نشرت مجلة نيويوركر الأميركية مقالا طويلا للكاتب سام نايت تضمن جردا لإخفاقات حزب المحافظين البريطاني خلال الـ14 عاما الأخيرة، التي هيمن فيها على مقاليد الأمور في البلاد.
ووفقا للكاتب المقيم في العاصمة البريطانية لندن، فقد تجلت إخفاقات الحزب في انخفاض مستويات المعيشة، كما استنفدت مشاكل بعيدة المدى طاقة الدولة. ورأى أن بريطانيا لن تستطيع شق طريقها دون أن تتصدى للضرر الذي أحدثه المحافظون.
يُذكر أن المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون عادوا للسلطة في 2010، وشكلوا حكومة ائتلافية مع الديمقراطيين الأحرار.
أزمة دستورية نادرة
ومنذ عام 2015، انفرد المحافظون بالسلطة، إلا أن ما ميز تلك الحقبة أنها خلت من شخصية مهيمنة أو مشروع سياسي علني، وشهدت تقلبات متسارعة تمثلت في اعتلاء 5 رؤساء وزارة سدة الحكم، وجرت خلالها 3 انتخابات عامة، ووقعت أثناءها أزمتان ماليتان طارئتان وأزمة دستورية لا تحدث سوى مرة واحدة في القرن، وخيمت فيها مشاكل طويلة الأمد أثقلت كاهل البلاد، على حد تعبير المقال.
وقال نايت إن الاستفتاء الشعبي الذي نظم يوم 23 يونيو/حزيران 2016، وأسفر عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما عُرف باسم “بريكست”، تسبب في انقسام الرأي العام بين مؤيد ومعارض.
ووصف الكاتب القرار بأنه “نزوة” من نزوات المحافظين أو “كابوس”، إذ كان حافزا لبعض من أسوأ التيارات السياسية التي اتصفت بالسطحية والحنين إلى الماضي والميل لممارسة الألاعيب السياسية، الأمر الذي أنهك الطبقة السياسية البريطانية وجعلها غير مهيأة لمواجهة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) والصدمات الاقتصادية المزدوجة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا ورئاسة ليز تراس القصيرة للحكومة التي لم تتجاوز 49 يوما.
من إمبراطورية إلى مستعمرة
ويصر بعض الناس على أن السياسة البريطانية على مدى العقد ونصف العقد الماضيين لم تكن مُرضية، بحسب نايت ناقلا عن الصحفي الأيرلندي فينتان أوتول -في كتابه “الفشل البطولي”- أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعد انحطاطا من مستوى “دولة إمبراطورية” إلى “مستعمرة محتلة” من قبل الاتحاد الأوروبي.
ومع إقراره بأن كل هذه التوصيفات صائبة تماما، إلا أن نايت أعرب عن خشيته من أنها تطمس حقيقتين أساسيتين حول التجربة البريطانية في ظل حكم المحافظين منذ عام 2010.
الحقيقة الأولى -من وجهة نظر الكاتب- هي أن بريطانيا ظلت منذ ذلك الحين تعاني بشدة، فقد كانت تلك سنوات من الضياع وهدر الفرص، ولم تتعاف البلاد بعد من الأزمة المالية التي بدأت عام 2008، حتى إنها أصبحت أسوأ فترة لنمو أجور العاملين في الدولة منذ الحروب النابليونية التي اندلعت في أوروبا في بواكير القرن التاسع عشر خلال فترة حكم نابليون بونابرت لفرنسا.
ومع ركود معدلات الأجور، تدهورت مستويات معيشة الناس، وهذه هي الحقيقة الثانية التي انجلت بوضوح في حياة البريطانيين طوال هذه الفترة، حسب اعتقاد نايت الذي ينحي باللائمة في ذلك على حزب المحافظين وحده.
ومن الدلائل التي يستند إليها مقال نيويوركر في تراجع الاقتصاد البريطاني، أن تمويل الحكومة المركزية للسلطات المحلية انخفض بنسبة 40% ما بين عامي 2010 و2020.
انحراف عن المسار
ولا تزال تأثيرات سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة البريطانية ماثلة، فقد فاقم سحب شبكة الأمان الاجتماعي -الهادفة لتخفيف وطأة الإجراءات الاقتصادية على المجتمعات- والتي تضررت بالفعل من العولمة، من الإحساس بأن الدولة تنحرف عن مسارها.
وفي نظر كاتب المقال، فقد تبيّن أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة “ثقب” أكثر منه “كارثة”، حيث حدث تراجع في حركة التجارة، وعودة البيروقراطية “المنسية” مع جيرانها القريبين، وهجرة الوظائف المالية من لندن، واختلال التوازن في العالم.
ومضى نايت إلى القول إن ريشي سوناك -وهو خامس رئيس وزراء محافظ، “وربما الأخير” منذ تولي حزبه مقاليد الحكم في 2010- يواجه انتخابات في وقت لاحق من هذا العام، التي يكاد يكون في حكم المؤكد أنه سيخسرها.
إضاعة فرص ثمينة
وأضاف أن سوناك قوّض في سبتمبر/أيلول الماضي العديد من الأهداف الأساسية لسياسة البلاد فيما يتعلق بظاهرة تغير المناخ. وبعد بضعة أسابيع، ألغى ما تبقى من مشروع القطار السريع “إتش إس 2″، الذي كانت بريطانيا تراهن عليه ليصبح فخر السكك الحديدية وأكبر مشروع للبنية التحتية في أوروبا.
وأشار مقال نيويوركر إلى أن استطلاعا للرأي أُجري يوم 14 يناير/كانون الثاني الماضي، أظهر أن حزب المحافظين في طريقه لتكبّد هزيمة ساحقة في الانتخابات المزمع إجراؤها في وقت لاحق من العام الحالي.
ويبقى السؤال -في رأي الكاتب- هو: أي شكل من أشكال العلاقة السياسية المشتركة بين الحاكم والمحكوم سيتركه حزب المحافظين وراءه؟