إسطنبول- انطلقت فعاليات المؤتمر السابع لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، في مدينة إسطنبول التركية، اليوم الأحد، تحت شعار “فلسطين رافعة الاستنهاض الحضاري للأمة”.
وشهد المؤتمر، الذي نُظم بالتعاون مع جمعية البركة الجزائرية، وجامعة “صباح الدين زعيم” وجمعية “حركة الإنسان والحضارة” التركيتين، حضور نخبة من العلماء والمفكرين، بالإضافة إلى رؤساء منظمات العمل المدني.
وشدد المشاركون على ضرورة توحيد الجهود والصفوف لدعم “طوفان الأقصى” والانخراط في هذه المعركة بكل الوسائل المتاحة، مؤكدين أن هذه اللحظة تمثل فرصة تاريخية لإعادة توجيه البوصلة نحو التحرر ودعم القضية الفلسطينية.
وأعلنت إدارة المنتدى خلال المؤتمر قرار الأمانة العامة تغيير اسمه من “منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة” إلى “منتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة” في خطوة تعكس توسع دوره ورؤيته ليشمل قضايا الأمة الإسلامية كافة، وتعزيز حضوره كمنبر عالمي للفكر والحضارة الإسلامية.
ويتضمن المنتدى عددا من الندوات والجلسات التي تركز على محاور تتعلق بالقضية الفلسطينية وتأثيراتها على النظام العالمي والإسلامي، منها ندوة “فلسطين والنظام الدولي بعد طوفان الأقصى، فلسطين بوصلة النهوض الحضاري: التداعيات الحضارية للطوفان على النظام العالمي” كما تشمل الجلسات مواضيع مثل “فلسطين والعالم الإسلامي بعد طوفان الأقصى، الطوفان في محيطه العربي والإسلامي”.
شرارة النهضة
وقال الأمين العام للمنتدى عبد الرزاق مقري إن منتدى كوالالمبور وُلد عام 2014 في ظل ظروف معقدة وتحولات سريعة بين قرنين الماضي الذي شهد سقوط دولة الخلافة وتفكك وحدة الأمة، والقرن الحالي الذي يعاني المسلمون فيه من ويلات الاحتلال والاستبداد.
وأشار مقري إلى أن “الأنظمة الاستبدادية العلمانية” التي سيطرت على الحكومات العربية والإسلامية تحت شعارات القومية والدولة القُطرية فشلت في تحقيق تنمية حقيقية. وأضاف “رغم تحقيق تلك الأنظمة بعض المكاسب في مجالات مثل التعليم، فإنها أسهمت في الاعتداء على حرية وكرامة الإنسان، والتفريط بالقضية الفلسطينية”.
وأوضح أن المنتدى يسعى اليوم إلى توجيه الأمة نحو الوحدة والتوافق، من خلال طرح الأسئلة الجوهرية التي تقتضيها المرحلة الحالية، كما أكد أنه يهدف إلى تقديم نصائح للحكومات من أجل تعزيز التنمية والكرامة والحرية، بالإضافة إلى دعم مشروع تحرير فلسطين، مشيرا إلى أن المؤتمر سيشهد الإعلان عن عدد من المشاريع الجديدة.
وفي كلمة مسجلة لرئيس المنتدى مهاتير محمد، أكد أنه ومنذ تأسيسه لم يحِد عن هدفه الأساسي، وهو جمع العلماء والمفكرين للنقاش حول شؤون الأمة الإسلامية. شاكرا المنظمين على اختيارهم موضوع المؤتمر وربطه مع القضية الفلسطينية والأمة، معبرًا عن تقديره للتوقيت الذي يتزامن مع ذكرى طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وأشار مهاتير إلى أهمية هذا اليوم، حيث قرر الفلسطينيون توجيه رسالة واضحة للعالم بأنهم مصممون على تحرير أرضهم ورفضهم لتوسيع المستوطنات وللاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، وهي اعتداءات مدعومة من الولايات المتحدة والغرب، وسط تجاهل حقوق الإنسان والقانون الدولي.
كما أكد ضرورة تطوير الأمة الإسلامية نفسها في كافة العلوم الدنيوية إلى جانب العلوم الدينية، مشددًا على أهمية عدم التخلف عن بقية العالم في أي مجال، وأوضح أن أي نقاش حول شؤون الأمة لا يمكن أن يكون مكتملا دون الحديث عن فلسطين وغطرسة الاحتلال الإسرائيلي وسلوكياته الشائنة.
ومن جهته، أكد الشيخ محمد الحسن ولد الددو نائب رئيس المنتدى أن اختيار عقد المؤتمر السابع بهذا التوقيت والمكان لم يكن عشوائيًا، مشيرا إلى رمزية ذكرى السابع من أكتوبر/تشرين الأول ومعركة طوفان الأقصى، وإلى رمزية إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية، وهو ما “يشير إلى بداية إحياء جديد للأمة الإسلامية، وكأن طوفان الأقصى المبارك هو الشرارة لهذه النهضة”.
“المقاومة بخير”
وفي كلمة له، أكد القيادي في حركة حماس أسامة حمدان أن صعود حركات المقاومة في الأمة أثبت أن النظام العالمي الفاسد غير قادر على إخضاع الشعوب، مشيرا إلى أن قوة المقاومة تفتح الباب لتحقيق الانتصار على الرغم من التحديات الكبيرة.
وأضاف حمدان أن طوفان الأقصى، بعد مرور عام على بدايته، أتاح للأمة فرصة جادة للنهضة من جديد، وكشف الوجه الحقيقي للاحتلال وداعميه الذين تحولوا من حضارة إلى “آلة إجرام وحشية”.
وأكد أن طوفان الأقصى أظهر بوضوح غياب العدالة الدولية وتعدد المعايير “مما يثبت أنه لا وجود لقانون دولي ما لم تكن الأمة قوية وقادرة على فرض إرادتها، كما أن هذه الأحداث فتحت الباب أمام البشرية للتساؤل عن البديل للحضارة المادية القائمة”.
كما تحدث حمدان عن إعادة الاعتبار للأمة وثقتها في قدرتها على المقاومة والصمود مهما كانت التضحيات، مشيرا إلى أن طوفان الأقصى “أعاد توجيه بوصلة الصراع والعداء في الأمة، مما يوفر فرصة حقيقية لإعادة تحديد الحلفاء والخصوم” كما أنه “أعاد الاعتبار للجهاد فريضة أساسية في الإسلام، بعد أن حاول أعداء الأمة تشويهها”.
وأشار إلى أن “طوفان الأقصى أثبت أن الإسلام هو الدين الذي يصنع الإنسان القادر على تجاوز جميع التحديات والمضي في سبيل الله مهما كانت التضحيات”.
وفي ختام كلمته، أكد حمدان أن “المقاومة بخير” مضيفا أن “غزة أدت واجبها واستشهد قادتها” والآن يجب أن تُطرح الأسئلة على الأمة الإسلامية حول ما هي فاعلة في هذه المرحلة المصيرية.
تغيير الموازين
وفي حديثه للجزيرة نت، قال عضو الأمانة العامة للمنتدى زياد أبو مخلة إن المؤتمر الحالي يأتي في سياق مرحلة شهدت انتصارا واضحا للسردية الفلسطينية التي كانت تواجه محاولات للتهميش والتصفية قبل انطلاق “طوفان الأقصى”.
وأشار أبو مخلة إلى أن المنتدى يسعى إلى استثمار التحولات العميقة التي أحدثها الطوفان في النظام العالمي وفي موازين القوى التي بدأت تعيد تشكيل المنطقة، وأضاف أن الرهان الحقيقي الآن هو في “كيفية تحويل طوفان الأقصى إلى حركة عالمية لكل أحرار العالم، من خلال التركيز على حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه، وكشف العنصرية والاستيطان الذي يمثله الكيان الصهيوني”.
وأوضح أن منتدى كوالالمبور عمل في مؤتمراته السابقة على تعميق الفهم حول التحديات الكبرى التي تواجه الأمة، مشددا على أن الرهان الآن هو جعل القضية الفلسطينية محورا أساسيا للنهوض الحضاري في الأمة. كما أشار إلى أهمية بناء مقاربة شاملة لقضية التحرر في العالم العربي، وتطوير منظومات سياسية قادرة على مواجهة التحديات الراهنة.
وعن مسار المنتدى منذ تأسيسه، أوضح أبو مخلة أنه تبنى إستراتيجية واضحة لتحويل النقاشات والأفكار إلى إعلانات تُترجم إلى عدة لغات، بهدف تقديم رؤى شاملة تتعلق بقضايا التنمية والحوكمة، وأكد أن المنتدى يراهن على تطوير هذه الأفكار لتكون مرجعا لصناع القرار في العالم العربي، بما يسهم في تحويلها إلى مشاريع عملية تخدم الأمة.