السويداء- بعد مرور 40 يوما على بدء الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء ضد النظام السوري، ما تزال مضافة الشيخ حكمت الهجري -الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز بسوريا- تستقبل السياسيين المعارضين الذين يقصدونها بصورة دورية.
ويناقش الضيوف مع الشيخ الهجري شؤون الحراك السياسي، والوقوف عند رأيه، وأخذ مشورته في البيانات السياسية التي قد تصدر عنهم، أو عن التيارات السياسية التي يمثلونها.
وفي أواخر مارس/آذار 2012، فارق الشيخ أحمد الهجري الحياة إثر حادث اكتنفه الكثير من الغموض، ليتسلم شقيقه الشيخ حكمت الهجري من بعده مقاليد الرئاسة الروحية للدروز.
والشيخ حكمت الهجري -من مواليد عام 1965، ودرس الحقوق في جامعة دمشق، وأمضى جزءا من حياته في فنزويلا قبل أن يتسلم رئاسة الهيئة الروحية. وطالب مؤخرا بالجهاد ضد التدخل الأجنبي، وبضرورة التعددية السياسية في السويداء عملا بقاعدة عدم إقصاء أي مكون سياسي محلي.
بيت العائلة
وتقع مضافة آل الهجري على تلة ترتفع 1200 متر في بلدة قنوات (7 كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة السويداء)، ومنها يظهر سهل حوران فسيحا، متمددا نحو الجهة الغربية، ومن هناك تدار الشؤون الاجتماعية والدينية للدروز، حيث مركز الرئاسة الروحية للطائفة.
يوضح ياسر الهجري (ابن عم الشيخ حكمت الهجري) للجزيرة نت أن المضافة تعود إلى نهاية أربعينيات القرن الماضي، حين أسسها الشيخ أحمد الهجري.
ويضيف “نسمي المضافة الحالية “بيت العائلة الجنوبي”، وهي غير المضافة القديمة التي تقع في الجزء الشمالي من البلدة، تلك التي أسسها الشيخ إبراهيم الهجري مطلع القرن 19، وفيها المقام وحجرة دفنه إلى جوار باقي شيوخ آل الهجري، حيث تستقبل الزوار بلا انقطاع حتى يومنا هذا”.
محكمة لفض النزاعات
وبعد انتفاضة الشارع المحلي الدرزي مؤخرا، صار الشيخ الهجري يستقبل الوفود السياسية من أبناء المحافظة، التي لا تتردد في نقل نزاعاتها إليه بغية تهدئتها، والتقريب بين وجهات نظر مكوناتها المختلفة، وهذه مهمة سياسية جديدة باتت مناطة بمضافة الرئاسة الروحية، ووجد الشيخ نفسه مضطرا لتلبيتها.
ويضيف ياسر الهجري أن المضافة أشبه بالمحكمة التي تقدم خدماتها مجانا إلى الناس، ويرتبط دورها في بلدة قنوات تاريخيا بتعيين “سُيّاس المجالس الدينية” في البلدات والقرى، وتنظيم شؤونهم، والوقوف على المشاكل والنزاعات الاجتماعية، ومحاولة حلها وفق المنهج الديني للطائفة، وجملة الأعراف والتقاليد المرعية.
والاثنين 18 سبتمبر/أيلول الماضي، زار بعض الممثلين عن المجلس السياسي السوري الأعلى في السويداء الشيخ حكمت الهجري في مضافته بهدف كسب تأييده لمجلسهم الجديد، بوصفه أحدث جسم سياسي يتم تشكيله في المحافظة، وأثار الكثير من الجدل المحلي حول طبيعة اسمه، وأسماء أعضائه، وأجندته.
ضرورة التعددية السياسة
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، ذكر خالد جمول، أحد مؤسسي المجلس، أن “دور المضافة لم يعد مقتصرا على مداواة الشأن الاجتماعي والديني لأبناء الطائفة، بل صار لزاما عليه أن يتخطاه إلى احتضان كافة المكونات السياسية المحلية، انطلاقا من رغبة الشيخ الهجري في وجود تعددية سياسية حقيقية في المحافظة أسوة بدول العالم المتقدم والحر، وأن تكون بعيدة عن إقصاء أي مكون سياسي”.
وكان بيان الهيئة السياسية للعمل الوطني الصادر بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول الماضي أول بيان سياسي في المحافظة يحصل على تأييد من الشيخ حكمت الهجري.
ودعا البيان إلى ضرورة التغيير السياسي، ووحدة جميع الأراضي السورية، وإطلاق سراح المعتقلين، وعودة النازحين، وإعادة إعمار ما دمرته آلة النظام العسكرية.
وجاء البيان مشابها لبيانات سياسية أخرى أصدرتها تيارات محلية مؤخرا، من بينها بيان تجمع القوى الوطنية بالسويداء (صدر يوم 23 سبتمبر/أيلول الماضي)، وبيان المجلس السياسي السوري الأعلى في السويداء، الذي صدر في 21 سبتمبر/أيلول الماضي.
رأي استشاري
يقول المحامي أسامة الهجري، المستشار القانوني للشيخ حكمت الهجري، إنها ليست المرة الأولى التي يتبنى فيها الشيخ مطالب الناس، وقد اصطدم مع نظام دمشق أكثر من مرة حينما كان يعرقل تنفيذ تلك المطالب، لا سيما في المرحلة التي أعقبت وفاة “أبو سليم دعبول” مدير مكتب بشار الأسد مطلع سبتمبر/أيلول 2021.
ويضيف المستشار القانوني للشيخ حكمت للجزيرة نت أن الشيخ الهجري لم يستقبل في مضافته أي شخصية إقليمية أو عربية أو دولية، خاصة بعد تبنيه مطالب الحراك الأساسية والمحقة، وينظر إلى الحراك الحالي على أنه حراك وطني جامع لكل السوريين.
ويؤكد أن سلطة الشيخ الهجري هي سلطة دينية مكتسبة من مقام الرئاسة الروحية للطائفة، وأن رأيه استشاري في الشؤون السياسية، وعلى رأسها شؤون الحراك. وحسب أسامة الهجري، فإن الشيخ الهجري ما يزال محجِما عن الخوض في أي دور سياسي، حتى وإن كان ذلك أمرا ملحا.
والآن يمكن دخول بلدة قنوات من تحت القوس الذي يحد مدخلها الرئيسي، وقد توسطته صورة حمامة تحمل غصن زيتون في فمها، كما يمكن مغادرة بلدة قنوات من تحت القوس نفسه الذي تتوسطه صورة للقائد العام للثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي سلطان الأطرش، بعد أن أزيلت صور حافظ الأسد من هذا المدخل بواسطة متظاهرين أواخر الأسبوع الماضي.