ما تأثير خلافات المعارضة التركية على فرصها في الانتخابات؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

أنقرة- مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في تركيا، تواجه المعارضة تحديات جمّة، تبرز فيها الصعوبات والتحديات الداخلية بشكل خاص، لا سيما في ظل الانقسامات والصراعات التي شهدها أبرز أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري.

وألقت الخلافات العلنية بين رئيس الحزب أوزغور أوزيل ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، حول تحديد المرشحين للانتخابات المحلية في عدة مناطق، بظلالها على الحزب، مما جعله عرضة لانتقادات متزايدة من الداخل والخارج.

كما أن الانتقادات الصادرة من رؤساء البلديات الحاليين الذين لم يتم ترشيحهم لفترات قادمة، تضم اتهامات بوجود إقصاء ملحوظ للأكراد والعلويين ضمن صفوف الحزب أو “تهميش مناصري كليجدار أوغلو”، مما عكس نوعا من الاستياء والانقسام داخل الحزب، وهو ما يشير إلى صراعات أعمق تتجاوز مجرد تحديد المرشحين للانتخابات.

في المقابل، يبدو “تحالف الشعب” الذي يجمع بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، في وضع أكثر استقرارا واتزانا، مما يزيد من تحديات المعارضة، لا سيما بعد ارتفاع حدة الاختلافات وتوسع الانشقاقات في صفوف أحزابها الذين اجتمعوا تحت راية “تحالف الأمة”، خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام الماضي.

صديق الأمس عدو اليوم

وتُظهر الخلافات والتراشق الحاصل بين حزب الشعب الجمهوري وحزب “الجيد” عمق الشقاقات بين الحزبين، التي بدأت في أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 2023، إثر خسارة تحالف الأمة بقيادة كمال كليجدار أوغلو لصالح رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، بينما عزز حزب العدالة والتنمية موقعه في البرلمان بفوزه بـ268 مقعدًا، تاركًا حزب الشعب الجمهوري بـ169 مقعدا، وحزب الجيد بـ43 مقعدًا.

وفي خطاب حماسي ألقته رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار خلال اجتماع الكتلة البرلمانية للحزب، استخدمت أبياتا شعرية تقول “عندما تندلع حرب هائلة يهرول الرجال، أما الجبان فيتباطأ” في إشارة ضمنية إلى تردد رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة في قبول الترشح للانتخابات الرئاسية ضمن تحالف الأمة، بدلا عن كليجدار أوغلو، الذي لم تكن أكشنار ترى فيه المرشح المثالي.

وأعلنت أكشنار عن خطة حزبها لخوض غمار الانتخابات البلدية المقبلة بشكل منفرد، متخلية عن التحالفات السابقة التي اعتبرتها مخيبة للآمال، لتتهم بعدها رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو، بمنع حزب الجيد من تعليق لوحاته الدعائية في شوارع المدينة.

ولفتت إلى أن العقبات التي تواجه حملتها الانتخابية تنبع من داخل إسطنبول نفسها وليس من العاصمة أنقرة، في إشارة ضمنية إلى أن الرئيس أردوغان ليس مصدرا للضغوط التي تواجهها.

وفي تحول مثير للأحداث داخل الحلبة السياسية التركية، واجه حزب الجيد تحديات داخلية كبرى على خلفية سلسلة استقالات ضربت صفوفه، تزامنا مع إعلان رئيسته ميرال أكشنار خوض الحزب للانتخابات المقبلة بمفرده.

لكن تصريحات الرئيس السابق لكتلة الحزب الجيد بالبرلمان إبراهيم أوزكان، التي جاءت عقب استقالته، ألقت الضوء على اجتماعاته المتكررة مع رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، التي وصفها بـ”ممارسة سياسة الباب الخلفي”، مما أثار الجدل حول طبيعة التحالفات والوعود التي تم تبادلها.

وفي رد فعل متوقع، وصفت أكشنار هذه الاستقالات والتحركات غير المعلنة بأنها “هجوم مباشر على مستقبل حزب الجيد”، مؤكدة عزمها على التصدي لأية محاولات للتدخل في الشؤون الداخلية للحزب، في تصريحات شديدة اللهجة أظهرت حدة الصراع داخل صفوف المعارضة التركية.

بينما استهجن إمام أوغلو تصريحات رئيسة الحزب الجيد، ووصفها بأنها تجاوزت الحد، مؤكدا استعداده لمد يد التعاون لكل الأطراف والحفاظ على علاقات ودية مع رئيسة حزب الجيد.

تطورات جديدة

أصدر المقر الرئيسي لحزب الشعب الجمهوري بمنطقة “يورما” في طرابزون بيانًا يعلن فيه دعمه لمرشح حزب الجيد في الانتخابات المحلية القادمة، بناء على تعليمات رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو، مما يسلط الضوء من جديد على التوتر المتصاعد بين إمام أوغلو وأوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري.

وأشار المحللون إلى أن هذه الخطوة من إمام أوغلو تهدف إلى مد جسور التواصل مع رئيسة حزب الجيد أكشنار، التي لم تصدر أي تعليقات بخصوص هذا التطور حتى الآن.

وكان ملفتا للأنظار العلاقة الودية التي ظهرت بين إمام أوغلو وأكشنار خلال تواجدهما في جنازة شقيقتها، حيث تبادلا الأحاديث بطريقة تعكس مستوى من الاحترام والتقدير المتبادل، مما اعتبره البعض خطوة في طريق عودة العلاقات بين الطرفين.

أكرم إمام أوغلو (يسار) في جنازة شقيقة ميرال أكشنار (الصحافة التركية)

تحرر أحزاب المعارضة

وتحدث الباحث السياسي أحمد أوزغور للجزيرة نت، عن تحولات كبيرة في إستراتيجيات أحزاب المعارضة التركية، التي بدأت تخوض الانتخابات بشكل مستقل، متحررة من ضغوط التعاون السابق مع حزب الشعب الجمهوري، مما يعكس رغبة في تعزيز الهويات السياسية الفردية، وتحسين فرصها في الانتخابات المحلية القادمة.

وأكد أوزغور أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مايو/أيار 2023 أظهرت أن “الوحدة في مواجهة الرئيس أردوغان لم تعد كافية كإستراتيجية للفوز، مما عكس حالة من الإحباط وربما اليأس لدى الأحزاب الصغيرة”.

وقال رئيس فرع الشباب في حزب الشعب الجمهوري جوكشان علو كوش للجزيرة نت، إن “الأزمة بين إمام أوغلو وأوزغور أوزيل تتخذ منحى متسعا، وقد تصل إلى حد القطيعة، إذ يبدو أن كل طرف بدأ يبحث عن مصالحه وتطلعاته بشكل مستقل، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الوضع الحالي للحزب”.

كما أشار إلى “ضرورة الانتباه إلى وجود كمال كليجدار أوغلو، الذي يبدو أنه ينتظر اليوم التالي للانتخابات ليثبت حضوره مجددا، خاصة في حال خسارة الحزب السيطرة على البلديات الكبرى”.

وحذر علو كوش من أن “الأزمة مع حزب الجيد قد تؤثر سلبا على توازن المعارضة في وقت حرج، مع اقتراب الانتخابات المحلية”، مؤكدا أن كل الأزمات التي تحدث قبل الانتخابات تصب في مصلحة حزب العدالة والتنمية، مما يعرض مستقبل المعارضة للخطر.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *