القاهرةـ نقلت وسائل إعلام غربية عن مسؤولين مصريين -لم تسمهم- تهديدات بتعليق العمل باتفاقية “كامب ديفيد” للسلام، حال تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، المحاذية للحدود المصرية، وهي المرة الأولى التي يتم فيها التهديد بتعليق الاتفاقية الموقعة منذ عام 1978.
يأتي ذلك فيما أقرت سلطات الاحتلال خطة عسكرية لاقتحام المدينة، بهدف القضاء على 4 كتائب تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تتخذ من رفح مقرًا لها، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأكدت المواقف المصرية الرسمية السابقة على تحمل إسرائيل مسؤولية أوضاع ومصائر الفلسطينيين في غزة، وأعربت عن قلقها أيضا من تدفق مئات الآلاف من المدنيين الفارين من الاعتداءات على رفح، وهو ما يهدد الوضع الأمني في مصر.
الموقف المصري
وذكرت وزارة الخارجية في بيان نُشر على صفحتها على فيسبوك، إنها “ترفض التصريحات الصادرة عن مسؤولين رفيعي المستوى بالحكومة الإسرائيلية، بشأن عزم القوات الإسرائيلية شن عملية عسكرية فى مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، محذرة من العواقب الوخيمة لمثل هذا الإجراء”.
وبينما لم يشر البيان لمصير الاتفاقية، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري في تصريحات صحفية، إن “هناك اتفاق سلام بين بلاده وإسرائيل ساري المفعول منذ 40 عاما، وسيظل قائما”، وهو ما رأى فيه متابعون للتصريحات محاولة لتحميل إسرائيل مسؤولية الحفاظ على الاتفاقية بطريقة مشتركة.
ويرى مراقبون أن خيارات القاهرة السياسية محدودة أمام الإصرار الإسرائيلي على اقتحام رفح، فاتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين تحظر على أحد الأطراف التحرك في مناطق حدودية دون موافقة الطرف الآخر، كما أنها بالمقابل تُعطي إسرائيل نفس الحق عند تحريك مصر لقواتها في المناطق الحدودية في سيناء.
وكانت إسرائيل قد سمحت قبل سنوات بتحرك الجيش المصري في مناطق شرق سيناء الحدودية التي تحظر الاتفاقية عمل الجيش بها، وذلك حين احتاجت مصر لملاحقة مسلحي ولاية سيناء، وهو ما يمكن استخدامه كمبرر بملاحقة إسرائيل للمقاومة الفلسطينية في رفح.
وفي هذا السياق، تتردد تساؤلات حول قدرة مصر على منع الاحتلال من القيام بعملية عسكرية في رفح، وعلى الخيارات التي تمتلكها القاهرة لفرض ذلك، حيث يدرك المراقبون أن الهدف الأساس لعملية رفح المرتقبة هو “تهجير الفلسطينيين إلى سيناء”.
سلاح الاتفاقية
يرى مساعد وزير الخارجية المصري السابق والسفير السابق هاني خلاف، أن “مصر لديها أوراق عديدة لمنع إسرائيل من القيام بعملية عسكرية في رفح، أهمها:
- إمكانية سحب السفير المصري من تل أبيب، وإعلان توقف مصر عن جهود الوساطة لإبرام صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
- تجميد عدد من الاتفاقيات فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي.
- توجيه رسالة للمجتمع الدولي بأن إسرائيل خالفت اتفاقية السلام مع مصر، وأن القاهرة في حل منها.
وشدد خلاف على ضرورة قيام مصر بتدشين تحالف دولي وإقليمي مناهض لقيام إسرائيل بعملية عسكرية في رفح، مستغلةً الرفض الدولي لهذه العملية الخطيرة.
وأكد المتحدث للجزيرة نت على أنه “لم يعد أمام الفلسطينيين النازحين من شمال غزة لجنوبها إلا دخول الأراضي المصرية، وهذا ما يجب أن تتصدى له مصر بقوة وبخطوات معلنة، وأن تأخذ مواقف قوية تعكسها بيانات رسمية وتحركات على الأرض، لمنع سيناريو التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء”.
يستمر سيل التصريحات من كل مسؤول غربي و عربي للتحذير “كإبراء ذمة ” من الكارثة الانسانية والعواقب الوخيمة التى ستترتب على شن اسرائيل عملية عسكرية في رفح
بينما على ارض الواقع لا شيء يتغير: اسرائيل مستمرة في التخطيط للهجوم؛ الدول العربية مستمرة فى الصياح “الحقونا” ؛ ومجلس الامن…
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) February 11, 2024
أوراق عدة
حدد الأكاديمي والخبير في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي محمد سيف الدولة خطوات يجب أن تقوم بها مصر لمنع الاحتلال من القيام بعملية برية في رفح، وفي مقدمتها تجميد العمل بالمادة الرابعة من اتفاقية السلام، والدفع بأعداد كبيرة من القوات والعتاد والأسلحة بالقرب من الحدود في سيناء، لمواجهة المخطط الإسرائيلي للتهجير القسري، والذي يعد الهدف الأهم للعملية البرية في رفح.
كما أشار إلى إمكانية التوقف عن المشاركة في حصار غزة، وإلغاء اتفاقية فيلادلفيا التي تعطي لإسرائيل حق النقض على كل ما يخص معبر رفح، وفتح المعبر لإدخال المساعدات الإنسانية رغما عنها وبدون انتظار إذنها، فضلا عن ضرورة وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، مع إغلاق السفارات وسحب وطرد السفراء.
وأضاف سيف الدولة “مطلوب الإسراع في إعادة أهالي رفح والشيخ زويد، الذين تم ترحيلهم من مدنهم في السنوات الماضية من أجل إقامة منطقة حدودية عازلة، باعتبارهم حائط صد ضد أي انتهاكات إسرائيلية متوقعة، مع إعادة فتح الأنفاق وحفر المزيد منها لإمداد الفلسطينيين بحاجاتهم الحياتية الأساسية، في مواجهة حرب التجويع والتعطيش على الصعيدين الاقتصادي والبشري”.
وأكد الخبير للجزيرة نت أن “مصر بمقدورها أيضا التهديد بإيقاف صفقة استيراد الغاز من إسرائيل، وتجميد عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط، وتجميد اتفاقية الكويز التي تفرض على المصنعين المصريين اختيار شريك إسرائيلي إذا أرادوا تصدير منتجاتهم إلى الولايات المتحدة، علاوة على مراجعة جميع التعاقدات مع كبرى الشركات الأميركية والأوروبية، مع التهديد بإلغائها”.
كما أعرب أستاذ الدراسات الإسرائيلية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور، عن ثقته في “قدرة مصر على منع إسرائيل من تنفيذ عملية عسكرية في رفح”، مشيرا إلى أن “لدى مصر أوراقا عدة تجبر الاحتلال على التراجع، منها تهديده بوقف العمل باتفاقية السلام”.
وأضاف أن هناك حاجة ماسة لإسرائيل لدعم مصر في صفقة تبادل الأسرى مع حماس، وأن إسرائيل لن تستطيع تجاوز خطوط مصر الحمراء، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى “حرص الدول العربية على استمرارية نموذج السلام مع مصر، وعدم المساس باتفاقية السلام”، كما شدد على قدرة مصر على إفشال مساعي نتنياهو لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مؤكدا على حاجة إسرائيل للحصول على موافقة مصر لتنفيذ العملية، وهو ما لن تتسامح معه القاهرة.
بدوره رأى رئيس المؤسسة العربية للدراسات الإستراتيجية العميد سمير راغب في مداخلة له على إحدى القنوات الفضائية، أن “اتفاقية كامب ديفيد تقول إن أي عمليات أو تحركات للجنود الإسرائيليين في المنطقة (د) بعمق 11 كيلومترا من ممر فيلادلفيا إلى داخل قطاع غزة، يجب أن تتم بموافقة مصر، ولو خالف الجانب الإسرائيلي ذلك فإنه يعرض اتفاقية كامب ديفيد للخرق، ويفتح أبواب جهنم”، وفق تعبيره.