موعد “العملية السياسية” يفجر جدلاً بين الفرقاء السودانيين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

تصاعد الجدل في الأوساط السياسية السودانية، إثر إعلان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال زيارته لقواته في ولاية القضارف بشرق البلاد، بأنه لن تكون هناك عملية سياسية إلا بعد انتهاء الحرب، والقضاء على تمرد قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وهو ما عدته قوى معارضة محاولةً لتعطيل العملية السياسية، وإبعاد القوى المدنية، واستمرار العسكر في السلطة والمشهد السياسي.

وفي موقف آخر، ذكر نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، في تصريح عقب لقائه الرئيس الرواندي بول كيغامي في العاصمة كيغالي، الاثنين، أن “الحكومة لا تمانع الانخراط في أي عملية سياسية، بشرط المحافظة على سيادة السودان وأمنه القومي، وأن تكون شاملة، بلا إقصاء لأي مكون من الشعب السوداني”.

ومنذ اندلاع القتال في الخرطوم في منتصف أبريل/نيسان الماضي، انخرط وسطاء في جهود لوقف الحرب، وجرى توافق أميركي سعودي أن يكرس منبر جدة للمفاوضات بين طرفي القتال بشأن الأوضاع الإنسانية وحماية المدنيين والترتيبات العسكرية لوقف الحرب، وأن لا يشمل أي جوانب سياسية.

وبينما أقر الاتحاد الأفريقي خريطة طريق لحل الأزمة السودانية، تشمل وقفا فوريا شاملا للأعمال العدائية، والاستجابة الإنسانية الفعالة لتداعيات النزاع، واستكمال العملية السياسية الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف السودانية، وتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية، لكن وبسبب تعليق عضوية السودان في المنظمة الأفريقية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، لم تتعاطَ الخرطوم مع الخطة.

ويعتقد مراقبون أن الطريق الأقصر لحل الأزمة السودانية يستند على اتفاق أطراف النزاع على وقف العداء لفترة لا تقل عن 6 أشهر، لاستعادة الهدوء وعودة المواطنين النازحين وانسياب الخدمات، ثم عقد حوار سوداني-سوداني للتوصل إلى تسوية سياسية، ثم إقرار وقف شامل لإطلاق النار وترتيبات أمنية وعسكرية مستدامة.

أهداف البرهان

يرى القيادي في حزب التحالف السوداني وقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، ماهر أبو الجوخ، وجود ضرورة للتلازم بين العملية السياسية والوقف الدائم لإطلاق النار؛ بإعتبار أن الإجراءات والترتيبات المرتبطة بالاتفاق النهائي لوقف إطلاق النار فنيا هي مسألة عسكرية، أما تنفيذها فهو إجراء سياسي تقوم به الحكومة المدنية، لكونها تفضي للتأسيس الدستوري للبلاد.

ويقول أبو الجوخ للجزيرة نت إن “قائد الجيش يريد من موقفه تحقيق أمرين؛ أولهما ضمان إبعاد القوى المدنية غير المسلحة من أي وجود يتعلق بإجراءات إنهاء الحرب، وثانيهما تأخير العملية السياسية لأطول مدى ممكن، على أمل إقحام مشروعه الخاص باستمرار وجود الجيش في المشهد السياسي الدستوري، على عكس ما أعلنه في يوليو/تموز 2022 بخروج الجيش منه”.

ويوضح أبو الجوخ أن “ما يرمي البرهان إليه لا مجال أو خيار لتحقيقه، إلا بجعل العملية السياسية لاحقة لإنهاء الحرب، حيث يسعى قائد الجيش لتمرير استمراره في السلطة الدستورية مجددا من خلال اتفاق إنهاء الحرب”.

ويكشف القيادي أن قائد الجيش طلب من الرئيس الكيني وليام روتو خلال زيارته نيروبي مؤخرا، العودة للعمل بموجب أحكام الوثيقة الدستورية لعام 2019، والتي تأسست على الشراكة بين العسكريين والمدنيين في مجلس السيادة، ولكن هذا المقترح تعثر بسبب رفض القوى المدنية، وتمسكها بضرورة خروج العسكريين من السياسة بشكل كامل، وانصرافهم لأداء مهامهم الدستورية وخضوعهم لمؤسسات الحكم المدني الدستوري.

صراع على السلطة

ويعتبر المحلل السياسي رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن عبارة “العملية السياسية” يُنظر إليها من كل طرف بحساب مآلات السلطة بعد الحرب، وإمكانية تعظيم مكاسبه منها.

وفي حديثه للجزيرة نت يقول ميرغني إن “تحالف تنسيقية القوة الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة عبد الله حمدوك يسعى لعملية سياسية تعيده إلى السلطة بعد الحرب، ويرفض بصورة قاطعة تشكيل أي حكومة قبل ذلك؛ حتى لا تضعف فرصها”.

وحسب ميرغني فإن الزاوية نفسها ينظر بها البرهان وقوى سياسية تسانده، ترى أن الحرب أعادت ترسيم المشهد السياسي السوداني على واقع جديد، يمنح ميزة تفضيلية للقوى السياسية التي ناصرت الجيش، بل قاسمته الدماء والخنادق.

ويعتقد المحلل أن “الحرب في الأساس عمل سياسي، ولا يمكن فصلها من الأطروحات السياسية لمختلف التيارات، وأنه من المهم أن تبدأ القوى السياسية نشاطها في اتجاه إنهاء الحرب، وتشكيل المستقبل السياسي منذ الآن، والأسلم أن تشكل حكومة تنفيذية للإشراف على المفاوضات بين الطرفين المتحاربين، مع إدارة الشأن المدني المتعلق بالدولة، وتقديم الخدمات للمواطن”.

مرحلة تأسيسية

ويقول المتحدث باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) أسامة سعيد إن “خريطة الطريق التي طرحها التحالف لحل الأزمة حددت التوصل أولا إلى وقف العداء عبر تفاوض مباشر بين الجيش وقوات الدعم السريع، ثم انطلاق عملية سياسية في اتجاه وقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء الحرب بإنهاء أسبابها وجذورها”.

ووفق حديث سعيد للجزيرة نت، فإن العملية السياسية الشاملة لا يستثنى منها حزب المؤتمر الوطني -الحاكم سابقا- وواجهاته، ويرى أن “الحرب الجارية لا يمكن حسمها عسكريا، ولا يمكن إنهاؤها دون عملية سياسية تخاطب جذور الأزمة في البلاد، وتقر مرحلة انتقالية تأسيسية لتجاوز كل الاختلالات البنيوية والهيكلية التي صاحبت بناء الدولة منذ استقلالها”.

وفي المقابل، يرى القيادي في حزب التحالف الديمقراطي للعدالة وقوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية مبارك أردول أن “العملية السياسية لا يمكن تأخيرها إلى ما بعد الحرب، لأنها ستؤدي إلى إنهائها، لأن القتال تفجر لأسباب وأجندة سياسية”.

ويعتقد أردول، في حديثه للجزيرة نت، أنه “لا ينبغي معاقبة القوى السياسية وتعطيل العملية السياسية ورهنها بنهاية الحرب، بسبب مواقف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، التي ارتبطت بالمليشيا المتمردة”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

ويدعو أردول إلى عملية سياسية شاملة لا تستثني أحدا، إلا من أبى، وموازية لاستمرار القتال، حتى تؤدي إلى إيقافه، وإذا تم إجراء حوار سوداني–سوداني فسيقود إلى إيجاد معالجة سياسية، تسرع من خطوات إنهاء الحرب.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *