محور الممانعة.. الفكرة وحدودها (4): حزب الله والضرب ضمن قواعد الاشتباك

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 17 دقيقة للقراءة

ينشر موقع الجزيرة نت ملفا متكاملا بعنوان “محور الممانعة.. الفكرة وحدودها” يتناول بشكل مفصل فكرة المحور وإرهاصات التأسيس وتاريخ التكوين وسياقاته.

كما يتناول الملف أطراف المحور التي تدور في فلكه وترتبط بنواته، والفضاءات التي تعمل فيها، ويصف حالات الاستقطاب والتنافر بين مكوناته ومحيطها.

ونبحث في الملف علاقة المحور بالمقاومة الفلسطينية التي تخوض في قطاع غزة -وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- معركة “طوفان الأقصى” ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 110 أيام.

سينشر الملف كسلسلة على حلقات، نبدؤها بالحديث عن إيران كنواة لهذا المحور، ثم نتحدث عن سوريا الحلقة الذهبية فيه، ثم نناقش كيف وصل الحوثي إلى البحر؟ وفي الحديث عن حزب الله سنتناول إستراتيجية الهجوم ضمن قواعد الاشتباك، وفي العراق المليشيات التابعة للمحور من التأسيس إلى حتى عملية الطوفان.

رابط الحلقة الأولى: إيران.. فكرة المحور وحدودها

رابط الحلقة الثانية:  الفكرة وحدودها (2): سوريا الحلقة الذهبية

رابط الحلقة الثالثة: الفكرة وحدودها (3): كيف وصل الحوثي إلى البحر؟

 

حزب الله.. الضرب ضمن قواعد الاشتباك

أحمد العاروري

مثلت عملية “طوفان الأقصى” صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مفاجأة ليس فقط لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضا لحلفاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الإقليم، وفي مقدمتهم إيران وحزب الله في لبنان، وهو ما أكدته تصريحات أعلى المستويات السياسية والعسكرية في الجانبين.

ومع ذلك، فمنذ صباح اليوم الثاني من المعركة، أعلن حزب الله استهدافه مواقع عسكرية لجيش الاحتلال في مزارع شبعا، وكانت هذه الاستهدافات بمثابة إشارة من الحزب إلى مشاركته في المعركة، لكن هذه المشاركة ظلت قيد قواعد الاشتباك المحسوبة.

ولعدة أسابيع لاحقة، ومع تتطور عمليات الاستهداف حتى مسافة 3 كلم من الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، كان “الغموض” هو سيد الموقف فيما يخص دور حزب الله في الحرب.

غموض مربك

لكن “الغموض” الذي كان يربك الاحتلال، انجلى في 8 نوفمبر/تشرين الثاني حيث ألقى الأمين العام للحزب حسن نصر الله خطابا كان منتظرا، قال فيه إن جنوب لبنان يمثل “جبهة تضامن وإسناد” للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

ومع تركه الخيارات مفتوحة بين بقاء العمليات في سياق التدرج أو الدخول في حرب واسعة، فإنه وضع شروطا ضمنية للتصعيد والدخول في الحرب، أولها المساس بلبنان، ثم وجود خطر على المقاومة في القطاع، وأعلن أن الحزب “لن يسمح بهزيمة حماس” وسيعمل على أن “تخرج منتصرة”.

بقيت عمليات الحزب على الحدود تتركز على استهداف قوات الاحتلال وأجهزة التجسس الإسرائيلية والمعسكرات والقواعد في المناطق المحيطة بجنوب لبنان، ومع ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوف الجنود والمستوطنين، شنت قوات الاحتلال غارات على منازل ومنشآت مدنية لبنانية، وهو ما دفع الحزب إلى استخدام أسلحة جديدة مثل صواريخ “البركان” واستهداف مستوطنات كما حصل في الغارات الصاروخية على مستوطنة “كريات شمونة”.

وقد نجم عن هذه الاستهدافات، أن نزح من شمال فلسطين المحتلة أكثر من 230 ألف مستوطن، وذلك بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، كما نزح، بحسب “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، أكثر من 64 ألف لبناني من جنوب لبنان، بعد تعرض نحو 91 قرية لنحو 1786 هجوما. ومنذ بدء المواجهات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، قتل 133 عنصرا من الحزب.

وبالتزامن مع عمليات الحزب من جبهة الجنوب، نفذت “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة حماس و”سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد ومجموعات لبنانية مثل الجماعة الإسلامية اللبنانية، عمليات من ذات المناطق، وهو ما يؤكد قوة التنسيق وتطور العلاقة بين هذه الأطراف في السنوات الماضية.

تحمل جبهة جنوب لبنان في سياق “طوفان الأقصى” بوادر اشتعال أكبر، وربما اندلاع حرب، في ظل إعلان التجمعات الاستيطانية التي هُجّرت بعد هذه العمليات أن سكانها لن يعودوا قبل إبعاد حزب الله عن الحدود.

يضاف إلى ذلك تسريبات إعلامية حول ضغوط واتصالات من أطراف مختلفة، بينها الولايات المتحدة وفرنسا، لإقناع الدولة اللبنانية بتحقيق هذا الهدف، في سياق تطبيق قرارات الأمم المتحدة، وتأكيد قادة الحزب حتى اللحظة أن هذه المطالب غير قابلة للتحقق.

الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله (الجزيرة)

تأسيس الحزب

شكل اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والبقاع الغربي وصولا إلى العاصمة بيروت، بدءًا من يونيو/حزيران 1982، بهدف تدمير قدرات منظمة التحرير الفلسطينية وإخراج قواتها من الأراضي اللبنانية، حدثا إستراتيجيا على مستويات مختلفة، بينها إنضاج الظروف لظهور تيار إسلامي شيعي جديد، كان قوامه شبانا توزعوا على تيارات مختلفة، بينها “حركة أمل” التي أسسها الإمام موسى الصدر، وتأثروا بالثورة الإسلامية في إيران التي قادها الخميني.

بعد الاجتياح اجتمعت لجنة تمثل التجمع العلمائي في البقاع، واللجان الإسلامية، وحركة “أمل الإسلامية”، وتوصلوا إلى وثيقة عرفت باسم “وثيقة التسعة”، ثم حملوها إلى المرشد الإيراني بصفته “المرجع الشرعي والفقهي” لهم، الذي أقرها لهم ومنحهم “الموافقة الشرعية” عليها، وبعد مداولات فيما بينهم حول اسم المولود الجديد، توافقوا على اسم “حزب الله”.

بذلك، فإن علاقة الحزب مع “الولي الفقيه” الذي كان يمثله الخميني، بدأت من التأسيس والتأثر الفكري ثم بفتح خط العلاقات السياسية والمرجعية.

بعد الاجتياح أوفدت إيران وفدا من مؤسستها العسكرية، وعلى رأسها “الحرس الثوري”، إلى لبنان، ثم دخلت مجموعة منه إلى البقاع، وأقامت معسكرا في منطقة “جنتا” لتدريب الجيل الأول من مقاتلي الحزب، وبينهم الأمين العام السابق عباس الموسوي، الذي قتل بعملية اغتيال إسرائيلية عام 1992.

تركز علاقات حزب الله مع الدولة الإيرانية في تلك الفترة مع شخصيات من الحرس الثوري الإيراني، بينهم محسن رضائي، والسفير في سوريا علي أكبر محتشمي، وعلي خامنئي الذي انتدبه الإمام الخميني للتنسيق مع الحزب.

وكانت هذه العلاقة متعددة الأبعاد، وبقي “الولي الفقيه” يمثل مرجعا للحزب في القضايا التي يرى أنها يجب أن تناقش من “أرضية شرعية”، كما في قضية الحصار الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قرى في جنوب لبنان، بعد عملية الاستشهادي علي صفي الدين عام 1984، إذ ثار حينها احتجاج من أطراف أخرى على الثمن الذي يدفعه الأهالي بعد هذه العمليات، فتوجه الحزب لاستنطاق الخميني في القضية، فقال إن العمليات العسكرية يجب أن تتواصل.

وفي قضية أخرى يروي حسن نصر الله أن الحزب توجه إلى الإمام الخميني خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988)، لحسم النقاش في كيفية تصرف حزب الله في حال أقدم جيش الاحتلال على اجتياح كامل للأراضي اللبنانية.

وخلال الصراع بين الحزب وحركة أمل في أواخر الثمانينيات، الذي عرف باسم “حرب الإخوة”، كانت إيران ممثلا ومدافعا عن الحزب أمام الإدارة السورية التي كانت أمل تمثل حليفا لها في لبنان.

تحت ظل فيلق القدس

خلال سنوات قتال حزب الله مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي بقي في مناطق مختلفة من جنوب لبنان والبقاع الغربي ضمن ما سمّاه “المنطقة الأمنية”، حتى التحرير في مايو/أيار 2000، كانت العلاقات بين الحزب وفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن التنسيق مع الحزب والفصائل المتحالفة مع إيران في المنطقة وقوى المقاومة الفلسطينية، قوية، إذ عمل الفيلق على تزويد الحزب بالأسلحة، وتزويد كوادره بالدورات القتالية، والتنسيق في مجال الخطط وتطوير العمل القتالي.

وفي عام 1998، كان لتولي اللواء قاسم سليماني مسؤولية فيلق القدس، أثرا نوعيا في العلاقة مع الحزب. فقد بدأ مهماته في إدارة الفيلق بالتوجه نحو لبنان، والتعرف على قادة الحزب، وزيارة مواقعه التي كانت في مواجهة المنطقة المحتلة من الجنوب، وأقام علاقات راسخة ومتينة مع قيادات الحزب، وعلى رأسهم حسن نصر الله وعماد مغنية ومصطفى بدر الدين وآخرون، وأكمل مسار زيادة قوة الحزب وتطوير عملياته القتالية.

وفي السنوات التالية وحتى اغتياله عام 2020، كان سليماني مركزيا في العلاقات مع الحزب، ينسق معه على مختلف الجبهات التي دخلا فيها معا، وحتى في العلاقات مع الفصائل الفلسطينية وتلك التي في العراق والمناطق التي أقامت إيران علاقات معها واستثمرتها في الحرب على الأرض السورية.

ففي حرب 2006، كان سليماني حاضرا إلى جانب نصر الله ومغنية في إدارة المعركة والتنسيق مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.

العلاقة مع الفصائل الفلسطينية

بالتوازي مع العلاقات المتعددة الأبعاد مع إيران، حافظت شخصيات مركزية في الحزب على علاقات مع الفصائل الفلسطينية، حتى مع حركة “فتح” وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات. كان عماد مغنية وأبو حسن سلامة وآخرون من الحزب، الذين ارتبطوا بعلاقات مع الثورة الفلسطينية خلال وجودها في لبنان، يرون أن عودة قوات فلسطينية إلى الأرض المحتلة بعد اتفاقية أوسلو 1993، هي فرصة لمواصلة الاتصالات من أجل تزويد الفلسطينيين بالسلاح والدعم لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

علاقات مغنية وفريقه مع الرئيس عرفات، بالتوازي مع العلاقات التاريخية مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية – القيادة العامة” وغيرها من الفصائل المحسوبة على المقاومة.

وكانت انتفاضة الأقصى عام 2000، فرصة لتطوير مسار “دعم المقاومة الفلسطينية”، حتى مع جهات داخل حركة فتح، ومن أبرز تجليات ذلك قضية سفينة “كارين أيه “التي أعلن جيش الاحتلال السيطرة عليها قبل وصولها إلى شواطئ قطاع غزة.

وفي سنوات ما بعد انتفاضة الأقصى، بقي دور الحزب بالشراكة مع سليماني في التنسيق مع الفصائل الفلسطينية وأجهزتها العسكرية، خاصة في قطاع غزة، يأخذ أبعادا أوسع في ظل سعي كتائب المقاومة لتطوير بنيتها العسكرية، من خلال بناء منظومة الأنفاق وتطوير الأسلحة النوعية مثل الصواريخ وغيرها.

الوقوف ضد الثورة

في بدايات حزب الله وترسيخ وجوده العسكري، لم تكن علاقته بالإدارة السورية التي كانت تتحكم في لبنان، إيجابية.

ويروي قادة في الحزب، أن شخصيات في النظام السوري كانت تدفع نحو الصدام مع الحزب، ويتهم هؤلاء القادة غازي كنعان، القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان، الذي كان يعتبر حينها المتحكم في الحياة السياسية في البلاد، بالوقوف خلف الصدام مع الحزب، كما في حادثة “ثكنة فتح الله” عام 1987، التي قتل فيها الجيش السوري عددا من عناصر الحزب، واتهم اللواء جامع جامع شخصيا بالوقوف خلفها.

وفي عدوان “عناقيد الغضب” الذي شنه جيش الاحتلال على لبنان عام 1996، يروي قادة من الحزب بينهم المعاون السياسي للأمين العام حسين الخليل، أن غازي كنعان اصطدم بالحزب وأظهر غضبا من سلوك الحزب العسكري، وذلك قبل أن تتجه العلاقات نحو مسار إيجابي، بعد أن كلف حافظ الأسد نجله بشار بالتنسيق مع الحزب.

ظلت العلاقة بين الحزب والنظام السوري تنضج حتى وصلت إلى وصف نصر الله لها بـ”العلاقة الإستراتيجية”، بعد أن أصبحت سوريا مسارا لنقل السلاح إلى الحزب من إيران، حتى وصلت العلاقة إلى بناء محور تمثل إيران وسوريا والحزب أضلاعه الأساسية.

كان انطلاق الثورات العربية، بداية من تونس وبعدها مصر، ثم وصولها إلى دول عربية أخرى بينها سوريا، مرحلة جديدة في تاريخ الحزب والمنطقة. أعلن حزب الله مواقف مرحبة و”إيجابية” من الثورات، خاصة في تونس ومصر، لكن وصولها إلى سوريا مثل “هزة” ضخمة في رؤيته لمسار الأحداث وعلاقاته على مستوى المنطقة وما يعرف بـ”محور المقاومة”.

محاولة الوصول لتسويات

يقول الحزب إنه في بداية الثورة أجرى اتصالات للوصول إلى تسويات، ولكنه لاحقا أعلن موقفا واضحا بالوقوف خلف النظام، فيما قال إنه “حرب على محور المقاومة” والنظام الذي يمثل الشريان الإستراتيجي له في الإمداد والدعم السياسي والعسكري. وفي صيف 2013، أعلن الأمين العام للحزب رسميا انخراطه في المعركة التي بدأت في مدينة القصير، إذ اعتبر أن وجود التشكيلات العسكرية للثورة فيها يشكل تهديدا له.

سنوات الثورة مثلت انخراطا كاملا للحزب إلى جانب النظام وإيران وبقية حلفائهما، ويروي الجنرال الإيراني حسين همداني في مذكراته “رسائل الأسماك” أن حسن نصر الله مثل مرجعية مركزية في تقييم الأحداث في سوريا ووضع الخطط للتعامل معها.

دفع الحزب بالتنسيق مع سليماني بقوات إلى سوريا، وقتل عدد من قادته التاريخيين في المعارك. ولم تقتصر هذه المشاركة على الأرض السورية، إذ أعلن الحزب مشاركة قادة منه في إسناد المليشيات العراقية في مواجهة تنظيم “داعش”، الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق، بدءًا من عام 2014.

لم تكن العلاقات بين الحزب وقوى عراقية شيعية متحالفة مع إيران، وليدة هذه المرحلة، إذ تشير المصادر التاريخية إلى أن عماد مغنية، أحد أبرز قادة الحزب العسكريين، قد أقام علاقات مع هذه القوى قبل سقوط النظام العراقي، كما ورد في كلمة لأبي مهدي المهندس، قائد أركان “الحشد الشعبي العراقي”، وفي مرحلة مقاومة الاحتلال الأميركي.

إن الأحداث في بلاد الشام والعراق تزامنت مع تغييرات دراماتيكية في اليمن، تمثلت بصعود جماعة “أنصار الله” الحوثية المتحالفة مع إيران. ورغم ضبابية تفاصيل العلاقات والاتهامات لحزب الله من قبل دول الخليج، التي شنت حملة عسكرية في اليمن عام 2015، بتدريب الحوثيين والمشاركة في القتال إلى جانبهم، فإن الحزب نفى ذلك وأكد دعمه لهم على المستوى السياسي والمعنوي فحسب.

هذه الأحداث قد تعتبر مفتاحا لتشكل ما أصبح لاحقا مصطلحا راسخا في المداولات السياسية والإعلامية العربية والدولية، وهو “محور المقاومة”.

هل رأت “وحدة الساحات” النور؟

وعلى الرغم من تدهور العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري وإيران على خلفية الموقف من الثورة السورية، فإن علاقات الحركة مع الحزب ظلت حية كما يؤكد قادة من الحركة، خاصة على مستوى العلاقات مع كتائب القسام.

في سنوات ما بعد 2015، عادت العلاقات بين حماس والحزب وإيران إلى مسار التقوية، وصولا إلى الإعلان عن مفهوم “وحدة الساحات” الذي يؤرخ له بعام 2021 بعد معركة “سيف القدس”، وهو مفهوم لا يزال قيد التبلور، بالرغم من كونه لم يأخذ وضعا يمكن الحكم فيه بأنه أصبح نافذا في المجريات العسكرية والميدانية.

وعلى الرغم من أنه يمكن قراءة التدخلات ضمن قواعد محدودة للاشتباك، التي نفذها الحزب وفصائل إسلامية في العراق وجماعة “أنصار الله” في اليمن، على أنها تعبير عن “وحدة الساحات”، فإنها “وحدة” ظلت في إطار المشاغلة وفتح جبهات مع الاحتلال الإسرائيلي دون الذهاب إلى حرب واسعة.

أظهر الواقع المعقد الذي أوجدته معركة “طوفان الأقصى”، تعقيدا على مستوى العلاقات بين قوى المحور. الحزب الذي أعلن أن الواجب هو العمل على “عدم السماح بهزيمة حماس”، ونفذ سلسلة من العمليات ضد مواقع الاحتلال على الحدود مع لبنان، ظهر وكأنه يعمل في سياق قواعد اشتباك معروفة، وخطوط لم يحدد بدقة متى يخرج عنها ويوسع فيها من عملياته.

يلحظ المتتبع لتاريخ الحزب أن الاتجاه نحو بناء علاقات في المنطقة مع قوى مختلفة، خاصة تلك المؤيدة لخط المقاومة، نمط حاكم في فلسفته الإستراتيجية، توازيا مع علاقاته الراسخة مع النظام الإيراني. وعلى الساحة الفلسطينية أقام علاقات مع الجهاد الإسلامي وحماس وغيرهما من القوى الوطنية التي عارضت اتفاقيات التسوية.

يمثل حزب الله مركزية في “محور المقاومة”، وإن كان يرتبط عقائديا ومعنويا وسياسيا بنظام “الولي الفقيه” في إيران، إلا أن حصر علاقاته هذه في “بعد التبعية” يخفي كثيرا من التفاصيل.

فمع أن للحزب سياقات مختلفة في هذه العلاقة، من ناحية الانصياع على المستوى الشرعي لـ”الولي الفقيه”، والتنسيق العالي على المستويات السياسية والعسكرية مع إيران، فإن له أبعادا لبنانية اجتماعية وتاريخية، وارتباطا تاريخيا مع القضية الفلسطينية، وهو ما يجعل تحليل مواقفه من دون هذا الاعتبار بعيدا عن الدقة في أحيان كثيرة، كما أن مؤسساته التي بناها طوال سنوات لها وضعية مستقلة في تحليل واتخاذ القرار.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *