أحمد حموش
مدينة مراكش- “منذ لحظة وقوع الزلزال ونحن ننقل الضحايا، وما زلنا ننقل، وأخشى أننا سنستمر في هذا العمل طيلة الأيام القادمة”، هكذا اختار سائق سيارة إسعاف أن يصف الوضع الذي يعيشه المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمدينة مراكش، والذي يحمل إليه الكثير من ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة مساء الجمعة.
كان وجه السائق متعبا شاحبا وهو يضيف في دردشة مع الجزيرة نت أن الوضع سيئ للغاية، وما لبث أن سارع إلى إغلاق باب سيارة الإسعاف مغادرا نحو منطقة جديدة لجلب ضحية جديدة.
فإلى حدود أمس السبت، لم يعتد سائق سيارة الإسعاف هذا ورفاقه على مواجهة كارثة بهذا الحجم، التي لا شك أنها ستترك ندوبا عميقة في ذاكرتهم إلى الأبد، كيف لا وهم يحملون يوميا عشرات الضحايا إلى المستشفيات، ولا يعلمون هل سينجون أم سيضافون للائحة الموتى التي لا تريد أن تتوقف عن الارتفاع.
فما يزال رقم الضحايا في ارتفاع مستمر، ولحدود كتابة هذه السطور من فجر اليوم العاشر من سبتمبر/أيلول وصل العدد إلى 2012 قتيلا، و2059 جريحا، جلهم ذوو إصابات خطرة. ومع انتشال ضحايا جدد من تحت الأنقاض الكل متأكد من أن الرقم سيرتفع.
حركة دؤوبة
الحركة داخل المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمدينة مراكش لا تكاد تهدأ، سيارات إسعاف خارجة، وأخرى تسارع للدخول، وهو أحد أبرز المستشفيات المركزية التي يحمل إليها ضحايا الزلزال.
بمجرد وصول سيارة إسعاف، يلتف حولها الممرضون والأهل ويحملون المصابين إلى قاعات المستشفى، حيث تواصل الكوادر الطبية عملها من دون توقف منذ الدقائق الأولى لوقوع الزلزال.
هذه سيارة إسعاف أنزل منها على ناقلة شبح إنسان مغطى بملاءة منزلية وهو لا يكاد يحس بما حوله، وتلك السيارة أنزلت منها عائلة كاملة؛ أب مصاب برضوض في رجله، وأم تحمل طفلا لف رأسه بضمادة طبية، وهناك سيارة إسعاف ثالثة أنزل منها كهل متكئ على جانبه الأيمن ولا يكاد ينبس ببنت شفة.
من خلال ملابسهم وسحنات وجوههم الحزينة، من الواضح أنهم من سكان المناطق النائية التي ضربها الزلزال مباشرة.
مصابون في كل مكان
تمنع شركة الأمن المكلفة بحراسة المستشفى الجميع من الدخول باستثناء الأطباء والممرضين، فكل متر داخل المستشفى يُستغل لمعالجة ضحايا الزلزال.
وعاينت الجزيرة نت وجود العديد من الضحايا المصابين برضوض وكسور في بهو المستشفى الذي عادة يكون غاصا بالزوار، أما اليوم فهو مخصص للمعاينة الأولية لكل ضحية جديدة تأتي إلى المستشفى.
الأطباء والممرضون لم يتوقفوا عن العمل منذ الدقائق الأولى للزلزال، ويستغلون كل فرصة سانحة لأخذ قسط من الراحة داخل حديقة المستشفى الغاصة بالأهالي والزوار، ولا يكادون يرفعون رؤوسهم إلا للحديث إلى زملائهم في ما يشبه الفضفضة.
أحدهم (فضل عدم الكشف عن اسمه) أكد للجزيرة نت أن المستشفى استقبل عددا هائلا من الضحايا، إصاباتهم متباينة الخطورة.
وأضاف أن المستشفى يغص بالأطر الطبية والتمريضية، والمشكلة الحقيقية تكمن في إيجاد أماكن لاستقبال الضحايا، فضلا عن التنسيق بين الفرق الطبية لإجراء العلاجات اللازمة، فكل طبيب -لهول الكارثة- يجتهد في فعل ما يلزم للمصاب الذي يصل.
عدم وجود أماكن كافية لاستقبال العدد الكبير للضحايا -الذي “يصعب حصره” حسب تصريحات الأطباء- خلق مشاكل مع بعض الضحايا وأهاليهم، حيث طولب من بعض الجرحى المصابين بإصابات خفيفة مغادرة المستشفى، لترك أماكنهم للمصابين بإصابات خطيرة، وهو ما رفضه أهالي الضحايا بدعوى حاجة أقاربهم للرعاية الطبية المباشرة.
الكل يساعد
بعض الناشطين في جمعيات أهلية خيرية فاجؤوا زوار المستشفى بمساعدات بسيطة عبارة عن مياه للشرب وسندويتشات متواضعة، لكنها زرعت البسمة على وجوه متعبة حائرة خائفة مما هو آت، مثلما هي خائفة على مصير أفرادها المصابين.
بعض الأهالي افترشوا الحديقة البسيطة داخل المستشفى للنوم وأخذ قسط من الراحة بعد يوم متعب صاحبوا فيه أفراد عائلاتهم من أعالي الجبال التي ضربها الزلزال إلى مدينة مراكش لأجل العلاج، ولا يريدون المغادرة قبل الاطمئنان على مصيرهم.
وعندما ضاق المكان بالضحايا والأهالي والزوار، اجتمع خلق كثير خارج المستشفى؛ نساء ورجال وشباب وشيب، يجاهدون فقط حتى لا يغلقوا الباب الرئيسي للمستشفى الذي تدخل منه سيارات الإسعاف أساسا.
وبين الفينة والأخرى يسمع صوت مخيف لسيارات إسعاف لا تدخل من الباب الرئيسي للمستشفى، وعندما تسأل عن ذلك يجيبك أحدهم: إنها تخرج من باب آخر حاملة إلى المشرحة جثث مصابين التحقوا بالرفيق الأعلى، ثم ما يلبث أن يواصل ما كان منشغلا فيه قبل أن يجيبك.
فهنا، رائحة الموت الصامت تغمر المكان، ولم يعد خبر وفاة ضحية جُلب قبل دقائق إلى المستشفى حدثا يستوجب التوقف والحزن.