قالت مجلة نيويوركر إن تطهير غزة من الذخائر والأنقاض يشكل تحديا لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وإن ما سقط فيها من الصواريخ والقنابل غير المنفجرة يشكل خطرا كبيرا إذا عاد السكان إلى شمال القطاع.
وقدر تشارلز (مونغو) بيرش، المشرف الأممي في دائرة الأعمال المتعلقة بالألغام في الأراضي الفلسطينية -في مقابلة مع المجلة الأميركية- أن في غزة نحو 37 مليون طن من الأنقاض، وأن الكثير منها يضم ذخائر قابلة للانفجار.
وأشار بيرش إلى أن 87% من القطاع مناطق حضرية، وأن تطهير المناطق الحضرية مكلف للغاية ويستغرق وقتا طويلا، مؤكدا أن عدد الصواريخ والقنابل غير المنفجرة التي سقطت في غزة أكبر من أي مكان آخر في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، لذا من المحتمل أن تكون هناك مستويات هائلة من التلوث.
مخاطر كثيرة
وعند وصفه لأسباب صعوبة تطهير المناطق الحضرية، أشار الخبير الأممي إلى ما يرتبط بالأنقاض من المخاطر الكثيرة، مثل وجود نحو 800 ألف طن من الأسبستوس، وهو مادة مسرطنة كانت تستخدم في البناء، ومثل الرفات البشرية، إذ يقدر أن هناك آلاف من جثث الشهداء العالقة التي لا بد من التعامل معها بطريقة إنسانية رغم خطورتها، إضافة إلى المخاطر الناجمة عن المواد الكيميائية والعمليات الصناعية، وأقسام الأشعة والنفايات البيولوجية في أنقاض المستشفيات.
ولذلك فعملية التخلص من الأنقاض بطيئة للغاية وتستغرق وقتا طويلا وتتطلب فنيين ماهرين جدا، خاصة أن الوضع في غزة لا يسمح بتدريب الفلسطينيين على تقنيات التخلص من الذخائر غير المتفجرة أو أي شيء من هذا القبيل، وهو ما يعني أن كل العمل سيقوم به موظفون دوليون، وهو أمر مكلف للغاية، حسب بيرش.
ويتعلق القيام بمثل هذه المهمة بالمسؤول عن إعادة البناء -حسب بيرش- ويمكن أن تقوم بها دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام أو إحدى المنظمات غير الحكومية أو شركات تجارية، ولأن الأمر يشكل تحديا كبيرا قد يكون من الضروري أن يتعاون عليه الجميع، خاصة أن هناك جبهة أخرى في أوكرانيا يتعين العمل فيها.
ومن الواضح أن هناك العديد من المشاكل المروعة في غزة، ولكن كيفية جعل غزة صالحة للعيش في مرحلة ما في المستقبل، والعمل على سلامة الأشخاص الذين بدؤوا في العودة إلى المنطقة المليئة بهذه الذخائر، تشكل أولوية كبيرة بالنسبة لدائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، وفق المتحدث نفسه.
وفيما يتعلق بالمخاطر الأمنية، ليس هناك الكثير مما يمكننا القيام به، وكل ما نستطيع -حسب بيرش- هو التوعية بمخاطر الذخائر المتفجرة، بحيث يكون الناس على الأقل مجهزين ببعض الأفكار، وبعض الرسائل الأساسية حول السلوك الآمن، مثلا “إذا رأيت شيئا غير معروف فلا تلمسه” ونحو ذلك، وقد تم توزيع بعض المنشورات والملصقات في الملاجئ في هذا السياق.
أما بالنسبة لإعادة البناء، فلا يمكننا في الوقت الحالي التأكد مما هو مطلوب لعدم وجود صورة دقيقة للتلوث، خاصة أنه لا يزال من غير المعروف كيف ستتم إعادة بناء غزة أو من سيدفع تكلفة ذلك.
عملية بطيئة ومكلفة
وبالفعل استضاف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن، اجتماعا قبل بضعة أسابيع، للحديث عن إزالة الأنقاض، وكان اليوم الأول عن مجرد المخاطر المرتبطة به وكيف يمكن القيام به، وقد لوحظ أن إزالة الأنقاض ستستغرق 14 عاما إذا عملت 100 شاحنة على حل المشكلة.
ولعل ما تعلمته دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في العراق من عملياتها الجارية في تطهير الموصل، سيكون أحدث مثال على منطقة حضرية تعرضت لأضرار كبيرة بهذا الشكل، ولكن الدرس المستفاد منه -حسب بيرش- هو أن كل شيء في مثل هذا المشروع الكبير، يكلف ضعف ما خطط له ويستغرق ضعف الوقت المقدر.
غير أن الأمر في غزة يشكل تحديا كبيرا للغاية -حسب المسؤول الأممي- لأنه لم يلق في مسيرته المهنية أمرا مشابها، خاصة في المنطقة الوسطى وشمال غزة لما لحق بالبنية التحتية والمساكن من أضرار، وحيث توجد غالبية هذه الأنقاض المقدرة بـ37 مليون طن.
وأوضح بيرش أنهم يتطلعون إلى جمع الأموال، رغم ميوعة السياق الذي يتغير كل يوم، كما أنهم حريصون على سلامة موظفيهم، موضحا: “نحن نتطلع إلى جلب المعدات المزدوجة الاستخدام حتى نتمكن من إجراء عمليات التطهير، التي لم ننجح فيها حتى الآن”، خاصة أن الإسرائيليين يرون أن بعض المعدات يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، لذا فلن يسمحوا بدخولها.