غزة- قال رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” محمد إبراهيم المدهون، إن قضية اللاجئين الفلسطينيين، تتعرض لما وصفها بالمؤامرة المتجددة التي تستهدف تصفيتها.
وتحدث المدهون، خلال حوار خاص بالجزيرة نت، عن تعاظم وجود حركة حماس التنظيمي شعبياً وسياسياً وعسكرياً داخل مخيمات لبنان للاجئين الفلسطينيين، مع وجود “حالة تنسيق كبيرة” مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) “للتصدي لما يحاك ضد المخيمات”.
ويشير مراقبون إلى تنامٍ ملحوظ للدور الذي تلعبه حماس في مساعي ضبط الأمن والاستقرار في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، وبرز هذا الدور خلال الأزمة الحالية التي يشهدها مخيم “عين الحلوة” أحد أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان والشتات.
وشهدت الآونة الأخيرة زيارات واتصالات مكثفة لرئيس مكتب حركة حماس السياسي إسماعيل هنية وقادتها مع أطراف فلسطينية ولبنانية من أجل نزع فتيل الأزمة، وعدم تدهور الأوضاع في مخيمات لبنان. وآخرها الزيارة الحالية لنائب رئيس الحركة في إقليم الخارج موسى أبو مرزوق.
وأسست حماس في العام 2000 بقرار من مؤسسها الشيخ أحمد ياسين “دائرة شؤون اللاجئين واللجان الشعبية”، وأصبحت اليوم جهة ذات أهمية فيما يخص قضايا اللاجئين، وتحديدا في غزة ومخيمات لبنان.
وهنا نص الحوار كاملا:
-
لنبدأ من لقاء أبو مرزوق بقيادة حركة فتح في مقر السفارة الفلسطينية ببيروت، ما دواعي هذا اللقاء ونتائجه؟
حماس منفتحة بدرجة كبيرة على فتح وكل القوى والمكونات في لبنان، بما يحفظ أمن واستقرار مخيمات اللاجئين، وتدرك الحركة أن مخيمات اللاجئين تمثل عناوين لقضية شعب لاجئ مهجر، ومشاريع استهدافها لم تتوقف لضرب مشروع التحرير، وما يحدث في عين الحلوة ليس بعيدا عن ذلك، وجاءت زيارة القائد أبو مرزوق إلى لبنان ولقائه بقيادة فتح في إطار عملية التنسيق والعمل المشترك بين الحركتين لنزع فتيل الأزمة، رغم أن حماس ليست جزءا من الأحداث الدامية هناك.
جهود حماس لم تنقطع منذ اندلاع أزمة عين الحلوة، وقد تواصلت مع كل الأطراف، وما تسبب في تعميق هذه الأزمة وجود أطراف غير فلسطينية وأجندات متباينة ليست لصالح المخيم، منها من يتبنى الفكر التكفيري، وهي مرحلة مررنا بها في غزة في محطة من المحطات، وتشكل خطراً على الفكر الإسلامي الوسطي وعلى المشروع الوطني التحرري بإثارة معارك بعيدا عن مركزية العداء مع الاحتلال، وقد صدر بيان مشترك عن حركتي حماس وفتح عقب اللقاء في مقر السفارة يحمل رؤية للحل وعودة الاستقرار لعين الحلوة.
-
ما حدود الدور الذي تلعبه حماس في مخيمات لبنان؟
مخيمات اللاجئين في لبنان هي الأكثر قرباً وشبهاً بغزة، وتتمتع حماس فيها بحضور تنظيمي سياسي وعسكري قوي، فضلاً عن محافظتها على درجة عالية من العلاقة والتنسيق مع فتح ومختلف المكونات والقوى الفلسطينية، وكذلك اللبنانية، فحماس تحرص على عدم فتح جبهات صراع مع أحد.
ويمكن القول إن وجود حماس في مخيمات اللاجئين بلبنان هو على مستويين، الأول: التأييد الشعبي الذي اكتسبته من قيادتها للمقاومة في غزة، والثاني: حضور تنظيمي سياسي وعسكري، وربما لا نبالغ في حماس باعتبارنا هذه المعسكرات هي بالمرتبة الثانية بعد غزة من حيث القوة والحضور التنظيمي للحركة.
وقد كانت لي زيارة للبنان وشعرت كأنني في مخيمات غزة ورايات الحركة الخضراء ترفرف فوق المباني والمساجد، وهذه القوة تمنح الحركة القدرة على لعب دور رئيسي تشكل به ضمانة للأمن والاستقرار.
-
ماذا يُراد لمخيمات اللاجئين في لبنان في ظل تكرر أزماتها، وهي من الأشد فقراً وبؤساً من بين مخيمات الشتات؟
مخيمات اللاجئين تعرضت على مدار العقود الثلاثة الماضية لمؤامرة حقيقية تستهدف تصفيتها، عبر دفع الشباب اللاجئين إلى الهجرة خارج لبنان، وهي مؤامرة تقودها أطراف رسمية وغير رسمية، والواقع المعيش داخل هذه المعسكرات يسهل عليها تنفيذ مخططاتها حيث القيود المفروضة على 73 مهنة ووظيفة ممنوعة على اللاجئ الفلسطيني، والقيود على البناء وعدم السماح حتى بالتمدد الرأسي لمواكبة الزيادة السكانية، فضلاً عن البنية التحتية المدمرة، والحواجز الأمنية على مداخل المعسكرات.
كل ذلك أوجد بيئة محتقنة داخلها، وهذا الاحتقان يطال كل مناحي الحياة بما فيها الجانب الأمني، ويتسبب في هجرة أعداد متزايدة من الشباب لخارج لبنان بحثاً عن فرص عمل لتأمين حياة أهاليهم.
-
وكيف لحماس أن تستغل تنامي قوتها في لبنان لحماية المخيمات والتصدي لمثل هذه المؤامرات؟
حماس تولي هذا الملف اهتماماً خاصاً، وتدرك قيمة مخيمات اللاجئين في الداخل والشتات، ولذلك كان قرار الشيخ الشهيد أحمد ياسين في العام 2000 بتشكيل “دائرة شؤون اللاجئين واللجان الشعبية”، من أجل الاهتمام بتأمين حياة تليق باللاجئ حتى العودة إلى فلسطين التاريخية، وندرس حالياً تغيير اسم الدائرة إلى “دائرة العائدين واللجان الشعبية” استبشاراً بقرب التحرير والعودة.
كما أن حماس على تواصل دائم وتنسيق مستمر مع دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، لما يحقق مصلحة اللاجئين، وكان لنا محطات مشتركة مهمة في هذا الصدد، سواء بالداخل أو الشتات، أبرزها اللجنة التي شكلناها لمواجهة اتفاق الإطار الخاص بتمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وفرض شروط على استئناف التمويل الأميركي للوكالة بعد انقطاعه لسنوات في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كجزء من خطته المعروفة بـ “صفقة القرن” التي استهدفت تصفية الأونروا كعنوان لقضية اللاجئين.
-
هل ما تعانيه أونروا حاليا أزمة مالية أم سياسية؟
هي أزمة سياسية وانعكاسها مالي، فتمويل الوكالة هو أحد أدوات الضغط السياسي من الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني، والهدف منه القضاء على قضية اللاجئين عبر تصفية الأونروا، وإلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كغيرهم من لاجئي العالم، وبالتالي القضاء على رمزية القضية الفلسطينية.
وتمارس الولايات المتحدة الضغط والابتزاز كونها المساهم الأكبر في الموازنة التشغيلية للأونروا بـ 360 مليون دولار من أصل حوالي 830 مليون دولار سنويا كمصاريف جارية. ومن هنا جاء فرض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اتفاق الإطار لاستئناف التمويل، الذي أصبح تمويلا بشروط سياسية.
حماس ومعها كل هيئات تمثيل اللاجئين في القوى والمكونات الفلسطينية ترى أن تحرر أونروا من هذه الضغوط يستوجب توفر موازنة خاصة بها من الأمم المتحدة أسوة بباقي المنظمات الأممية، وأن يكون التفويض الممنوح لها دائما إلى حين عودة اللاجئين وليس مسقوفا بـ3 سنوات تتطلب التجديد بالتصويت، بمعنى أننا نريد أن نرفع السيف عن رقبة الوكالة.
-
ما مستوى تواصلكم مع أونروا لمعالجة قضايا اللاجئين؟
نحن على تواصل لا ينقطع، وأونروا ترى أن حماس من خلال إدارتها لغزة تساهم في تذليل العقبات، وقد جاء تشكيل “اللجنة المشتركة للاجئين” المؤلفة من القوى السياسية واتحاد أولياء الأمور واتحاد موظفي أونروا، كإسناد للوكالة وُجهة تمثل اللاجئين في مخيمات غزة، ونحن حريصون على عودة حركة فتح لهذه اللجنة بعد نحو عامين من تجميد عضويتها جراء خلاف على حدث ليس من اختصاص اللجنة.
وتدرس حماس حالياً توفير غطاء قانوني للجنة المشتركة اللاجئين، وهناك لائحة في منظمة التحرير تنظم عمل اللجان الشعبية، وليس لدينا مانع من اعتمادها لتكون الناظم لعمل اللجنة في المخيمات، من دون أن يخل ذلك بمسؤولية أونروا، ومن شأن عودة فتح للجنة، ونجاح تجربتها في غزة، أن يتم تعميمها على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية والشتات.
-
تواجه مخيمات اللاجئين في غزة أزمات مركبة، هل لديكم خطة للنهوض بواقعها المتردي؟
هذه الأزمات ليست منفصلة عن أزمات غزة العامة جراء الحصار الخانق، وما يزيد من حدتها هي الأزمة المالية التي تعاني منها أونروا منذ سنوات، وأدت إلى تراجع حاد في كثير من الخدمات المقدمة للاجئين الذين يمثلون نحو 75% من مجمل سكان القطاع.
حماس تبذل جهوداً كبيرة لمعالجة أزمات غزة، ولكن الواقع أكبر من قدرات وإمكانيات الحركة، التي تبقى محاولاتها “تسكينية” وفق الإمكانيات المتاحة لها.
-
أحد إفرازات هذه الأزمات وتداعياتها كان اندفاع الشباب نحو الهجرة، أليس كذلك؟
لا شك أن الحياة قاسية في غزة، واستمرار الحصار وقيود الاحتلال لسنوات طويلة نشأ معها جيل من الشباب له حقوق يطالب بها وتطلعات يسعى إليها، وحماس لا تستطيع توفير سبل الحياة والوظيفة لهذه الأعداد الكبيرة من الشباب، رغم تفكيرها الدائم في الحلول وتواصلها مع دول الإقليم لتوفير فرص عمل آمنة للشباب سواء عبرها أو عبر السلطة الفلسطينية، إضافة إلى تشجيع الشباب للعمل عن بعد، ودعمها للمشاريع الصغيرة، وتوفير فرص عمل مؤقتة، بما يعزز الأمل في نفوسهم.
ووفق الأرقام الرسمية فإن هجرة الشباب من غزة لا تشكل ظاهرة، وأعداد العائدين إلى غزة أكبر من الخارجين منها، وهذه الهجرة ليست الأكبر على مستوى دول الإقليم، وسفر الكثير منهم بهدف الدراسة أو العمل وليست الهجرة بالمفهوم المتعارف عليه.