ما محددات انخراط حزب الله بالمواجهة بعد “طوفان الأقصى”؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

منذ اندلاع المواجهة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة عقب عملية “طوفان الأقصى”، تتجه الأنظار نحو حزب الله في جنوب لبنان.

ويمثل موقف الحزب اللبناني من الانخراط في المواجهة من عدمه عاملا حاسما في مسار المعركة، حيث أثارت سلسلة من الاشتباكات على طول الحدود في جنوب لبنان وشمال فلسطين التساؤلات عن اندلاع جبهة ثانية، إذ لم تتوقف الاشتباكات والقصف المتبادل بين الجانبين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وكان رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين، أعلن منذ الساعات الأولى أن “حزب الله لا يقف على الحياد في هذه المواجهة”.

ما أبرز المحددات التي تؤثر في اندلاع مواجهة بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان؟

تربط حركة حماس علاقة وثيقة مع حزب الله، ومن ورائه إيران، وقد تصاعد الحديث مؤخرا عما يسمى “وحدة الجبهات” أو “تعدد الساحات” في إشارة إلى اشتراك قوى المقاومة الفلسطينية؛ وبخاصة حركتا حماس والجهاد الإسلامي، مع حزب الله اللبناني والحركات المسلحة الموالية لإيران في مواجهة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وتشكل معركة “طوفان الأقصى” هذه الأيام اختبارا عمليا لإستراتيجية “تعدد الجبهات”، رغم أن هذه الإستراتيجية لم يعبر عنها بشكل رسمي من أي من المكونات المعنية كونها إستراتيجية متبعة وذات سياق ميداني.

وغالبا ما كان تتم الإشارة إليها في سياق الحديث عن وحدة الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وتبني خيار المقاومة ضده، بالإضافة للإشارة إلى عمق العلاقة بين حركات المقاومة في المنطقة.

وفي ظل طبيعة علاقة حزب الله مع حركة حماس والتأثير المتبادل لوضعية كل منهما على الآخر، ومنذ اليوم الأول لاندلاع معركة “طوفان الأقصى”، باشر حزب الله بسلسلة من العمليات ضد أهداف عسكرية “إسرائيلية” في مزارع شبعا اللبنانية.

الأمر الذي جعل من سيناريو اندلاع مواجهة في الجنوب اللبناني مطروحا على طاولة جميع الأطراف المعنية.

في المقابل، بدا واضحا أن ردة الفعل الأولى لإدارة بايدن على عملية “طوفان الأقصى” كانت موجهة بالدرجة الأولى نحو منع تصعيد المواجهة بتحذيرها “أطرافا إقليمية”، يقصد بها حزب الله وإيران، من استغلال الموقف الهش الذي ظهرت به دولة الاحتلال الإسرائيلي وفتح جبهات أخرى.

ويشير الموقف الأميركي الذي عبّر عنه الرئيس جو بايدن، وتم التأكيد عليه عبر تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض، أن إدارة بايدن لا تستبعد هذا الخيار من حساباتها، بل وتعتبره التهديد الأبرز التي قد يؤثر بعمق في سير المواجهة مع المقاومة في قطاع غزة.

محددات موقف حزب الله

يرتبط موقف حزب الله من الدخول في المواجهة الحالية بعدة محددات أبرزها؛ الموقف الأميركي الأكثر تأثيرا على حسابات حزب الله.

حيث أرسلت إدارة بايدن رسائل واضحة في هذا الصدد، كما أرسلت حاملة طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط كتحذير لحزب الله وإيران من عدم تصعيد المواجهة.

كما تشكل وضعية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وقدرتها على الحفاظ على الإنجاز الإستراتيجي الذي تم تحقيقه منذ بداية “طوفان الأقصى”، وقدرتها على التعامل مع ردود الفعل الأميركية والإسرائيلية، عوامل مهمة جدا.

ويقاس هذا الموقف بالقدرة على مواصلة القتال وإدارة العمليات والمحافظة على القيادة والسيطرة.

الأمر الذي يشير إلى أن محدد مراعاة العلاقة الإستراتيجية مع حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية والتأثير المتبادل بينهما يظهر جليا في حسابات حزب الله.

بالإضافة لذلك، فإن الموقف الإيراني من المواجهة، وزاوية النظر وتقدير الموقف الإيراني لردة الفعل الأميركية والدولية تؤثر بشكل حاسم على موقف حزب الله، نظرا لطبيعة العلاقة شبه البنيوية بين الجانبين وتأثير ذلك على احتمالية توسع المواجهة لتشمل إيران نفسها.

فإيران ستكون أقرب للانخراط في المواجهة في حال تعرض كل من حزب الله وحماس لحرب قاسية بغطاء أميركي وغربي.

ولا تشير المعطيات السابقة لمعركة “طوفان الأقصى” أن إيران راغبة في التصعيد بالمنطقة، بل إنها اتخذت سلسلة من السياسات الإقليمية الهادفة لخفض التصعيد والاستفادة من موقف إدارة بايدن الساعي لنفس الاتجاه في التخفيف من الضغط وآثار العقوبات عليها، إلا أن الموقف الذي فرضته معركة “طوفان الأقصى” قد يجبر جميع الأطراف على إعادة حساباته.

كما يضع حزب الله في حساباته مواقف الأطراف اللبنانية المختلفة، فالانقسام السياسي والطائفي في لبنان معقد مع حسابات حزب الله، خاصة في حال أدت المواجهة لحالة تدمير واسعة ونزوح للسكان، ومما يعقد الموقف أكثر الحالة الاقتصادية المتردية التي يعيشها لبنان منذ سنوات.

خيارات حزب الله ما دون المواجهة

وفي ظل هذه المحددات، لدى حزب الله عدة خيارات للتعامل مع الوضع الذي فرضته معركة “طوفان الأقصى”.

وأول هذه الخيارات ما يتم فعليا منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهة باقتصار العمليات العسكرية على مزارع شبعا كونها أراضي لبنانية محتلة.

بمعنى أن العمليات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي ضمن قواعد الاشتباك التقليدية، ويمكن تبريرها في السياق الدولي والقانوني.

في الوقت نفسه، لدى حزب الله مساحة أخرى للمناورة عبر السماح لمجموعات المقاومة الفلسطينية في لبنان لتنفيذ عمليات عبر الحدود مع تأمين الغطاء السياسي والميداني لها دون الإعلان عن تبنيها.

الأمر الذي قد يستفيد منه الطرف الإسرائيلي الراغب أيضا بعدم توسع المواجهة لجبهة جديدة.

الأمر نفسه ينطبق على تنفيذ عمليات إطلاق للصواريخ والقذائف أو تنفيذ عمليات دون تبنيها من أي جهة.

وهذا يحقق لحزب الله مقدرة للضغط على دولة الاحتلال ومنع استفرادها بالمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولا يحمله تبعات واسعة ومبررة، حيث عادة ما تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي برد محدود وموضعي لمثل هذه العمليات.

كما تشكل جبهة الجولان التي يمتلك حزب الله فيها وجودا عسكريا خيارا إضافيا لسلسلة الخيارات التي يدير بها حزب الله التصعيد في جنوب لبنان وفق تطورات المشهد القتالي في قطاع غزة.

الأمر الأكثر مراقبة من جميع الأطراف هو وصول حزب الله إلى لحظة الاضطرار لرفع وتيرة عملياته إلى ما يقرب من الحافة مع اشتداد الحرب في قطاع غزة وفرض التهجير على السكان وارتفاع الخسائر في الأرواح وتهديد وضعية المقاومة هناك، وخاصة في حالة حدوث توغل بري كبير من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وكلما اقترب حزب الله من مستوى من هذا الموقف، زادت احتمالات انخراطه في حرب واسعة.

وتشكل الساعات والأيام القليلة المقبلة اختبارا عمليا لقدرة الأطراف على تجنب مواجهة واسعة يشترك فيها حزب الله.

يأتي ذلك في ظل تصعيد نبرة الخطاب الإيرانية التي عبّر عنها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان حين أكد “أنه لا أحد بإمكانه ضمان بقاء الوضع في المنطقة على ما هو عليه إذا استمرت جرائم النظام الصهيوني”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *