أفاد تقرير بموقع “موندويس” الإخباري الأميركي أن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة لتهجير سكانه الفلسطينيين لم يسبق لهذا الجيل، ولا جيل الآباء ولا حتى الجيل الذي نجا من النكبة، أن رأوا مثيلا لها في حياتهم.
وقال مراسل موندويس في غزة طارق حجاج -في تقريره- إن جيل “النكبة الجديدة” يستهل حياته العام الجديد وقد تغيرت أحوال القطاع بفعل الحرب.
وروى كيف أن جيله كان يبدأ العام الجديد بروح عالية واحتفالات وزيارة الأقارب وقضاء الوقت مع العائلة، “فأي مناسبة تجعلنا نشعر بأننا على قيد الحياة، وتساعدنا على نسيان واقع الحياة اليومي تحت حصار لا يرحم، هي مناسبة محل ترحيب”.
واسترسل حجاج في ذكر تفاصيل ترحيب فلسطينيي غزة بالعام الجديد، إذ كانت للعائلات تقاليدها الخاصة للاحتفال به حسب خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
مآسي الحرب
فأشار حجاج إلى أن عائلة أبو الوفا، مثلا، كانت تتجمع في منزلها بمنطقة توام شمالي غزة، وتتحلق حول شجيرات الياسمين ذات اللونين الأبيض والأصفر، وعشرات أوعية الصبار التي زرعتها زوجته، وتقيم الولائم.
لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث هذا العام، ليس لأن أبو الوفا غادر إلى فرنسا حيث يقيم، ولا لأن منزله دُمر وسُوِّي بالأرض، بل لأن الحرب شردت الناس جميعا.
ويقول حجاج إن أمنية العام الجديد الوحيدة هذه المرة لأي شخص في غزة هي أن تضع الحرب أوزارها، وزاد “إنها حرب لم ير أحد في غزة أو فلسطين مثيلا لها من قبل”، سواء من ينتمي منهم لهذا الجيل أو الجيل الأكبر سنا، أو حتى جيل النكبة.
ويحكي زكي سلامة (82 عاما) -لكاتب التقرير- أنه كان في السابعة من عمره عندما حدثت نكبة 1948، واضطر حينها إلى النزوح من قريته (يبنا) خارج يافا، واستقر في مخيم للاجئين سُمي على اسم قريته وسط مدينة رفح في غزة.
ويقول سلامة إنه لا يزال يذكر النكبة “وهي أبعد ما تكون عما أحدثته الحملة الهمجية الإسرائيلية في غزة اليوم من دمار وقتل وترويع”.
وكأن الفلسطينيين كُتب عليهم أن يعيشوا حياتهم في هروب دائم من الموت والضياع، وأن يولدوا تحت الأنقاض أو في مخيم للاجئين، وأن يظلوا بلا وطن إلى الأبد، حسب تعبير حجاج.
الأسوأ لم يأت بعد
ويتناول التقرير أيضا حياة أسرة محمد عويس (56 عاما)، التي تعتقد أن الأسوأ لم يأت بعد.
غادر عويس منزله في منطقة الشجاعية شمال غزة، واضطر إلى النزوح عدة مرات حتى استقر به المقام أخيرا في رفح جنوب القطاع. وطوال الحرب، شهد مأساة تلو الأخرى، وتعايش مع الموت وكان في كل مرة تُكتب له الحياة.
وفي فترات توقف النزوح القصيرة، عندما يلوذ الناس بمرافق الإيواء التابعة للأمم المتحدة، وساحات المدارس يتبادلون فيها الأحاديث عن محنتهم، فإن الشعور السائد لديهم هو أن غزة سوف تُمحى بالكامل من الخريطة، وأنهم سيُطردون إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
وباتت رفح الآن محور “نكبة” غزة الجديدة، إذ تؤوي أكثر من 1.5 مليون نسمة من كل أنحاء القطاع. ورغم الفقر المدقع الذي ظل معظم الفلسطينيين يرزحون تحته طوال حياتهم، فإنه كانت لديهم منازل يعودون إليها في نهاية اليوم، لكنهم فقدوا الآن حتى تلك البيوت.
الشيء الوحيد الذي يشغل بال معظم الفلسطينيين -والحديث لحجاج- هو إلى أي مكان سيذهبون؟ هل إلى مكان آخر في غزة أم إلى المنفى؟
وبنبرة لا تخلو من حسرة، قال حجاج إن المستقبل الوحيد المطروح أمام الفلسطينيين هو تكرار دورة التهجير والتطهير العرقي التي لم تنته منذ نكبة عام 1948.