، أو المرسوم 54 لمكافحة جرائم المعلومات.
ويقول رئيس نقابة الصحفيين التونسيين زياد الدبار إن هناك استهدافا واستسهالا في إحالة الصحفيين على القضاء وسجنهم بموجب قوانين زجرية دون اعتماد القوانين المنظمة للمهنة خاصة المرسوم 115 الذي اعتُمد بعد الثورة في سنة 2011، ولا ينص على عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر.
تخويف وتلفيق
ويضيف الدبار للجزيرة نت أن هناك إرادة سياسية لتخويف الصحفيين عبر تحريك دعوى ضدهم وتوجيه تهم خطيرة لهم ذات طابع إرهابي على خلفية عملهم الصحفي، لافتا إلى تسجيل سلسلة من الملاحقات القضائية تستهدف الصحفيين بلغت أقصاها عام 2023 وبداية السنة الحالية.
من جانبه، يقول الصحفي زياد الهاني -الملاحق قضائيا- إن نظام الرئيس قيس سعيد يسعى منذ فترة للإيقاع به عبر تلفيق شتى أنواع التهم، بسبب أن النظام لا يعترف بحرية التعبير ويسعى لكتم وإخماد كل صوت حرّ ينتقد الرئيس وسياساته وخياراته.
ويضيف للجزيرة نت أن سعيد شرع في البداية في تركيع وسائل الإعلام العمومي من خلال التعيينات بالولاءات والتدخل في الخط التحريري ثم انتقل لتضييق الخناق على وسائل الإعلام الخاصة وتخويف الصحفيين بالملاحقات لإخماد أصواتهم الناقدة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وتطالب النقابة بالكف عن ملاحقة الصحفيين وإطلاق سراح الصحفية شذى بالحاج مبارك المسجونة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021. كما تستنكر منظمات حقوقية ما تعتبره تراجعا خطيرا في الحريات بعد تواتر التوقيفات والمحاكمات التي طالت سياسيين، وصحفيين، ومدونين، ونقابيين.
والعام الماضي تراجعت تونس 27 مركزا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود لتحل في المركز 121 من بين 180 دولة شملها التصنيف. ويعد هذا التراجع انتكاسة حقيقية في حرية التعبير والصحافة (أحد مكاسب الثورة التونسية) التي بدأت تتلاشى، حسب مراقبين.
وإثر أزمة سياسية احتدت سنة 2021 اتخذ سعيد جملة من التدابير الاستثنائية -في 25 يوليو/تموز من العام نفسه- عزل بموجبها حكومة هشام المشيشي، وحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وعزل قضاة، ثم حكم البلاد بصلاحيات واسعة طبقا للمرسوم 117 الذي أصدره آنذاك.
ثم شرع سعيد -الذي تنتهي ولايته من 5 سنوات في الخريف القادم- في تركيز منظومته السياسية الجديدة فألغى دستور 2014 وسن آخر جديدا ألغى به النظام البرلماني وعوضه برئاسي يتمتع فيه بنفوذ قوي، مما غذى مخاوف المعارضة “بتركيز أسس دكتاتورية جديدة”.
تصحيح مسار
لكن أنصار الرئيس سعيد يعتبرون ما قام به تصحيحا لمسار الثورة، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية و”تكالب” الأحزاب على السلطة وتقاسم المناصب والمصالح، متهمين الأحزاب التي كانت تحكم خلال العشرية الماضية بتخريب البلاد وجزء من الإعلام بخدمة أجندات حزبية وتضليل الرأي العام.
وفيما يلي قائمة بأبرز الصحفيين الملاحقين:
- شذى بالحاج مبارك
اعتُقلت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021 في قضية مرتبطة بشركة “إنستالينغو” المتخصصة في إنتاج المحتوى الرقمي، والتي يحاكَم فيها مجموعة من السياسيين منهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بتهمة التآمر على أمن الدولة. وقد نُقلت شذى إلى سجن النساء في المسعدين بمحافظة سوسة (وسط).
وتواجه شذى تهما خطيرة تصل عقوبتها للإعدام بالقانون التونسي من بينها التحريض على أمن الدولة وارتكاب “أمر موحش” ضد رئيس الدولة.
وفي 19 يونيو/حزيران 2023، أصدر قاض حكما بالإفراج عنها، لكن تم رفض هذا القرار من دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بسوسة ليتواصل سجنها إلى الآن.
وفي 15 مارس/آذار الجاري، قررت محكمة التعقيب بتونس تأجيل النظر في قضيتها. وتدفع الصحفية ببراءتها من التهم. وتقول نقابة الصحفيين إن شذى تواجه عقابا، رغم أن الاتهامات المنسوبة إليها لا براهين تثبتها.
- خليفة القاسمي
أودع السجن في الرابع من سبتمبر/أيلول 2023 بعد اعتقاله من قبل فرقة أمنية، ثم تم إطلاق سراحه بقرار من محكمة النقض في السادس من مارس/آذار 2024 في انتظار تحديد جلسة استئناف في قضية اتُهم فيها بإفشاء وتوفير ونشر معلومات لفائدة تنظيم أو أشخاص لهم علاقة بجرائم إرهابية، على خلفية خبر صحفي استقاه من مصدر أمني رسمي حول تفكيك خلية إرهابية في مدينة القيروان (وسط).
وجاء إطلاق سراحه بعد حكم أصدرته محكمة الاستئناف في 15 مايو/أيار 2023 يقضي بالترفيع في العقاب البدني المحكوم به من عام واحد إلى 5 سنوات سجنا.
واتُّهم القاسمي بالإفصاح عن معلومات بشكل يخالف أحكام قانون مكافحة الإرهاب. ويدفع ببراءته وأن الخبر الصحفي الذي نشره جاء في سياق التعريف بالنجاحات الأمنية. ويقول محاموه إن قضيته تشوبها خروقات عديدة.
اعتُقل في 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، وحوكم في العاشر من يناير/كانون الثاني 2024 بتهمة الإساءة للغير أو إزعاج راحتهم عبر شبكة الاتصالات العمومية وفق الفصل 86 من مجلة الاتصالات، على خلفية انتقاده وزيرة التجارة بإحدى الإذاعات الخاصة.
وأصدرت بحقه المحكمة الابتدائية بتونس، في العاشر من يناير/كانون الثاني 2024، حكما بالسجن 6 أشهر مع تأجيل العقاب البدني.
ويقول الهاني للجزيرة نت إنه تم إعلامه بقرار ختم البحث في قضية تتعلق بالأمين العام لحركة النهضة منذر الونيسي -الذي استُدعي كشاهد- بأنه متهم بـ4 تهم خطيرة، وهي تكوين وفاق إرهابي، وإفشاء معلومات لفائدة تنظيم إرهابي، والامتناع عن إعلام السلطات بمعلومات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية، وربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية للإضرار بالدولة التونسية من الناحية الدبلوماسية.
ويُعتبر الهاني أحد أبرز منتقدي سياسة الرئيس قيس سعيد والنظام “الدكتاتوري” قبل الثورة.
صدر في حقه حكم عن المحكمة الابتدائية ببن عروس بالسجن مدة 6 أشهر بتهمة الإساءة للغير عبر شبكة الاتصالات العمومية، وذلك بعد تحريك دعوى قضائية في حقه منذ أكثر من سنة حيث نُسبت له تدوينة نشرتها إحدى الصفحات على فيسبوك يُنكر ارتباطه بها.
ويمثل في الخامس من أبريل/نيسان المقبل في قضية ثانية ذات شبهة إرهابية مرتبطة بالصفحة نفسها، وهو متهم بالمشاركة في وفاق إرهابي وارتكاب “أمر موحش” في حق رئيس الجمهورية.
هو معلق في إذاعة خاصة عُرف بنقده اللاذع لمختلف الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، كما انتقد مرارا أداء الرئيس قيس سعيد خاصة بعد إعلانه تدابيره الاستثنائية.
سيمثل في 16 مايو/أيار المقبل أمام المحكمة في صفاقس (وسط) بموجب المرسوم 54 إثر قضية رفعها ضده مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس بتهمة نشر خبر حول تجاوز جثث المهاجرين الأفارقة النافقين في البحر طاقة استيعاب المشرحة، على فيسبوك.