أوضح تقرير نشره موقع “نيو ريبابليك” أن انبعاث “مكارثية جديدة” ضد اليهود المعادين للصهيونية، الذين لا يخفون تأييدهم لحقوق الفلسطينيين، باتت تؤرق كثيرا من الأميركيين الذين لا يزالون يتذكرون بألم ما حدث في خمسينيات القرن الماضي.
وتنتسب المكارثية -وتعرّف بأنها سلوك يوجّه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة- إلى جوزيف مكارثي عضو الكونغرس الأميركي في الخمسينيات، الذي اتهم المئات من الشخصيات الأميركية بالانتماء إلى التيار الشيوعي المؤيد للاتحاد السوفياتي السابق، مؤكدا أنهم عملاء يعملون بالوزارت الحكومية وعلى رأسها وزارة الخارجية، لكنه لم يقدم أي أدلة.
ولقي توجهه تأييدا في البدايات بسبب المخاوف من انتشار المد الشيوعي الذي حقق انتصارات كبيرة في الخمسينيات تحديدا، لكن سرعان ما تنبه الأميركيون لخطورة هذا الأمر، فنبذوا مكارثي وأُقصي من الحياة السياسية.
حرية تعبير؟
وذكر تقرير نيو ريبابليك بأنه على الرغم من وجود اختلافات حقيقية بين اللحظة الحاضرة ولحظة الخوف من الزحف الشيوعي الأحمر في أواسط القرن الماضي، فإن الآلاف من الأميركيين لا يزالون يرون أنفسهم مجبرين على إثبات ولائهم للبلاد، خاصة من المدافعين عن الحقوق المدنية وعن حرية التعبير.
وضرب التقرير مثلا باضطرار رئيستي جامعتي هارفارد وبنسلفانيا للاستقالية من منصبيهما، بعد إخفاقهما في تقديم إدانة واضحة لاحتجاجات الطلاب بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأقدمت رئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي على التنحي من منصبها عقب تعرضها لضغوط وانتقادات؛ بسبب رؤيتها أن المظاهرات ضد إسرائيل داخل الحرم الجامعي ضمن نطاق “حرية التعبير”.
كما استقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماغيل من منصبها في أعقاب موجة انتقادات واسعة شملتها، على خلفية جلسة استماع في الكونغرس بشأن “معاداة السامية”.
وحسب تقرير نيو ريبابليك فقد أكدت منظمة “فلسطين القانونية” -وهي منظمة غير ربحية تقدم الدعم القانوني للمتضامنين مع فلسطين- تسجيل ارتفاع كبير في عدد القضايا التي تواجهها، كما سجل إلغاء النشاطات الثقافية المؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء البلاد.
مكارثية جديدة
ويرى من يؤيد فلسطين في ذلك انبثاقا لمكارثية جديدة تستهدف حقهم في التعبير، مؤكدين أن الجهود المبذولة لإسكات أصواتهم تنشط الآن بحماسة وكثافة ملحوظة.
وعلى الرغم من أن كثيرا من الأفراد وبعض الهيئات المعادية للصهيونية هم من اليهود، إلا أن ذلك لم يحمهم من التعرض لانتقادات لاذعة، ولاتهامات بمعاداة السامية لمجرد أنهم طالبوا بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة.
وأبرز التقرير بأن رابطة مكافحة التشهير (في واشنطن) وصفت الجماعات المعادية للصهونية بأنها معادية للسامية، وهي التهمة ذاتها التي وجّهتها للمسيرات التي قادها يهود للمطالبة بوقف إطلاق النار.
ولم تكتف بذلك بل أدرجت المسيرات المؤيدة للفلسطينيين في تقريرها عن الحوادث المعادية للسامية.
وقد أثمرت ضغوط الهيئات المؤيدة لإسرائيل في إصدار مجلس النواب الأميركي قرارا مثيرا للجدل في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يقضي بأن معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية.
تشابه تام
ونقل الموقع الأميركي عن الأستاذة بجامعة نيويورك والمتخصصة في الدراسات اليهودية هاسيا دينر قولها إن ما حدث مع اليهود في الولايات المتحدة في الخمسينيات لطرد الشيوعيين من صفوفهم يشبه إلى حد كبير ما يحدث الآن، مبرزة أن هذا الهجوم على المخالفين في الموقف السياسي -وقتئذ والآن على حد سواء- يمكن تفسيره بالخوف.
“أنا مثلا دائما يقولون لي: نود منك أن تتحدثي إلينا، لكن المشكلة أنك معروفة بأنك معادية للسامية، وفي نظري هذا يشبه ما كان يجري في الخمسينيات عندما كان بعض الناس يُسأل: هل سبق لك أن كنت شيوعيا؟”.
وتابعت بأن الخطاب متشابه جدا، ويظهر للبعض أن الحياة اليهودية غير آمنة لدرجة أنه كان لا يمكن لأحد أن يمتدح التجربة السوفياتية دون التعرض لهجمات واتهامات، مثلما لا يستطيع أحد الآن أن يتحدث عن أنه “لا ينبغي لنا أن تكون هناك دولة يهودية قائمة بذاتها، بل دولة تضم الجميع”، دون أن يخشى سهام النقد والاتهام ذاتها.
كما نقل نيو ريبابليك عن ستيفاني فوكس، المديرة التنفيذية لمنظمة “الصوت اليهودي لأجل السلام”، قولها إن التنظيم اليهودي المناهض للصهيونية أصبح حقيقة واقعة وينمو يوما بعد يوم، وذكرت أن العديد من اليهود من مختلف الأعمار يؤكدون أنهم باتوا أقدر على رؤية ما يجري بوضوح، ويعبّرون عن رغبتهم في أن يكونوا إلى جانب العدالة والحرية.
وتساءل كاتب التقرير عن السبب الذي يمنع يهوديا من أن يتحدث كونه يهوديا ومن حقه أن يختلف، ويعبّر عن رأيه دون خوف من أن يُتّهم هو نفسه بمعاداة السامية.