القدس المحتلة- لم يكن الاعتداء على رجل الدين المسيحي داخل البلدة القديمة في القدس أمس السبت مفاجئا، لكنه لم يكن مقبولا ولم يمر مرور الكرام.
فقد دفعت الحادثة باللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين ووزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية إلى إصدار بياني استنكار للحادثة، كما نشرت الشرطة الإسرائيلية خبرا مفاده أنها ألقت القبض على قاصرين اعتديا على رجل الدين بالسب والبصق.
وبينما كان رئيس الآباء البندكتين ورئيس دير رقاد العذراء مريم الألماني “نيكوديمس سكنابل” يسير في أزقة البلدة القديمة بالقدس، اعترض طريقه مستوطنان وبصقا عليه ثم نعتاه والسيد عيسى عليه السلام بألفاظ نابية وحاولا الاعتداء عليه جسديا.
ورد رجل الدين على الاعتداء بمحاولة التقاط صور لهما والقول لأحدهما “أنت تلمسني ولا يحق لك القيام بذلك”، مضيفا أن الشرطة الإسرائيلية تطلب دائما صورا للتعرف على المعتدين، وهذا ما حاول فعله، كما يظهر مقطع فيديو متداول بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي بيانها قالت الشرطة إنه “تم توقيف القاصرين وإخضاعهما للإقامة الجبرية”، مما يعني أنه أُفرج عنهما بعد التحقيق معهما لساعات.
اعتدى أمس السبت مستوطنان على رجل دين مسيحي أثناء سيره في البلدة القديمة في #القدس المحتلة بالبصق والشتم بألفاظ جارحة.
وتكررت اعتداءات المستوطنين على رجال الدين المسيحيين، وكذلك على دور العبادة، والبصق على أبوابها، كما حدث قبل أشهر عند أعتاب كنيسة “حبس المسيح” في البلدة القديمة… pic.twitter.com/8RRoof46Ch— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) February 4, 2024
كراهية وضغط
الأرشمندريت عبد الله يوليو -الرئيس السابق لدير الروم الملكيين الكاثوليك في رام الله- وصف الاعتداء بـ “الخطير جدا”، وقال إن رجال الدين المسيحيين هم مسؤولون ويؤدون مهام رسمية، ويقيمون في القدس بموجب إقامات تمنحها إسرائيل لهم “وتكرار هذه الاعتداءات لا ينم سوى عن كراهية دينية ورفض للآخر”.
وأضاف يوليو في حديثه للجزيرة نت أن الحرب على غزة كشفت ما في قلوب هؤلاء الذين يحتلون القدس من كراهية.
وحول دور المرجعيات الدينية المسيحية ورؤساء الكنائس تجاه هذه الاعتداءات، أكد يوليو أن صوت هذه المرجعيات ضعيف، وأن الكثير من الأشخاص يعيشون الخوف من عدم الاعتراف بوجودهم أو إلغاء إقامتهم في البلاد والتضييق عليهم أثناء السفر، وبهذه الإجراءات يتم الضغط عليهم وإسكاتهم باستمرار.
وعند سؤاله عما إذا كانت الاعتداءات على رجال الدين المسيحيين الأجانب في القدس قد تدفعهم لمغادرة الخدمة في الأرض المقدسة، أجاب يوليو: إن لم يكن لدى رجال الدين انتماء لهذه الأرض ولهذا الشعب، فإنه ليس من السهل عليهم البقاء في هذه البلاد.
وختم الأرشمندريت يوليو حديثه بالقول إن إسرائيل لا تريد رؤية هؤلاء الأشخاص في البلاد “لأنهم يعتبرون شهود عيان على ما يجري، واعتداءات المستوطنين المتكررة عليهم تندرج في إطار الضغط عليهم لمغادرة فلسطين”.
عنف طائفي وعنصري
من جهته، قال مسؤول المناصرة في مكتب مجلس الكنائس العالمي بالقدس جورج سحّار للجزيرة نت، إن المجلس أثار قضية الاعتداءات على رجال الدين المسيحيين عدة مرات، وأخذ موقفا ضد هذه الاعتداءات بالتأكيد على أن السلطة المحتلة في القدس تقع على عاتقها مسؤولية توفير الحماية والكرامة بعدالة لكل الأديان.
وأكد سحّار أن المكتب في القدس يضع جميع كنائس العالم في صورة الاعتداءات المتكررة، ويطالبها بالتدخل لضمان حرية العبادة في المدينة، لأن الاعتداءات تمس بجوهر القدس كمدينة مقدسة ومكان آمن.
وفي بيان وصل إلى الجزيرة نت، قالت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، على لسان رئيسها رمزي خوري إن الحاجة “ملحة لتدخل فوري وعاجل من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوضع حد للجرائم الفاشية الإسرائيلية”.
وناشد خوري كنائس العالم “للضغط على حكوماتها لوضع حد لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ووقف كافة أشكال العنف الطائفي والعنصري التي ينفذها قطعان المستوطنين بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته”.
وجاء في البيان أن الاعتداء الأخير على رجل الدين المسيحي ينضاف إلى 9 اعتداءات نفذها المتطرفون في القدس بحق الكنائس وممتلكاتها ورجال الدين المسيحيين خلال عام 2023 المنصرم.
كما أدانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية -في بيان وصل إلى الجزيرة نت- الاعتداء الذي وصفته “بالاستفزازي والاستعلائي والاستعماري والعنصري الذي يعكس ثقافة الكراهية والحقد وإنكار وجود الآخر”.
شهود عيان: تعرض رئيس الرهبان البندكتان في الأرض المقدسة الأب نيقوديموس شنابل، لحادثة اعتداء و «بصق» من قبل مستعمر، في حين قام آخر بشتم المسيح عيسى عليه السلام، بألفاظ نابية.
ويتعرض الرهبان في القدس، لاعتداءات متواصلة في السنوات الأخيرة من قبل المستعمرين المتطرفين، حيث أظهرت…
— جريدة القدس (@alqudsnewspaper) February 4, 2024
تعبئة وتحريض
وأضافت الوزارة أن الاعتداء يعكس حجم التحريض والتعبئة العنصرية التي تتلقاها عناصر المنظمات والجمعيات الاستيطانية المتطرفة، سواء من خلال المدارس الدينية أو فتاوى الحاخامات المتطرفين، والحملات والمواقف التحريضية المعلنة من وزراء في الحكومة الإسرائيلية أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بستلئيل سموتريتش وغيرهما من المستوى الإسرائيلي الرسمي.
ورأت الوزارة أن “شعور مليشيات المستوطنين بالحماية السياسية والقانونية يشجعهم على التمادي في زرع بذور الكراهية وإشعال الحرائق في ساحة الصراع وممارسة أبشع الجرائم والاعتداءات الاستفزازية ضد المواطنين الفلسطينيين وأتباع الديانات الأخرى”.
يذكر أن المنطلق الديني الذي يدفع بالمستوطنين للاعتداء على الكنائس ورجال الدين المسيحيين هو أن العقيدة اليهودية تعتبر المسيحيين “عبدة أوثان” وتنبذ الديانة المسيحية لأنها “وثنية”.