بيروت- قالت مراسلة الجزيرة في لبنان كارمن جوخدار -التي أصيبت مع المصور إيلي برخيا- إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تعمدت استهداف فريق الجزيرة أكثر من مرة، لأنها تنقل الواقع والأحداث بوضوح على الهواء، لكن هذا الاستهداف سيزيد حماستنا وإصرارنا على مواصلة نقل الحقيقة.
وأضافت جوخدار في حوار مع الجزيرة نت أن الاحتلال الإسرائيلي تعمد استهداف واغتيال أكثر من 20 صحفيا فلسطينيا في حربه على غزة، كما استهدف عائلة مراسل الجزيرة وائل الدحدوح، وقبل ذلك اغتال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، لكنها ستعمل على نشر حقيقة أن الاحتلال يتعمد ارتكاب جريمة حرب، وهي استهداف الصحفيين.
وأشارت إلى أن الشيء الذي يشجعها ويحفزها هو أن الجزيرة من أول لحظة كان لديها موقف ثابت وحازم بأن إسرائيل هي التي استهدفت صحفييها، في وقت شاهدنا تلكؤ أو صمت جهات إعلامية أخرى على الجرائم التي تتعرض لها فرقها الصحفية.
وفي ما يلي نص الحوار:
بداية، نريد أن نطمئن على صحتك؟
أنا لدي مجموعة جراح تتعافى ولكن بعضها حدثت فيها التهابات، وهناك شكوك أن تكون هناك شظية بقدمي اليسرى، والأسبوع المقبل سنجري صورا وفحوصا طبية للتثبت من الأمر لأني أشعر بآلام أثناء محاولة السير.
ولكن من المهم أن أقول إن الوضع الطبي والصحي لزميلنا مصور الجزيرة إيلي برخيا أشد خطورة، وهو بحاجة لإجراء عمليات جراحية عدة.
هل يمكن أن تروي لنا ما حدث لحظة القصف؟
منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي توزع أكثر من فريق للجزيرة على طول القطاعات الحدودية لجنوب لبنان مع إسرائيل، وكنت أنا في الفريق الذي كان في قطاع الناقورة، وفي أول يومين كان هناك هدوء نسبي في القطاع الذي كنا نوجد فيه، وفي يوم الاثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول حدث تغيير دراماتيكي في قطاع الناقورة بعد محاولة تسلل قامت بها سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي.
وكان فريق الجزيرة يوجد في منطقة مروحين، ولم يكن هناك أي وجود لفرق صحفية أخرى وكذلك لم يكن هناك أي أشخاص آخرين، بالعكس كنا نوجد قرب أحد مقرات قوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل)، ولكننا تعرضنا لاستهداف مباشر عندما سقط صاروخ إسرائيلي خلفنا مباشرة ونحن على الهواء، وقد تضررت سيارة الجزيرة بشدة.
وأذكر أن إسرائيل في هذا الوقت كانت تقصف كل الشريط الحدودي بالمدفعية ولكن القصف الذي طالنا يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول كان قصفا مباشرا بصاروخ، وهو ما جعلنا نتأكد أن هذا القصف لم يكن خطأ، بل كان استهدافا مباشرا لفريق قناة الجزيرة.
وفي يوم الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول كنا بمخيم البرج للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور، لتغطية إحدى فعاليات التضامن مع أهالي غزة، وبعد انتهاء التغطية عدنا إلى الناقورة وتوجهنا عصرا إلى بلدة علما الشعب، حيث صورنا عمليات القصف في بث مباشر، ولاحقا انضم إلينا فريق عمل وكالة رويترز وفريق وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي البث المباشر الثاني قرابة الساعة الخامسة والربع صورنا مروحية أباتشي إسرائيلية في أجواء البلدة، وكنت على الهواء مباشرة فقلت إن هذه الطائرة ربما تقوم بالاستطلاع أو لديها مهمة أخرى، وبعد انتهاء البث مباشرة أطلقت المروحية من دون أي قصف تحذيري الصاروخ الأول الذي أصاب الزميل عصام عبد الله مصور رويترز وأدى إلى استشهاده فورا.
وبعد ثوانٍ سقط صاروخ آخر مباشرة على سيارة الجزيرة، فأصبت أنا وباقي الزملاء، ولأنني ابتعدت عن السيارة بعد الصاروخ الأول كانت إصابتي أقل من باقي الزملاء، وبعد ذلك اتصلنا بقوات الجيش والإسعاف، لكن وصول الإسعاف تأخر لمدة نصف ساعة لأن إسرائيل كانت تشوش على أجهزة الملاحة “جي بي إس”.
قلت في فيديو إن الحادثة غيرت حياتك، فكيف أثرت عليك؟
بالتأكيد عندما يتعرض الإنسان لهذا الاستهداف المباشر والظلم والشر بدون أي ذنب فإنه يتأثر ويتألم وأيضا تزيد لديه الرغبة والإصرار على مساعدة المصابين، وتعرف أنه ليس صاروخا هو الذي يحدد مسارك ويؤثر على حياتك المهنية، بل على العكس يزيد إصرارك وحرصك على المواصلة في نقل الحقيقة.
والشيء الذي يشجع أكثر ويحفز أكثر أن الجزيرة من أول لحظة كان لديها موقف ثابت وحازم بأن من استهدف صحفيينا هي إسرائيل، فيما شاهدنا تلكؤا أو صمتا من جهات أخرى.
نعلم أنك قررت العمل على نشر حقيقة استهداف الاحتلال الصحفيين، كيف تخططين للقيام بذلك؟
من المهم أن يعلم العالم ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من جرائم بحق الصحفيين وبحق الشعب الفلسطيني، لأننا نخوض معركة لمواجهة سردية الاحتلال وكشف الحقيقة للرأي العالم العربي والعالمي.
هل يمكن أن تكون هذه الجهود مفيدة، خاصة أن قتلة شيرين أبو عاقلة لم يحاسبوا حتى الآن والغرب يدعم إسرائيل ويحميها؟
إسرائيل تعتقد أنها فوق المحاسبة، ونحن نعرف أن إدانتها أو محاسبتها أمر شبه مستحيل في الوقت الحالي، ولكن هذه الجريمة التي تمثل جريمة حرب تضاف إلى سجل إسرائيل الحافل بالانتهاكات ضد الصحفيين، وآخر هذه الانتهاكات التي نشهدها على الهواء كان في غزة، والذي اغتالت فيه قوات الاحتلال أكثر من 20 صحفيا واستهدفت عائلة مراسل الجزيرة وائل الدحدوح، وقبل ذلك اغتالت مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.
لكن يجب أن نعمل على تشكيل أطر جديدة ربما تسهل أو تضغط باتجاه السماح للصحفيين بالعمل بحرية أكبر، خصوصا الصحفيين الذين يعملون في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويتعرضون للكثير من الانتهاكات الإسرائيلية.
أريد أيضا أن أقول إنه صحيح أن إسرائيل قتلت شيرين أبو عاقلة لإخفاء صوتها وحتى هاجمت جثمانها أثناء تشييعها، ولكن شيرين كانت حاضرة بشكل كبير منذ بداية معركة طوفان الأقصى، كما أن الاحتلال قام بتجريف شارع شيرين أبو عاقلة خلال اقتحامه مدينة جنين في الضفة الغربية.
وهذا يثبت أن شيرين بعملها وأفكارها ومعتقداتها كانت تزعج الاحتلال بشكل كبير، وهو ما جعله يغتالها ويغتال صحفيين آخرين.
اليوم المعركة هي معركة السردية، وأعتقد أننا من خلال فضح جرائم الاحتلال وطرح سردية بديلة تقول إن إسرائيل تقوم بجريمة حرب فإننا نساهم بشكل كبير في تغيير الرأي العام العالمي.
هل هناك جهات دولية حقوقية أو إعلامية تواصلت معك بعد الحادث؟
منذ اليوم الأول الذي تلا الاستهداف تعاونت مع منظمات حقوقية دولية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” و”مراسلون بلا حدود” عبر شرح تفاصيل ما جرى، وأولى النتائج صدرت من “مراسلون بلا حدود” التي وجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل في النتائج الأولية لتحقيقها بشأن حادثة استهداف فريق الجزيرة في لبنان.