الخرطوم– فجر خطاب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بشأن الأوضاع السياسية والعسكرية جدلا في المشهد السوداني وغضبا مصريا لاتهامها بقصف قواته ودعم الجيش السوداني بالمقاتلات، في حين يعتقد محللون أن الخطاب عكس إحباطه من التراجع العسكري والمواقف الخارجية المناهضة له.
واتهم حميدتي مصر بالمشاركة في الضربات الجوية على قواته في منطقة جبل موية بولاية سنار في جنوب شرق البلاد. واعتبر أن الاتفاق الإطاري الذي وقعه المكون العسكري في المرحلة الانتقالية مع تحالف قوى الحرية والتغيير هو السبب في اندلاع الحرب الدائرة في البلاد.
من جانبها، نفت مصر اتهامات حميدتي بالمشاركة في الضربات الجوية على قواته في منطقة جبل موية بولاية سنار، وقالت الخارجية المصرية في بيان “إن الجيش المصري لا يشارك في المعارك الدائرة بالسودان”، ودعت المجتمع الدولي للوقوف على الأدلة التي تثبت حقيقة ما ذكره حميدتي.
إعلان هزيمة
ويرى المحلل ورئيس تحرير صحيفة “التيار” عثمان ميرغني أن خطاب حميدتي أعد على عجل، ويبدو أنه جاء رد فعل لموقف ما، متوقعا أن يكون متعلقا بمستقبله السياسي.
وفي حديث للجزيرة نت، عد المحلل الخطاب إعلان فشل للمشروع السياسي الذي اندلعت بسببه الحرب، وحمل المسؤولية لقوى الحرية والتغيير بما يعني فك الارتباط السياسي مع تحالف “تقدم”.
كما أن الخطاب يعد عمليا، بحسب ميرغني، إعلان هزيمة عسكرية في الميدان رغم الهجوم بمليون مقاتل الذي توعد به، ويكشف أيضا عن انحسار القوى البشرية والإمداد التسليحي وربما المالي أيضا وفقا للمتحدث.
ويوضح أن هجوم حميدتي على بعض الدول ناتج من صدمة الأزمة التي يواجهها، حيث يعاني من ارتباك وانهيار، وأن الاتفاق الإطاري كان ذريعة انقلاب فاشل أدى لإشعال الحرب، وأصبح “وصمة” يهرب منها الجميع.
أما الباحث والمحلل السياسي، خالد سعد، فتوقع بأن قائد الدعم السريع تلقى رسائل مؤثرة من الخارج ومن داعميه بأن “اللعبة انتهت” وللولايات المتحدة ومصر دور مهم في هذا الجانب.
وحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن التفاوض قادم لإنهاء الحرب وفق خارطة طريق تنتهي بتعزيز قيادة الجيش للعملية السياسية في البلاد لسنوات تزيد وتنقص حسب مستجدات البيئة السياسية وقدرة القيادة على إدارة المرحلة التي تلي وقف إطلاق النار، وإعادة هندسة المشهد الأمني والسياسي، وهما عنصران يتقاطعان ولا يقل أحدهما أهمية عن الآخر.
وبرأيه، فإن هذه المسألة لن تتم من دون مقاومة، وتتطلب الخطوة المدعومة أميركيا، أن يحقق الجيش انتصارات معتبرة وسريعة في الميدان الحربي، لاستعادة رمزيته التي تعرضت لهزات مؤثرة في مشروعيته الوطنية والمهنية، وبالتالي توسيع حاضنته الاجتماعية والسياسية للمرحلة التي تلي الاتفاق.
الخطة “ب”
ووفقا للباحث نفسه، فإن الجيش يحتاج إلى رديف سياسي من القوى التي أسهمت في الإطاحة بالنظام السابق أو التي كانت رديفا له، وتجرى جهود موازية لتوحيد هذه القوى في هذا الصدد عبر القاهرة وأديس أبابا، بعيدا عن أي تفاهم سابق مع الدعم السريع مثل “إعلان أديس أبابا” الموقع بين تنسيقية تحالف “تقدم” والدعم السريع.
غير أن الكاتب والمحلل السياسي محمد لطيف يعتقد أن خطاب قائد الدعم السريع هو الأخطر منذ بداية الحرب، وعده “حالة طوارئ” و”إعلان حرب” حيث لم يشر للمفاوضات أو السلام وإنهاء الحرب، كما وجه انتقادات مباشرة وغير مباشرة للمجتمع الدولي بدلا عن دوره في السلام.
وفسر الكاتب في منشور الخطة “ب” التي توعد بها حميدتي بأنها تعني الحرب الأهلية بعدما اتهم الجيش باستهداف الحواضن الاجتماعية للدعم السريع في دارفور عبر القصف الجوي، بينما لا يقصف هو قوات الجيش في مناطق وجودها بمناطق حجر العسل وقري بولاية نهر النيل في شمال البلاد التي يعتبرها مناطق حواضن للجيش.
وفي المقابل، أفاد الصحفي حافظ كبير، تعليقا على خطاب حميدتي، بأن أثر هذه الكلمات سيترجم من صباح الغد بقية الخطاب محاولة لعقلنة المعركة المقبلة. وقال في صفحته على موقع التواصل فيسبوك، إن “المعارك المقبلة مختلفة تماما، وفي ظل الموجهات التي صدرت بصورة مباشرة، الرمال الساكنة ستتحرك نحو وجهات جديدة”.
ردود سياسية
وسارع مسؤولون في إقليم دارفور بالتعليق على خطاب قائد الدعم السريع، إذ قال حاكم الإقليم، مني أركو مناوي، إن حميدتي “اعترف أن الاتفاق الإطاري وراء اندلاع الحرب.. وما قاله حذرنا منه ونصحناه هو وقوى الحرية والتغيير قبل أكثر من عامين لكنهم لم يستبينوا نصحنا”.
وأضاف مناوي في تغريدة على منصة “إكس”، “الآن بدأت تظهر مفاصل المؤامرة على السودان”، وتابع، أن الحل الوحيد هو الاعتراف بالأخطاء من أجل أبناء السودان.
كما كتب وزير المالية وزعيم “حركة العدل والمساواة” جبريل إبراهيم معلقا بالقول “قد لا يدري قائد المليشيا دقلو أنه بخطابه الحزين قد نعى عمليا -من حيث يدري أو لا يدري- مغامرته لحكم السودان (…) وأعلن هزيمة أوغاده، وتبرأ من جرائمهم النكراء التي أفقدته كل شيء، ولكن بعد أن تلبسته من قمة رأسه إلى أخمص قدميه”.
وعلى صعيد القوى السياسية، وصف خالد عمر يوسف عضو المكتب القيادي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية خطاب قائد الدعم السريع بأنه تصعيد خطير في لغته ضد عدد من القوى الخارجية في منحى يعقد الأزمة ولا ينتج لها حلولا.