الدوحة– بين الرابح والخاسر من الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تناول متحدثون في منتدى الجزيرة النتائج الأولية لتلك الحرب بعد أكثر من 7 أشهر على اندلاعها.
واتفق مشاركون بالمنتدى في نسخته الـ15 على أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كان فاضحا وكاشفا للموقف الأخلاقي والإنساني على المستوى العالمي، الذي اتسم بازدواجية معايير واضحة، فيما كانت لهذه الحرب من ناحية أخرى تداعيات إيجابية ملحوظة في إحداث حراك شعبي وتعاطف عالمي كبير مع القضية الفلسطينية التي عادت للواجهة بعد أن كاد النسيان يطويها.
وخلال جلسة تحت عنوان “غزة تعيد ترتيب أولويات الأجندة الدولية: الشرق الأوسط، الصراع في أوكرانيا، التوتر مع الصين”، أكد مشاركون أهمية التصدي لاحتكار الولايات المتحدة للقضايا الدولية والعمل على أن يكون هناك إعادة ترتيب لنظام عالمي يقوم على العدل والمساواة.
دولة منبوذة
وأوضح المشاركون في المنتدى أن حرب غزة حولت إسرائيل لدولة منبوذة ومعزولة عالميا كما أن الخاسر الأكبر في هذه الحرب هما الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين ظهرت إيران في وضع أقوى وأكثر حضورا، لافتين إلى أن الحرب لم يكن لها تأثير كبير على الحرب في أوكرانيا.
وقالت المستشارة السياسية في مركز الدراسات الدولية في موسكو، إيلينا سوبونينا، إن الحرب في غزة لم تؤثر على الأحداث في أوكرانيا حيث لم تستفد روسيا على الإطلاق، فالأمور لم تتغير بالنسبة لإمدادات الغرب وتوريد المساعدات والامدادات إلى أوكرانيا.
وتابعت أن روسيا تتقدم على الأرض ليس بسبب الأزمة الفلسطينية ولكن نتيجة لإمكانياتها الذاتية وإستراتيجيتها، ولكن يمكن القول إن الحرب في غزة أظهرت ازدواجية المعايير في دول الغرب مرة أخرى “ففي أوكرانيا يكثر الحديث عن حقوق الإنسان وفى الوقت نفسه يتم غض الطرف عن الكارثة الحقيقية التي نراها في فلسطين” بحسب قولها.
“غزة تعيد ترتيب أولويات الأجندة الدولية ” ضمن منتدى #الجزيرة الخامس عشر.. ما أبرز ما قيل في الجلسة الثانية للمنتدى في يومه الثاني؟#منتدى_الجزيرة15 pic.twitter.com/BSiXlraQFA
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 26, 2024
احتكار أميركي
وأشارت سوبونينا إلى أن موقف موسكو واضح ومعروف منذ سنوات، حيث دائما ما تؤكد على قرارات مجلس الأمن، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة حول إنشاء دولتين فلسطينية وإسرائيلية، مشددة على موقف القيادة الروسية في رفض الاحتكار الأميركي للقضية الفلسطينية الذي أدى للكارثة التي تحدث بالفعل حاليا في قطاع غزة.
واعتبرت أن الاحتكار الأميركي للقضايا الدولية أمر مضر للجميع، ليس بالنسبة للقضية الفلسطينية فقط بل للكثير من القضايا، متسائلة: ما هو البديل لهذه الهيمنة الأميركية؟.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية خليل العناني، إن الحرب في غزة كان لها أكبر الأثر في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مرة أخرى محليا وإقليميا ودوليا، بعد أن كانت في طي النسيان في حين تراجعت الملفات الروسية والصينية إلى حد كبير، كما أن هذه الحرب كان لها تأثير كبير في إعادة تشكيل ميزان الردع بالمنطقة العربية.
وأعرب عن اعتقاده بأن الخاسر الأكبر في هذه الحرب هما الولايات المتحدة وإسرائيل فقد كان هناك اعتقاد بإمكانية بناء تحالف إسرائيلي عربي لمواجهة إيران، ولكن مسألة أن تحل إيران محل إسرائيل هي محاولة لقلب كل ما يتعلق بالتاريخ والجغرافيا، لافتا إلى أن إيران أصبحت حاليا أكثر قوة وحضورا عنها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تورط عسكري أميركي
وتابع العناني إنه على عكس ما كان يتم التخطيط له أميركيا فيما يتعلق بالانسحاب من المنطقة، لكننا رأينا حاليا تورطا أكبر بالمنطقة من خلال حاملات طائرات وغواصات نووية ومدمرات حربية وغيرها، مشددا على أن واشنطن تضرب قدميها بالنار من خلال عسكرة البحر الأحمر وعدم الدخول في حوار وعلاج لأصل الأزمة في غزة.
وأكد أن أكثر ما يمكن أن نرصده من حرب غزة هو “الانكشاف والسقوط الأخلاقي والإنساني الأميركي نتيجة الانخراط في هذه الحرب”، موضحا أن النظام الدولي الذي بنته أميركا والغرب بعد الحرب العالمية الثانية هم من يقومون الآن بتقويضه وهدمه.
وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن هذه الحرب كانت كاشفة بحق لازدواجية المعايير فضلا عن صعود الحس والشعور الشعبي الذي تجسد في الحراك الطلابي بالجامعات الأميركية والتي وصلت إلى نحو 100 جامعة، مؤكدا أن حرب غزة حولت إسرائيل لدولة منبوذة ومعزولة.
لماذا تستمر وسائل الإعلام الغربية في تبني الرواية الإسرائيلية دونا عن الفلسطينية؟#منتدى_الجزيرة15 #حرب_غزة pic.twitter.com/hionkRO4KX
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 26, 2024
الصين وتأمين الطاقة
من جهة أخرى، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر خير سالم ذيابات أن حرب غزة كان لها تأثير واضح على قوة عالمية كبيرة مثل الصين التي تنتهج سياسة “المشي على الحبال”، والتي تتسم بالحذر تجاه أي قضية عالمية ومنها قضية الشرق الأوسط.
وتابع، إن مصلحة الصين في المنطقة تتجسد في تأمين موارد الطاقة بالمنطقة حيث إنها تستورد نحو 11 مليون برميل من النفط يوميا نصفها من الشرق الأوسط وبالتالي فهو أمر يعزز العلاقة مع الدول العربية بشكل عام، أما الأمر الآخر فيتعلق بالإستراتيجية الحديثة للصين وهي محاولة كسر الهيمنة في المناطق الحيوية بالعالم ومن بينها منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح ذيابات أن الصين حاولت قدر الإمكان أن توزان بين مصالحها مع الدول العربية وبين إسرائيل فكان موقفها إلى حد ما أقرب للموقف العربي، فيما حاولت قدر الإمكان أن تستغل الحرب في انتقاد الولايات المتحدة وازدواجيتها في التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية.
وقال “كانت الصين من الرابحين في هذه الحرب من خلال كشف التعامل بازدواجية من قبل الولايات المتحدة التي تتحدث وتنتقد تعامل الصين مع الإيغور وفى الوقت نفسه تغض الطرف عما يحدث في غزة على أيدي إسرائيل”.
رأى عام عالمي
وفي كلمته بالمنتدى، أكد مدير تحرير موقع “ميدل إيست آي” الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، أن الصراع تغير جذريا منذ طوفان الأقصى، مشددا على أن القضية استفادت بالفعل من ذلك، فقد تحولت القضية إلى حرب وليس مفاوضات.
وقال إن القضية الفلسطينية أضحت قضية حقوق الإنسان الأولى في الجامعات، حيث إن هناك ثورة لم نشهدها منذ حرب فيتنام، مؤكدا أنه تشكل حاليا رأى عام يريد وقفا كاملا لهذه الحرب الآن.
ولفت إلى أن إسرائيل فشلت في وضع خطة ما بعد الحرب ومن الواضح أن الشيء الوحيد القابل للتطبيق والنجاح في غزة ما بعد الحرب هو حكومة فلسطينية بموافقة حماس حتى وإن لم تشارك فيها ولكن لا يمكن استبعادها من المشهد.