وكأن آلاف الأطفال الذين قضوا نحبهم، وحصيلة الموتى التي تقترب من 20 ألفا، والآلاف الذين شُرِّدوا من ديارهم، وعشرات الآلاف من الجرحى، والمجاعة والأمراض والدمار في غزة، كل ذلك لم يكن كافيا، فالأهم أنه لابد من إذلالهم حتى النخاع لكي يتعلموا.
بهذه المقدمة التي تنطوي على سخرية ونقد لاذع، استهل الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي مقالا له في صحيفة “هآرتس”.
وواصل سخريته ناطقا بلسان القادة وغالبية الإسرائيليين حين يقولون “يجب أن نُظهر لهم ولأنفسنا من هم، ومن نحن. ونثبت لهم مدى قوتنا ومدى ضعفهم. فهذا جيد للروح المعنوية، كما هو جيد للجنود وللجبهة الداخلية. إنها هدية عيد الحانوكا “عيد الأنوار” عند اليهود للفلسطينيين المذلولين، فأي شيء يمكن أن يسعد القلب أكثر من هذا؟”
وينطلق الكاتب اليساري من هذا الاستهلال منتقدا، ويقول “ليس هناك برهان يدل على أننا ضللنا الطريق أكبر من المحاولات الدنيئة لإذلال الفلسطينيين على مرأى من الجميع. وليس ثمة دليل على الخور الأخلاقي أعظم من إهانتهم وهم مهزومون”.
“حتى يستسلموا”
وتابع ليفي “وبعد أن أزهقنا أرواح أهالي غزة، ودمرنا ممتلكاتهم ومنازلهم، وقضينا على أطفالهم، سنسحق الآن أيضا ما تبقى لهم من كرامة. سنجبرهم على الركوع حتى يستسلموا”.
وأوضح أن الصور ومقاطع الفيديو التي التُقطت الأسبوع المنصرم أظهرت عشرات الرجال جاثين على رُكبهم، يرتدون سراويل داخلية فقط، وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، وأعينهم معصوبة وينظرون إلى الأسفل.
ومضى ليفي واصفا ما تحتويه تلك الصور، وقال إنها تظهر عددا قليلا من الجنود الإسرائيليين ملثمين “ربما لأنهم يشعرون بالخجل من سلوكهم”، مضيفا أن ضحاياهم من الشباب وكبار السن أيضا، بعضهم بدناء، وبعضهم الآخر هزيل، وآخرون منهم بشرتهم شاحبة واسمرَّ لون بعضهم من أهوال الحرب. ربما كان أطفالهم يشاهدون هذا المنظر، وربما زوجاتهم، ومن شأن ذلك أن يزيد من عظمة الإنجاز”.
“نُقلوا من ملجأ”
وبحسب التقارير، فقد نُقل أولئك الأسرى من ملجأ تابع لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في بيت لاهيا واحتجزوهم للاستجواب. وقال ليفي إن لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كان أي منهم عضوا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبعد التقاط “صورة النصر” نُقلوا إلى مكان مجهول، ولم يعرف مصيرهم.
فما الجدوى من كل ذلك؟ يتساءل الكاتب ويقول إن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الجيش الإسرائيلي بتجريد الفلسطينيين من ملابسهم بهذه الطريقة بهدف إذلالهم، فقد حدث ذلك إبان المسيرات التي نُظمت في الماضي في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان.
وأكد الكاتب أن الرجال المطلوبين وغير المطلوبين يرتدون السراويل الداخلية ليراهم الجميع. هذا ما تفعله إسرائيل، ومن المهم تسجيل الحدث ونشر الصور. لكن الحقيقة -بحسب مقال هآرتس- هي أن الصور تهين جيش الاحتلال أكثر بكثير مما تهين ضحاياه العراة.
حطموا الآثار
ومضى إلى القول إن القوات الإسرائيلية دمرت مبنى البرلمان ومقر المحكمة في غزة. وفي مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، حطموا جميع الآثار، منها “مفتاح العودة” عند مدخله.
كما دمر الجيش الإسرائيلي و “نهب” الحصان الكبير المصنوع من الصفيح عند مدخل المستشفى، والذي شيده نحات ألماني من بين حطام سيارات الإسعاف الفلسطينية المدمرة، وهو نصب تذكاري للموتى. وفي طولكرم هدمت النصب التذكاري لـياسر عرفات. “وقريبا سوف نحرق وعيهم”، قالها ليفي بنبرة ساخرة.
“وفي ذروة السخرية، يتباهى قائد الكتيبة 932 في لواء مشاة ناحال -في مقطع فيديو لوحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ببطاقة ائتمان إسماعيل هنية، التي انتهت صلاحيتها في عام 2019″.
وختم الكاتب مقاله بتهكم لاذع قائلا “النصر العظيم بات أقرب من أي وقت مضى”.