جنوب لبنان – بعد المواجهات المتفرقة التي اندلعت بين حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدا واضحا منذ البداية سعي الحزب إلى القضاء على الشبكة الإلكترونية الإسرائيلية المزروعة على طول الحدود الجنوبية اللبنانية.
من أجل ذلك، عمد الحزب إلى ضرب المواقع التي تحمل أجهزة مراقبة وتجسس متنوّعة المهام، بالصواريخ الموجهة والقذائف المباشرة وغير المباشرة، بهدف تعمية المراقبة الإسرائيلية، وضمان التنقل والحركة بشكل آمن.
في هذا السياق، أكد مصدر في المقاومة أن حجم الضرر الذي ألحقته بمنظومة التجسس والاستطلاع والمراقبة الإسرائيلية كبير جدا، مضيفا “أمضى الاحتلال سنوات طويلة لتركيب وتطوير هذه المنظومة لتأمين الرقابة والحماية الكاملة على طول الحدود مع لبنان، أما اليوم وبعد هذا الاستهداف المركز، فقد أصبح شبه أعمى، ومعظم المواقع الإسرائيلية المخصصة للتجسس سواء بالصورة أو بالصوت، تم استهدافها بشكل مباشر”.
وفي حديثه للجزيرة نت، لفت المصدر ذاته إلى أن الاحتلال يعمل جاهدا لإعادة هذه الأجهزة وخاصة كاميرات المراقبة، ويستعين بوسائل بدائية لرفعها، ومن ثم يعيد إنزالها خوفا من استهدافها مجددا، وهو بحاجة إلى فترة زمنية طويلة لإعادة ترميم ما تم استهدافه، ولأجل ذلك بدأ يعتمد بشكل كبير على المسيّرات، من أجل التعويض عن ما خسره في الأيام الماضية، والمقاومة ستتعاطى معها بالطريقة المناسبة.
وأشار المصدر إلى أن “تدمير هذه المنظومة أراح المقاومين، خاصة لناحية التنقل ونصب الكمائن واستهداف المواقع الإسرائيلية”.
كيف تعمل هذه الأنظمة؟
ولفت العميد محمد عطوي، الخبير لدى المحاكم اللبنانية في مجال الاتصال والمعلوماتية، إلى أن المواقع الإسرائيلية المنتشرة على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية على مسافة تقدر من 80 إلى 100 كيلومتر، مزودة بأبراج يتراوح عددها من 10 إلى 15 برجا للمراقبة، وتتضمن أجهزة رصد واستطلاع وتتبّع واتصالات وتقنيات رقمية متطورة جدا.
وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر العميد عطوي عددا من هذه الوسائل، منها كاميرات التصوير التي تكشف الطرقات العامة، وتستطيع أن تكشف وتراقب ما يجري داخل المنازل الواقعة على مقربة من الشريط الحدودي.
وتحدث عطوي عن وجود أجهزة الاستشعار التي تعمل بواسطة الحرارة أو الليزر، وتستطيع أن تكشف وترصد وتتعقب أي كائن حي يقترب من مداها، فتراقبه وتعطي صورة عنه لغرفة المراقبة، التي بدورها تتصل بغرفة العمليات في الأراضي المحتلّة، موضحا أن هذه الأجهزة تستطيع أن تكشف المقاومين ونشاطهم في المنطقة الحدودية.
ووفقا للخبير ذاته تشكل هذه الأجهزة “خطورة فائقة، ليس على المنطقة الحدودية فحسب، بل على كل لبنان”.
وأوضح أن أبراج المراقبة على الحدود وبواسطة أجهزتها التجسسية، تستطيع أن تتصل بشبكات الاتصالات التابعة للدولة اللبنانية، من الشبكة الثابتة الأرضية، إلى شبكات الهواتف الخلوية في لبنان، وتستطيع أن تدخل من خلال عملائها إلى هذه الشبكات، وأن تجمع المعلومات عن المواطنين، من أرقام هواتفهم إلى عناوين سكنهم، و”توظّفها في نشاطها على الساحة اللبنانية من اغتيالات أو أحداث أمنية، تزرع من خلالها الفتنة داخل المجتمع اللبناني”، بحسب تحليله.
استهداف إستراتيجي
في السياق ذاته، لفت الخبير الإستراتيجي علي حميّة إلى أهمية هذه الأجهزة على سير المعركة، مؤكدا أنها “أهم من طائرات الاستطلاع والأقمار الاصطناعية، لأنها ترصد وتتتبع وتكشف أي حركة تحدث في مداها، وعلى مدار الساعة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد حميّة أن استهداف المقاومة لهذه المراكز ذات الأبراج يهدف إلى “تعمية العدو”، وأوضح أن العدو لا قدرة له على الاستطلاع والمراقبة والرصد، ولا على التسجيل التلفزيوني أو الراداري، ولا المراقبة بالمكثف الضوئي والمكثف الحراري ولا العمل بالترددات المرتفعة والمنخفضة، ولا الإنذار المبكر ولا التشويش، ما يعني أن العدو أصبح شبه أعمى، حسب تعبيره.
وذكر حمية أن هذه الأجهزة عندما كانت تعمل بشكل طبيعي أول أيام المواجهات، “لم نكن نرى طائرات استطلاع، أما بعد خروج معظمها عن الخدمة، فبات الإسرائيلي يعتمد عليها بشكل كبير، إلا أنها لا تجرؤ على التحليق على مسافات قريبة، لأنها تتعرض للاستهداف”، مستشهدا بما تمت معاينته عندما أطلقت المقاومة صاروخ دفاع جوي باتجاه طائرة مسيّرة على بعد 40 كيلومترا. الأمر الذي فسره حميّة بكون المقاومة بدأت تظهر قدراتها في الدفاع الجوي.
وأضاف المتحدث ذاته “نحن نعيش حالة حرب، ولم ندخل الحرب الفعلية بعد، واستهداف نقاط المراقبة هو بمثابة العملية التمهيدية للدخول إلى منطقة الجليل في حال اندلاع الحرب”، وخلص الخبير الإستراتيجي إلى القول ” بهذا التكتيك تكون المقاومة قد قصّرت وأضعفت رؤية العدو، مما يمكن المقاتل من التقدم إلى نقاط قريبة من أماكن وجود العدو دون أن يشعر”.