أنقرة– تشهد العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين تحولا إيجابيا ملحوظا في مواقف القوى الكبرى تجاه أنقرة، لا سيما على صعيد توريد الأسلحة، فبعد أن وافق الكونغرس الأميركي في فبراير/شباط الماضي على صفقة لتوريد 40 طائرة “إف-16” وتحديث 79 طائرة أخرى ضمن الأسطول التركي، جاءت خطوة مماثلة من برلين.
إذ وافقت الحكومة ألمانية، الأسبوع الماضي، على تصدير أسلحة ثقيلة إلى تركيا، في صفقة هي الأولى من نوعها منذ عام 2019، وذلك بعد مصادقة المجلس الفدرالي الأمني في برلين على عقد بقيمة 368 مليون دولار مع أنقرة.
وأفادت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، نقلا عن وثائق صادرة عن وزارة الاقتصاد، أن الصفقة تتضمن تسليم 28 طوربيدا من نوع “سي هيك”، والذي يتم إنتاجه بواسطة القسم البحري لشركة “ثيسنكروب”، وتقدر قيمة هذه الأسلحة بـ156 مليون يورو (171 مليون دولار).
بالإضافة إلى ذلك، تشمل الصفقة تزويد تركيا بـ100 صاروخ موجه من إنتاج شركة “إم بي دي إيه” المتخصصة في الأنظمة الدفاعية، كما تتضمن توريد معدات لتحديث غواصات طراز “يو 209″، وقطع غيار لمحركات الكورفيتات والفرقاطات التابعة للبحرية التركية.
♦️بعد أن أعادت ألمانيا تقييم صفقة بيع يوروفايتر لتركيا، تم منح الموافقة لبدء المفاوضات الفنية.
▪️جاء وفد فني من إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، الذين يشكلون كونسورتيوم يوروفايتر، إلى تركيا وبدأوا المفاوضات.
▪️سيتم خلال المحادثات، التي من المقرر أن تستمر حوالي 3 أسابيع،… pic.twitter.com/qTeNEHELP4— Muhammet Erdoğan 🇹🇷- محمد أردوغان (@Muhamed_Erdogan) October 11, 2024
تحولات إستراتيجية
وامتنعت ألمانيا لسنوات عن تصدير الأسلحة الثقيلة إلى تركيا، مدفوعة بجملة من العوامل السياسية والجيوسياسية المعقدة.
ففي عام 2019، اتخذت برلين موقفا حازما ضد العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، المعروفة باسم “عملية نبع السلام”، إلى جانب ذلك، شهدت تلك الفترة تصاعدا في التوترات بشرق البحر المتوسط بين تركيا من جهة، واليونان وقبرص من جهة أخرى، ما ألقى بظلاله على العلاقات بين أنقرة وبرلين.
ورغم أن ألمانيا لم تعلن رسميا عن فرض حظر على مبيعات الأسلحة لتركيا، فإنها عمليا توقفت عن إبرام أي صفقات تسليح كبيرة منذ ذلك الوقت.
وشهدت الشهور الماضية تحسنا ملحوظا في العلاقات بين تركيا وألمانيا، إذ كثف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جهوده الدبلوماسية بشكل لافت تجاه برلين، من خلال سلسلة من اللقاءات التي جمعته بالمستشار الألماني أولاف شولتس في مناسبات متعددة.
كان آخر هذه اللقاءات خلال أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث سعى أردوغان بوضوح إلى إزالة القيود المفروضة على صادرات الأسلحة، وتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.
وقال المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي، طه عودة أوغلو، في حديثه للجزيرة نت، إن هناك تفاهما مهما بين البلدين في عدة قضايا، رغم استمرار الخلافات التي خيّمت على علاقاتهما خلال السنوات الماضية.
وأشار عودة أوغلو إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة تلعب دورا حاسما في إعادة تشكيل هذه العلاقات، لا سيما مع التقدم الروسي في بعض المناطق مؤخرا.
وأكد أن قطاع الطاقة يعد محوريا في هذه المرحلة، حيث تسعى ألمانيا بشكل ملح إلى إيجاد بدائل لمصادر الطاقة الروسية، مما يجعل التعاون مع تركيا خيارا إستراتيجيا مشتركا بين الطرفين. ويرى أن هذا هو أحد العوامل التي دفعت برلين إلى الموافقة على صفقة الأسلحة مع أنقرة.
كما أضاف أن الحروب الجارية في المنطقة كان لها تأثير اقتصادي كبير، ليس فقط على تركيا بل أيضا على ألمانيا، التي تتطلع إلى تعزيز التبادل التجاري خلال المرحلة المقبلة.
تقدم بشأن “يوروفايتر”
على صعيد متصل، أصبحت برلين أكثر انفتاحا على إبرام صفقات تسليح مع أنقرة، ومنها صفقة طائرات “يوروفايتر تايفون”، التي كانت تواجه اعتراضات سياسية قوية داخل الحكومة الألمانية في السابق.
وأكد عاكف شاغاتاي كلتش، المستشار الرئيسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي، أن المحادثات بشأن شراء “يوروفايتر” شهدت تقدما، لكنه امتنع عن تقديم تفاصيل إضافية حول النقاشات الجارية.
وتأتي هذه الصفقة في سياق محاولات تركية، منذ العام الماضي، للحصول على 20 طائرة من طراز “يوروفايتر”، وهي صفقة تُقدّر قيمتها الإجمالية بحوالي 5.6 مليارات دولار، ومع ذلك، ظلت المفاوضات تسير ببطء، نتيجة الانقسامات الداخلية في الموقف الألماني حيال هذه الصفقة.
ووفقا لما نقلته مجلة “دير شبيغل”، بدأت ألمانيا مؤخرا إعادة النظر بجدية في طلب تركيا للحصول على طائرات “يوروفايتر”، بعد فترة من التردد في اتخاذ قرار نهائي.
لقاء مرتقب
وقالت وسائل إعلام تركية إن المستشار الألماني سيصل إلى إسطنبول يوم السبت المقبل للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، في ثالث لقاء بينهما خلال 4 أشهر.
وذكرت التقارير أن مصادر دبلوماسية أكدت سعي برلين منذ فترة لإعادة صياغة علاقاتها مع أنقرة ضمن إطار إستراتيجي جديد، إذ تعتقد الحكومة الألمانية أن التخفيف من موقفها بشأن صفقة بيع طائرات “يوروفايتر” قد يكون خطوة مهمة في هذا الاتجاه، وذكرت التقارير أن المفاوضات الفنية حول صفقة “يوروفايتر” بدأت بالفعل.
فيما وصل وفد ألماني إلى تركيا، في زيارة تستمر 3 أسابيع، لعقد مناقشات حول تدريب الطيارين وصيانة الطائرات وغيرها من الجوانب الفنية.
وفي حين أفادت بعض الصحف بأن ألمانيا تسعى إلى فرض شروط على صفقة بيع طائرات “يوروفايتر” لتركيا، تتعلق بتحديد مناطق استخدامها، فقد نفى الكاتب التركي يحيى بستان هذه الادعاءات في تقرير لصحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة، مستندا إلى مصادره الخاصة.
وأوضح أن تركيا لن تقبل شراء الطائرات بأي شروط مسبقة، وأن الطائرات ستكون تحت السيطرة الكاملة للقوات المسلحة التركية.