مقوماتها تنهار.. لماذا تُضيق إسرائيل على السلطة الفلسطينية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

نابلس- دقت تصريحات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطيني ناقوس الخطر حول ما يواجه القطاع الصحي من أزمات تعصف به، لم تؤد لتراجع خدماته فقط بل حذَّرت من انهياره كليا، وذلك بسبب إجراءات الاحتلال واحتجازه لأموال الفلسطينيين ومنعه دفع أخرى.

وإلى 2.7 مليار شيكل (الدولار=3.7 شواكل) وصلت مديونية وزارة الصحة التراكمية حتى نهاية مايو/أيار الماضي، إضافة إلى فقدان 13% من الأدوية الأساسية من مستودعات الوزارة، وما هو متوفر بالكاد يكفي للفترة القريبة القادمة، حسب تصريحات وكيل وزارة الصحة لوكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية وائل الشيخ.

وما يشهده القطاع الصحي من تدهور لا يقل خطورة عن تضرر القطاع التعليمي، الركيزة الثانية للسلطة الفلسطينية بعد الصحة، وكذلك القطاع الاقتصادي الذي تعطلت أكثر من 29% من منشآته، أو تراجع إنتاجها في الضفة الغربية، بينما توقف في غزة بشكل كامل.

سياسة تصعيدية

تحاصر إسرائيل السلطة الفلسطينية ماليا، وترفض تسليمها أموال المقاصة، وهي أموال الضرائب التي تجنيها إسرائيل نيابة عن السلطة مقابل 3%، وتقدر بنحو 188 مليون دولار شهريا، حيث تحتجز منها أكثر من 6 مليارات شيكل من قبل الحرب، بل تقتطع جزءا من تلك الأموال بشكل غير قانوني كنهج عقابي للفلسطينيين.

تشكل أموال المقاصة 70% من إيرادات السلطة المالية، وبمنع إسرائيل لها وشح الدعم الخارجي بالوقت نفسه تفاقم الوضع وزاد سوءا، لدرجة أصبحت فيها السلطة الفلسطينية وللسنة الثالثة على التوالي عاجزة عن دفع راتب كامل للموظفين، حيث تلقوا نسبة ما بين 80% و50% من رواتبهم، وأصبحت السلطة مديونة للموظفين وللقطاعات المالية المختلفة لا سيما البنوك بحوالي 11 مليار دولار.

وبين هذا وذاك تستمر إسرائيل على الأرض بفرض سياساتها التصعيدية ضد الفلسطينيين شعبيا ورسميا للتضييق عليهم، فرفعت من وتيرة الاستيطان، وألغت قرار فك الارتباط بالعودة لمستوطنات بشمال الضفة الغربية أخلتها عام 2005.

كما تزايدت اعتداءات المستوطنين بأكثر من 37% بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقارنة بالفترة الزمنية ذاتها من العام الماضي، حيث تسلح أكثر من 100 ألف مستوطن وشنوا هجمات قتلوا فيها العديد من الفلسطينيين، وصادرت إسرائيل أكثر من 27 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي الضفة الغربية، وأعاقت حياة المواطنين وتنقلاتهم عبر مئات الحواجز المتحركة والثابتة.

إسرائيل تعمل على توسيع الاستيطان بشكل مستمر وتصادر آلاف الدونمات (الجزيرة)

مخططات لإنهاء السلطة

يعلق واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قائلا إن “الحصار المالي الإسرائيلي والأميركي” على السلطة الفلسطينية وقرار الاحتلال، منع إعطائها أيا من مستحقاتها المالية، والذي بات معلنا ويتبناه اليمين الإسرائيلي، هدفه “إنهاء وجود السلطة الفلسطينية”.

ويوضح أبو يوسف أن الأمر تعدى كونه “قرصنة وسرقة لأموال المقاصة” إلى ارتكاب جرائم تطهير وإبادة وتهجير للفلسطينيين، حيث يهدف منها الاحتلال الإسرائيلي -حسب قوله- إلى فصل غزة عن الضفة للحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية كهدف إستراتيجي، بالإضافة إلى ضرب التمثيل الفلسطيني في إطار منظمة التحرير، وإطار السلطة الفلسطينية كذراع لها.

ويضيف “بالتالي تريد إسرائيل تقويض السلطة الفلسطينية، والعودة للاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وكل ما له علاقة بإشاعة الفوضى بالشعب الفلسطيني وإنهائه وتهجيره”، لكنه يؤكد أن الفلسطينيين لن يستسلموا أمام مخططات الاحتلال، “وقد أفشلوا بصمودهم ومقاومتهم الباسلة عملية التهجير من الضفة إلى الأردن، ومن غزة إلى سيناء”.

الكل الفلسطيني

تعد تضييقات إسرائيل على السلطة جزءا من حربها الشاملة على الفلسطينيين عموما، برأي الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عقل صلاح، حيث يرى أنها تندرج ضمن الحرب الممنهجة على الضفة الغربية منذ عام 2017 تحديدا، عندما بدأت إسرائيل بسحب صلاحيات السلطة وإعطاء غالبيتها للمنسق الأمني أو الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة.

ويضيف صلاح للجزيرة نت أن حكومة الاحتلال والتيار الديني المتطرف يعتبران أن “الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل”، وأن وجود السلطة الفلسطينية يتعارض سياسيا مع مخططاتها المستقبلية، وأن دورها لا يتعدى كونه جانبا خدماتيا، ترعى فيه التعليم والصحة للفلسطينيين، بالإضافة لدور آخر يتعلق بالتنسيق الأمني مع الاحتلال.

ويقول صلاح إن منهجية السيطرة على الضفة بالنسبة لإسرائيل وإنهاء وجود السلطة فيها تأخذ بالاعتبار عاملين، أولهما إستراتيجي أيديولوجي، يحظى بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليحافظ على نفسه في سدة الحكم، ويقوم على إطلاق العنان لليمين الصهيوني المتطرف ليمارس جرائمه والاستيطان، وتقييد السلطة ماليا وإداريا، وثانيها هو التضييق على “الكينونة الفلسطينية”، والتي وجدت بوجود السلطة أصلا.

ويتطلب كل ذلك -بوصف صلاح- من السلطة الفلسطينية موقفا جديا يقوم على وقف التنسيق الأمني وقطعه كليا، ورأب الصدع وتحقيق الوحدة الوطنية، والأهم دعم صمود الشعب الفلسطيني وتوفير الحلول اللازمة لذلك.

عاطف دغلس- الاحتلال يهدد وجود السلطة الفلسطينية- مبنى محاظفة نابلس احد مؤسسات السلطة- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت1
الاحتلال الإسرائيلي يهدد وجود السلطة الفلسطينية من خلال استهداف مؤسساتها (الجزيرة)

تفكيك السلطة

ينقسم الموقف الإسرائيلي من السلطة الفلسطينية ورؤيته لوجودها وفق ما يوضحه المختص بالشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس إلى مستويين، الأول: أمني يريد إكمال مشروع السلطة باعتباره مربحا وموفرا لجهد كبير، “فالسلطة بالنسبة لهم دجاجة تبيض أمنا”، والثاني: سياسي يمثله اليمين المتطرف لا يرى بالعرب غير قبائل متناحرة، لا ناظم لها ولا هيئة، حتى لو كانت تلك الهيئة السياسية موالية عقائديا لإسرائيل.

ويضيف أبو العدس للجزيرة نت أن ما يقلق ذاك اليمين اعتراف العالم بدولة فلسطينية، الأمر الذي سيجعل من تفكيك السلطة بالنسبة له غاية، ويستبدلها بكيانات متعددة، كي لا تكون هناك جهة موحدة يتحدث معها العالم.

ويعتبر تفتيت السلطة تفتيتا لفكرة المجتمع الفلسطيني، فالسلطة بالرغم من “رداءتها ورداءة أدائها السياسي” -بوصف أبو العدس- فإنها تبقى جهة ناظمة لحياة الفلسطينيين، وأن التخلص منها يعني إشاعة أنماط من الفوضى ومنها تهجيرهم.

ويقول أبو العدس إن فكرة اليمين الإسرائيلي أصبحت تتبلور علنا، بجعل فلسطين بين النهر والبحر بيئة غير قابلة للحياة، فدمرت غزة وحولتها لبيئة طاردة للعيش، ونشرت الجريمة في الداخل الفلسطيني، والآن تعمل على إحباط السلطة وتفكيكها إلى كيانات أكثر فوضى وفساد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *