قدمت جنوب أفريقيا طلبا إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة لإقامة دعوى ضد إسرائيل، مصحوبا بطلب اتخاذ تدابير مؤقتة ضدها لإخفاقاتها المحتملة في منع جريمة الإبادة الجماعية، التي يبدو أن الفلسطينيين المحاصرين والواقعين تحت القصف المتواصل في قطاع غزة يتعرضون لها.
ونبه الموقع الإخباري الفرنسي ميديا بارت إلى اختصاص هذه المحكمة -وهي مختلفة عن محكمة الجنايات الدولية– في الفصل في النزاعات بين الدول.
وأشار إلى أن صلاحيات هذه المحكمة محدودة بسبب سيادة الدول، التي لا تخضع لولايتها القضائية إلا منذ اللحظة التي تعطي فيها موافقتها، أو في حال توقيعها على بند اختياري يتعلق بالولاية القضائية الإجبارية، وهو ما لم يفعله سوى ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وبسبب محدودية هذه الولاية -كما يقول الموقع في تقرير لأنطوان بيرو- سلكت جنوب أفريقيا طريقا ثالثا، وهو اللجوء إلى المحكمة على أساس معاهدة دولية تتضمن شرط الاختصاص القضائي، وهي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في التاسع من ديسمبر/كانون الأول عام 1948.
ومن ثم، تريد بريتوريا إدانة ومنع “الإبادة الجماعية” فيما يتصل بحرب إسرائيل على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحولت إلى حرب على الشعب الفلسطيني، لأن هذه الجريمة يجب منعها أو قمعها منذ اللحظة التي يتم فيها الكشف عن القصد الذي يحددها، وهو ارتكاب أفعال معينة “بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
ويؤكد الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي أن “أفعال إسرائيل وتقصيرها تشكل إبادة جماعية بقدر ما تكون مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من المجتمع الوطني والعنصري الأكبر”.
حجة خادعة
وكان طلب للحصول على رأي استشاري قد قدم في لاهاي هذا العام إلى محكمة العدل الدولية بشأن “العواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية”، وذلك بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمدته في 30 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وقد عارض ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة دون جدوى مثل هذا القرار الذي “يشيطن إسرائيل -حسب رأيه- ويعفي الفلسطينيين من أي مسؤولية عن الوضع الحالي”.
وأضاف المندوب الإسرائيلي أن الإحالة إلى المؤسسة “من شأنها أن تقضي على أي فرصة للمصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين”، وهي الحجة الخادعة التي تبنتها واشنطن ولندن وأوتاوا، خلافا لباريس.
وفي عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا واضحا ضد “الجدار العازل” الذي بنته إسرائيل والذي يشكل، بحسب مؤسسة الأمم المتحدة، عنصرا من عناصر إعاقة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وأوصى الرأي الاستشاري بهدم الجدار وتعويض الأضرار ومنع الشركات من مواصلة البناء، لكن إسرائيل وجدت صعوبة في تحمل مثل هذا التفسير لسياستها المنهجية.
ومنذ ذلك الحين، فقدت المحكمة 15 من أكثر قضاتها الدوليين حكمة وحنكة وفقا لأحد المراقبين، وحل محلهم في يوم واحد دبلوماسيون من خبراء فن الانقسام المدفوعين بالرغبة في عدم الإساءة إلى أي شخص.
رفض باشمئزاز
وقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتو “باشمئزاز” تأكيدات جنوب أفريقيا، وقال “سنواصل حربنا الدفاعية التي لا مثيل لها في العدالة والأخلاق”، مضيفا أن الجيش “يفعل كل ما في وسعه لتجنب إيذاء المدنيين، في حين أن حماس تفعل كل شيء من أجل إيذائهم وتستخدمهم دروعا بشرية”.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية ليور حيات قد وصف الطلب بأنه “تشهير دون أساس قانوني”، مع التأكيد على أن بلاده “تحترم القانون الدولي في حربها ضد حماس في غزة”، ومع ذلك، سيترك الطلب الذي قدمته بريتوريا آثارا لا يمكن إلا أن تزعج من يعولون على محوها.
ويبقى مسار تحقيق العدالة في هذه المسألة، وفقا لفيليو، طويلا ومتعرجا، بحيث لم تعد كلمة الأقوى هي الأولى أو الأخيرة، وحتى يتضح لمن يحكموننا أن لا أحد فوق القانون.