تقول الأمم المتحدة إن المجاعة من المرجح أن تبدأ بحلول شهر مايو/أيار المقبل. وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون تحت الهجمات الإسرائيلية والحصار الخانق، فإن الاستمرار على قيد الحياة ليوم إضافي مهمة شاقة نتائجها غير مضمونة.
وفيما يلي تروي صحيفة نيويورك تايمز قصة كفاح عائلتين لإبقاء أطفالهما الجائعين على قيد الحياة وكيف أن ذلك ليس بالأمر السهل.
قصة جهاد
جهاد طفل فلسطيني رضيع وُلد في خضم الحرب ولم يتذوق طعاما قط منذ أكثر من يوم؛ لا حليب صناعيا ولا أي شيء البتة.
تقول صحيفة نيويورك تايمز إن والدي جهاد أنفقا آخر ما يملكانه من مال لشراء الطعام، وباعت أمه مصوغاتها لشراء الحليب واستجدَيا الماء من النازحين لخلطه بمسحوق الحليب، لكن حتى ذلك لم يعد ممكنا الآن.
نور بردى وهبة العرقان والدا الرضيع كانا محاصريْن في حجرة تُستخدم لتخزين المواد مع 5 أشخاص آخرين في مستشفى الشفاء بمدينة غزة عندما باغتتهم القوات الإسرائيلية الشهر الماضي.
وقال بردى لمراسل الصحيفة الأميركية إنهم لم يكن لديهم سوى الزعتر وبعض النباتات البرية ليأكلوها، وما يكفي من ماء لترطيب أفواههم من حين لآخر، فقط. وكان دوي الرصاص في الخارج يُسمع؛ فقد حاصر الجنود الإسرائيليون المبنى وطلبوا من الأشخاص المحتمين بداخله البقاء في أماكنهم وعدم التحرك.
تقول الصحيفة في تقريرها إن مستشفى الشفاء هو المكان الذي وُلِد فيه جهاد قبل 5 أشهر، وهي الفترة التي قضاها والده في البحث طوال اليوم عن القليل من الطعام، وكاد يُطعن بسبب حفنة طحين. ولم يكن بوسع والديه سوى الجلوس بجانبه والنظر إليه وهو يتضور جوعا. فقد كانت والدته هي الأخرى جائعة، ولم يكن في ثديها حليب لترضعه.
وبعد يومين طفح بهما الكيل ذلك أن جهادا لم يتذوق طعاما منذ 28 ساعة، فأمسكا بـ”فانيلته” -شِعاره- البيضاء المتسخة ووضعاها فوق عصا المكنسة وحضنا طفلهما وتوجها به صوب الجنود الإسرائيليين.
وقالا إنهما غادرا إلى جنوب قطاع غزة في نفس اليوم مع مدنيين آخرين فرارا من اقتحام الجيش الإسرائيلي المستشفى. أما شمال القطاع حيث كانت الأسرة تعيش قبل الغزو الإسرائيلي، فإن الحرب تركته تحت وطأة المجاعة.
وفي غزة، حيث قطعت إسرائيل معظم إمدادات المياه والغذاء عن القطاع قبل الحرب التي جعلت فلاحة الأرض شبه مستحيلة، تتوقع الأمم المتحدة أن تحل المجاعة بنهاية مايو/أيار المقبل.
وتُلقي منظمات الإغاثة والعديد من الحكومات اللوم على القيود الإسرائيلية القاسية على المساعدات المقدمة لغزة. ووعدت إسرائيل، التي اتهمت الأمم المتحدة في السابق بالفشل في توزيع المساعدات بشكل مناسب، مؤخرا بزيادة المساعدات بعد أن واجهت ضغوطا خارجية هائلة.
وقد قدرت أوكسفام، وهي منظمة إغاثة بريطانية، أن مئات الآلاف من الناس في شمال غزة المغلق منذ أشهر، سيكابدون للبقاء على قيد الحياة بتناول قليل من الطعام لا يمنحهم سوى 245 سعرة حرارية في اليوم.
ونقلت الصحيفة في تقريرها عن بردى البالغ من العمر 24 عاما أن “ما أجبرني على (رفع الفانيلة فوق عصا المكنسة) والتوجه نحو الجنود هو خوفي من أن يموت طفلي الصغير جوعا”.
ووفقا لمسؤولي الصحة المحليين، فإن الأطفال في غزة يموتون بالفعل بسبب نقص الغذاء، فقد قضى نحو 28 طفلا تقل أعمارهم عن 12 عاما نحبهم بسبب سوء التغذية في المستشفيات وذلك حتى 17 أبريل/نيسان الجاري، من بينهم 12 طفلا لم تتجاوز أعمارهم شهرا. هذا بخلاف عشرات آخرين ماتوا على الأرجح خارج المراكز الطبية.
قصة مهند
وتناولت نيويورك تايمز قصة طفل آخر يُدعى مهندا النجار، الذي ولد قبل الحرب، ولم يكن قد بلغ مرحلة التسنين بعد عندما اندلع القتال.
وبعد أن لجأت عائلته إلى مدرسة بالقرب من منزلهم في خان يونس، جنوب غزة، قالت والدته هناء النجار، إنها أطعمت مهندا مسحوق الحليب الذي جاء في الأصل من الأمم المتحدة، واشترته مع الماء من الباعة بسبب عدم وصول المساعدات.
غير أن الحليب الذي اشترته كان قد نفد عندما حاصر الجنود الإسرائيليون المنطقة في فبراير/شباط الماضي، فبدأت هناء إطعام مهند الخبز المغمس بالفاصوليا المعلبة وحساء العدس الذي توزعه منظمات الإغاثة إذ لم تكن هناك وجبات طازجة ولا خضروات.
ويوما بعد يوم، لم يكن هناك سوى الأطعمة المعلبة فقط، التي يحذر أطباء الأطفال من إطعامها للرضع لأنها لا تغذيهم بشكل صحيح حيث إنهم بحاجة إلى طعام طازج وفيتامينات.
وفي فبراير/شباط، أمرت القوات الإسرائيلية بإخلاء الملجأ. وقالت السيدة النجار إنه عندما غادرت الأسرة، اعتقل الجنود زوجها. بحثت هي وأطفالها الأربعة عن ملجأ بدونه، وانتهى بهم الأمر في نهاية المطاف في خيمة برفح، أقصى جنوب غزة.
وأوضحت نيويورك تايمز أنها لم تتمكن من التحقق من ظروف احتجاز زوجها، ناقلة عن هناء النجار القول إن طفلها مهندا كان بكامل صحته، ولكن عندما بلغ 20 شهرا تقريبا من العمر، فقد شهيته ولم يعد يتناول كثيرا من الطعام، وتوقف عن المشي تقريبا.
وأضافت أن طفلها كان يشرب كثيرا من الماء، إلا أن أقصى ما يمكن أن تقدمه له الآن لا يزيد عن مقدار فنجاني شاي في اليوم.
وقالت إن مهندا وابنها البكر محمدا (7 سنوات)، ما لبثا أن أُصيبا بالحمى، فاستعانت بشقيق زوجها، جميل، لمساعدتها على علاجهما. فكانوا يتنقلون من مستشفى إلى آخر قبل أن يصلوا إلى مستشفى غزة الأوروبي، حيث أخبرهم الأطباء أن الطفلين يعانيان من الجفاف والحمى.
وبدأت صحة محمد بالتحسن ليخرج من المستشفى بعد 4 أيام من تلقيه سوائل بديلة. أما مهند فلم تتحسن حالته إذ رفض تناول الخبز والبرتقال الذي قدمته له والدته.
وقال طبيب الأطفال منتصر الفرا الذي أشرف على علاجه، إن وزن مهند كان 11 رطلا أي نصف ما كان يُفترض أن يكون عليه، وانتفخت بعض أعضاء جسمه بشكل غريب وكان البعض الآخر أشبه بالهيكل العظمي، مما يوحي بنقص حاد في البروتين.
وتمضي الصحيفة الأميركية إلى القول إن الأهالي في شمال غزة بلغوا حدّا من اليأس لدرجة أن شاحنات المساعدات القليلة التي وصلت عادة ما تسببت في حالة من الفوضى والتدافع.
ونقلت عن نور بردى والد الطفل جهاد القول إن الكل كان يخاطر بحياته من أجل الحصول على كيس من الطحين، وإنه كان يخشى في تلك اللحظات أن يموت دهسا تحت عجلات الشاحنات أو أن يُقتل على يد الجنود الإسرائيليين.
وفي مستشفى ميداني برفح منتصف مارس/آذار الماضي، أعطى الأطباء مهندا النجار حليبا معززا ومكملا غذائيا يحتوي على الفول السوداني، وطلبوا من والدته إعادته بعد أسبوع لإجراء فحص طبي.
وبعد يومين، تمكن من تناول بعض من علبة الفول السوداني وشرب بعض الحليب، بالإضافة إلى كمية من الماء أكثر من المعتاد، وهي علامة جيدة. وقالت السيدة النجار إنها تركته نائما لبضع ساعات في خيمة أخت زوجها، حتى لا يزعجه الذباب.
وقالت إنها عندما عادت، بدا أن هناك شيئا ما غير مألوف قد حدث. حاولت أن تعطي مهندا القليل من الحليب المعزز، لكن وجهه الصغير كان قد ابْيَضَّ.
صرخت وركضت لتجد زوج أختها. وأضافت أنهم جربوا مستشفيين قبل أن يُدخله الأطباء وحدة العناية المركزة في مستشفى غزة الأوروبي، حيث أعطوه الأكسجين.
ولكنها عندما عادت إلى المستشفى للاطمئنان على وليدها، كان مهند قد فارق الحياة. وفي غمرة حزنها على مهند لا يزال القلق يساور هناء النجار على طفلها البكر محمد، الذي لم يعد يأكل ما يقيم أوده من طعام.